«كل امرأة في ساحل الذهب هي عروستي»، كلمات عاش بها كوامي نكروما، رئيس الوزراء الأول آنذاك في غانا، الدولة التي كانت تسمى قديمًا بـ«ساحل الذهب»، كلمات لم تكن مجرد تعبير مجازي بل أمر واقع افتخرت به الغانيات، فكن يعقدن خصلات شعورهن للإعلان للجميع، «قضيت ليلة أمس في فراش نكروما»، حتى حضرت هذه السيدة، امرأة مصرية كانت لتغير كل شيء على الصعيد السياسي والاجتماعي في الدولة الإفريقية.
العام 1958، مر قرابة عام على تولي «نكروما» منصب رئيس الوزراء الأول في بلاده، ويشهد شهر يناير زواجه من عروسة ليست من بلاده، ولا تتحدث لغته، بل لم يراها من قبل، كانت امرأة مصرية تدعى فتحية هيلين رزق، عيناها لوزية في غاية الجاذبية، سوداء داكنة، لكن جمالها لم يكن هو سبب زواجه منها، كانت السياسة هي السبب الرئيس الذي أقنعه بتلك الزيجة، كما ادعى تقرير نشرته مجلة «جيت» الأمريكية، في عددها الصادر في 20 فبراير 1958.
كانت العلاقات بين مصر وغانا ليست في أفضل أحوالها، وعلى الجانب الآخر كانت إسرائيل تتوغل اقتصاديًا في الدولة المستقلة حديثًا، وفي احتفالات الاستقلال تم دعوة الدولة الصهيونية فيما لم توجه الدعوة للمصريين، كما شاركت غانا الدولة العبرية في شركة نقل بحري تحت اسم «النجمة السوداء»، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي في مجالات أخرى، إلا أن كل هذه الاتفاقات ربما اعتقد الغانيون أنها في صالحهم، إلا أنهم ووجهوا بحقيقة صادمة، كانت مصر بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر تتحكم في قناة السويس، ما يهدد استمرار عمل سفن «النجمة السوداء» وكان يجب على الغانيين التحرك سريعًا لإنقاذ مشروعهم، كما ذكرت المجلة الأمريكية.
قرر رئيس الوزراء الغاني الزواج من مصرية، وهو ما لقى مباركة من «عبدالناصر»، وأدى إلى تحسن العلاقات الدولية بين مصر وغانا.
لكن الرواية الأمريكية ينفيها تمامًا «جمال»، نجل الرئيس الغاني الراحل «نكروما» وزوجته المصرية «فتحية»، في حديث خاص لـ«المصري لايت»: «لم يكن لوالدي علاقات مع إسرائيل فهذه الرواية غير صحيحة بالمرة، فوالدي كان الرئيس الأول لغانا المستقلة فمتى أقام هذه الاتفاقيات مع إسرائيل، كما أن إسرائيل اعتبرت نكروما أحد أصدقاء عبدالناصر»، وقال ابن الرئيس الغاني الراحل إن «جولدا مائير ذكرت في مذكراتها أنها لم تكن تحب نكروما»، وأضاف أن والدته تبرعت لمصر ببعض ممتلكاتها بعد حرب 1967، كما اعتبر حديث الأمريكان بهذه الطريقة عن والده طبيعًا، موضحًا: «الأمريكان هم من صنعوا الانقلاب ضد والدي لذا فمن الطبيعي أن ينشروا مثل هذه الروايات».
وبقت فتحية نكروما، التي ولدت في حي الزيتون بالقاهرة، وعملت مدرسة وموظفة ببنك قبل زواجها من الزعيم الغاني، في بلاد زوجها حتى تم إسقاطه لتعود بأولادها الـ3 إلى مصر، حتى توفيت عام 2007.
ووصفها ابنها «جمال» في مقال له قائلًا: «في أيامها كانت السفيرات النساء نادرات، ولاعتبارات الطبيعة السياسية لزواجها، أصبحت سفيرة غير رسمية لبلدها مصر»، كما روى كواليس زواجها من والده قائلًا: «كان خالي الأكبر قد غادر مصر مع زوجته الإنجليزية حين تقدم والدي لخطبة والدتي، وكانت جدتي رافضة لفكرة زواج بنتها هي الأخرى من أجنبي ومغادرة مصر، ورغم أن والدتي حاولت إقناعها بأن نكروما بطل ضد الاستعمار كعبدالناصر، إلا أن جدتي أصرت على الرفض، وعزفت عن الحديث إلى والدتي ولم تعطها مباركتها على الزواج».
أما «عبدالناصر» فاستدعاها بعد علمه بعرض الزواج من رئيس الوزراء الغاني، «سألها إذا كانت واثقة من رغبتها في قبول عرض نكروما، موضحًا لها أن الزواج من زعيم دولة إفريقية يحارب من أجل الاستقلال من الحكم البريطاني يحمل كثير من الواجبات والمسؤوليات والتضيحات والمخاطر».
وردت «فتحية» على الرئيس قائلة: «أرغب في الزواج من زعيم مناهض للاحتلال، قرأت سيرته الذاتية وأعرف معاناته خلال دراسته في أمريكا وبريطانيا، ومعاناته في النضال ضد الاستعمار بعد عودته إلى بلاده، ومعجبه به جدًا، لكن فقط عائلتي تقف في طريقي».
غادرت «فتحية» وهي على قطيعة مع أهلها إلى غانا للزواج من زعيمها، لتجد نفسها منعزلة عنه بأكثر من حاجز، كما يروي ابنها، «كانت تتحدث القليل من الإنجليزية، وكان عريسها لا يتحدث العربية ولا الفرنسية التي أتقنتها هي، لكن بإصرارها استطاعت أن تلقي أول خطاب لها بالإنجليزية بعد 3 أشهر فقط، وبعدما عشقت بلدها الجديدة، نادرًا ما عادت إلى مصر، كانت سعيدة بالهروب من الثقافة المحافظة التي تربت فيها كما أعجبت بحيوية الثقافة الغانية، وكانت مندهشة جدًا بالحرية الكبيرة للمرأة الغانية، وهم أحبوها أيضًا، المرأة القوية التي تحكمت في تجارة القماش، حتى سميت إحدى القطع التي صممت تحديدًا من أجلها (فتحية تستحق نكروما)».
وأوضح ابنها «جمال» لـ«المصري لايت» أن «الغانيون لا يزالون يعتبرونها السيدة الأولى لغانا وجنازتها في غانا كانت عظيمة».