كتب: هشام شعبان
حتى ساعات قليلة من وفاته المفاجئة، ورغم بلوغه سن الـ74، ظل محمد خان حاملا روح الشاب بداخله.. الشاب الذي أخرجه للنور في جميع أفلامه.. المتمرد والمكبوت والمبدع واليائس والمتفائل.. ظل خان متجددا في كل عمل يقدمه على مدار 40 عاما من الإبداع.. في تنهيدة عادل إمام في "الحريف" وغطرسة أحمد زكي في "زوجة رجل مهم" وجرأة هنا شيحة في "قبل زحمة الصيف".. عاش المخرج المبدع 74 عاما يحطم في تابوهات التقييد والكبت وقتل الروح عبر نافذة السينما الساحرة.. سينما محمد خان..
محمد خان ظل متشبثا بأمل التغيير ورحل في
ساعة مبكرة من صباح اليوم، دون أن يرحل تفاؤله أو ترحل سيرته وإبداعاته التي سطرت عقودا في تاريخ الأمة المصرية..
خان.. الذي ولد في القاهرة يوم 26 أكتوبر 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، سافر إلى بريطانيا بعد حصوله على الثانوية العامة من مدرسة حكومية مصرية لدراسة الهندسة التي تركها فيما بعد ودرس السينما وألف بالإنجليزية أول كتاب عن تاريخ السينما المصرية بعنوان "مقدمة للسينما المصرية" ثم عاد إلى مصر وأصبح من رموز ما يسميه النقاد بالواقعية الجديدة في السينما المصرية.
بدايته
نشأ محمد خان في منزل مجاور لدار سينما مزدوجة وكان يرى مقاعد إحداها ولا يرى الشاشة، وكان يشاهد الأفلام في اليوم الأول ويتابع شريط الصوت بتركيز بقية الأيام.. كان حريصا على جمع إعلانات الأفلام من الصحف، وشراء مجموعات صور الأفلام، وبالرغم من ذلك، فإنه لم يكن يحلم يوما بأن يصبح مخرجا سينمائيا، حيث كانت الهندسة المعمارية هي حلم طفولته.
التحول من الهندسة إلى الإخراج
في عام 1956، سافر إلى إنجلترا لدراسة الهندسة المعمارية، إلا أنه التقى بالصدفة بشاب سويسري يدرس السينما هناك وذهب معه إلى مدرسة الفنون، فترك الهندسة والتحق بمعهد السينما في لندن، ولكن دراسته في المعهد اقتصرت فقط على الاحتكاك بالآلات ومعرفته للتقنية السينمائية، أما مدرسته الحقيقية فكانت من خلال تعرفه على السينما العالمية في الستينيات، ومشاهدته لكمية رهيبة من الأفلام، ومعاصرته لجميع التيارات السينمائية الجديدة في نفس وقت نشوئها وتفاعلها.
فقد شاهد أفلام الموجة الفرنسية الجديدة، وأفلام الموجات الجديدة للسينما التشيكية والهولندية والأمريكية، وجيل المخرجين الجدد فيها، كما تابع أفلام أنطونيوني وفلليني وكيروساوا وغيرهم من عمالقة الإخراج في العالم، وبالإضافة إلى هذه الحصيلة الكبيرة من الأفلام، فقد كانت هناك حصيلته النظرية، أي متابعته لمدارس النقد السينمائي المختلفة، مثل "كراسات السينما الفرنسية والمجلات السينمائية الإنجليزية الأخرى، وهي بالفعل مدرسة محمد خان الحقيقية، التي جعلته ينظر إلى السينما نظرة جادة ومختلفة عما هو سائد في مصر والعالم العربي. وقد تأثر بأنطونيوني على وجه الخصوص.
لقد عاش محمد خان فترة طويلة في إنجلترا، دامت سبع سنوات، حيث أنهى دراسته في معهد السينما عام 1963، بعدها عاد إلى القاهرة وعمل في شركة فيلمنتاج "الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي"، تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، وذلك بقسم القراءة والسيناريو مع رأفت الميهي ومصطفى محرم وأحمد راشد وهاشم النحاس.
ولم يستطع خان الاستمرار في العمل في هذا القسم أكثر من عام واحد، سافر بعدها إلى لبنان ليعمل مساعدا للإخراج مع يوسف معلوف ووديع فارس وكوستا وفاروق عجرمة، وبعد عامين هناك، سافر مرة أخرى إلى إنجلترا، حيث هزته هناك أحداث حرب 1967، فأنشأ دار نشر وأصدر كتابين، الأول عن السينما المصرية والثاني عن السينما التشيكية، وكان يكتب مقالات عن السينما، وفي عام 1977 عاد إلى مصر وأخرج فيلما قصيرا.
بعدها مباشرة بدأ خان مشواره السينمائي بفيلم ضربة شمس عام 1978، أولى تجاربه الروائية الفيلمية، والذي أعجب به نور الشريف عند قراءته للسيناريو، لدرجة أنه قرر أن ينتجه.
أشهر أفلامه
على مدار 40 عاما من الإبداع الإخراجي، قدم محمد خان أكثر من 20 فيلما بدأت بـ"ضربة شمس" وانتهت بـ"قبل زحمة الصيف"، وتخللهما أفلام "الحريف" و"زوجة رجل مهم" و"أيام السادات" و"عشم" و"فتاة المصنع" و"في شقة مصر الجديدة" و"عودة مواطن" و"خرج ولم يعد"..
الحصول على الجنسية المصرية
حصل المخرج السينمائي البارز على الجنسية المصرية بعدما تجاوز عمره السبعين عاما، وذلك في 19 مارس 2014 بقرار رئاسي ليتوج نحو 40 عاما من العمل وأكثر من 20 فيلما وعشرات الجوائز في مهرجانات مصرية ودولية، أهمها جائزة أفضل فيلم عربي عن فيلم "في شقة مصر الجديدة" عن مهرجان دمشق الدولي، وجائزة أفضل إخراج من جمعية الفيلم عن فيلم "الحريف" بمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، وجائزة السيف الفضي عن فيلم "زوجة رجل مهم"، وجائزة الدولة التقديرية عن فيلم "ضربة شمس" وغيرها من الجوائز والمشاركات المتميزة في المهرجانات السينمائية العربية والعالمية.