من منا لا يتذكر صوت الرئيس الراحل أنور السادات، وهو يلقى البيان الأول لثورة يوليو 1952، لكن هل يعلم أحد من هو كاتب هذا البيان الموجز المحكم؟

اللواء جمال حماد أصبح مؤرخ يوليو 1952.. وتصدى للرد على تشويهات "الأستاذ" لحركة الأحرار عين ملحقًا عسكريًا لمصر فى عدة بلدان عربية وشغل منصب محافظ لفترة وجيزة قبل التفرغ للكتابة  أعماله عن يوليو والنكسة وحربى الاستنزاف وأكتوبر توصف بوثائق تاريخية شديدة الموضوعية

 

اللواء أركان حرب جمال حماد، هو كاتب بيان الثورة الأول، والذى أُعلن من خلاله دخول مصر مرحلة جديدة من تاريخها الحيوى، بينما كانت نقطة قوته أنه أوجز أهداف ودوافع الضباط للإطاحة بالملك، ومنح الناس فكرة موجزة عن خطتهم المستقبلية لمصر..

 

يقول البيان الشهير فى نصه الكامل الذى قد يقرأه كثيرون للمرة الأولى عبر "مبتدا": "اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون المغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين. وأما فترة ما بعد هذه الحرب، فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش، وتولّى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد، حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولّى أمرنا فى داخل الجيش، رجال نثق فى قدرتهم وفى خلقهم وفى وطنيتهم، ولا بدّ أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب. أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين، فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم فى الوقت المناسب".

 

ويتابع البيان "وإنى أؤكد للشعب المصرى، أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح المواطن، فى ظل الدستور مجردًا من أى غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف، لأن هذا ليس فى صالح مصر، وأى عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل، وسيلقى فاعله جزاء الخائن فى الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونًا مع البوليس. وإنى أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسؤولًا عنهم... والله ولى التوفيق... القائد العام للقوات المسلحة لواء أ.ح. محمد نجيب".

 

 

جمال حماد

 

واللواء حماد، الذى بات يعرف بمؤرخ ثورة يوليو وكاتب بيانها الأول، من مواليد عام 1921. تخرج فى الكلية الحربية منتصف أبريل عام 1939، حيث بدأ خدمته العسكرية فى السودان، ثم انتقل لمنطقة القناة، ثم إلى الإسكندرية فى أثناء الحرب العالمية الثانية.

 

كما عمل مدرسا لمادة التكتيك العسكرى والأسلحة فى مدرسة المشاة والكلية الحربية بين 1942 و1946، قبل أن ينضم لحركة الضباط الأحرار عام 1950 ليشارك فى الإعداد لجميع الخطوات النهائية والرئيسية لثورة يوليو 1952. وبعد نجاح حركة الضباط الأحرار، واستقرار الأوضاع بين يديهم، عين اللواء جمال حماد مديرًا لمكتب القائد العام للثورة اللواء محمد نجيب، ليكلف بعد ذلك بالانتقال للعمل ملحقًا عسكريًا لمصر بين عامى 1952 و1957 فى كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق.

 

كذلك عين محافظا لكفر الشيخ، ثم محافظا للمنوفية بين 1965و1968. ليتفرغ فيما بعد للتأريخ شديد الموضوعية لثورة يوليو وجميع الأحداث العسكرية الكبرى فى مصر، خلال العصر الحديث، وفى مقدمتها حرب 1956 ونكسة يونيو 1967 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة.

 

 

محمد حسنين هيكل

 

وفى شهادته عن اللواء جمال حماد، يقول المؤرخ الراحل الدكتور عبدالعظيم رمضان: "..واللواء جمال حماد يعد بحق مؤرخ ثورة يوليو. وذلك بحكم اشتراكه فيها، وفى صنع الخطوات الأولى منها. والكتاب الضخم الذى أصدره تحت عنوان "أسرار ثورة يوليو" يعد وثيقة مهمة بالفعل. تستحق أن تعقد حولها ندوات ومناقشات.. خصوصًا بعد أن ناقش فيه أقوالا صدرت للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل. وفيه يظهر الفرق بين الكتابة المحققة والكتابة السطحية.. ويلاحظ أن اللواء جمال حماد هو الوحيد الذى تصدى لأقوال هيكل حول ثورة يوليو. من باب العلم والمعرفة. ولأنه كان طرفا فى الأحداث".

 

ويكمل رمضان شهادته قائلًا: وتحت عنوان "أحداث يوم 23 يوليو بين الحقيقة وخيال الأستاذ هيكل" يقول اللواء جمال حماد: "فى الفصل الأخير من كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل" (سقوط نظام)، وعنوانه "ساعة سقوط الملكية"، ابتدع هيكل سيناريوهات عن ليلة الثورة، تفوّق فيهما على نفسه. وعلى كل ما ابتدعه من قبل من سيناريوهات، فقد احتفظ فيهما لنفسه بدور البطولة المطلقة. وجعل كل الشخصيات الأخرى المشتركة فى الأحداث من عسكريين ومدنيين كومبارس. يلعبون أدوارهم وفقا لمشيئته وفى حدود الأدوار المرسومةلهم