التخلص من العمالة الزائدة وإدارته باحترافية وتمويله من الضرائب تحوله لـ«بى بى سى» مصرية
ربما قد ترى دوائر فى السلطة فى التخلص من ماسبيرو خطوة أقرب إلى عملية انتحارية غير مأمونة العواقب.
ذلك إذا ما تم النظر إلى حجم العمالة الضخم الذى يتجاوز الأربعين ألفًا، وما يمكن أن يترتب على تسريحهم من أزمات اجتماعية وسياسية مثيرة للقلق، أو فى أقل التقديرات تستدعى رصد مبالغ تعويضية ستثقل بلا شك موازنة الدولة المنهكة أصلًا.
غير أن أصواتًا أخرى لا ترى أى إصلاح مرتقب لماسبيرو أو لإنقاذ منتجاته الإعلامية الرديئة فى مجملها، ومن ثم فإسدال ستار النهاية عليه هو أسلم الطرق لتوفير نفاقات مريعة لا تبدو فقط مهدرة، حيث بلغت الخسائر هذا العام فقط 4 مليارات جنيه، وإنما أيضًا وللأسف يساء استخدام تلك النفقات على نحو يساهم فى عدم توضيح الصورة الحقيقية للدولة فى الخارج، بل وفى كثير من الأحيان يظهرها فى صورة مخجلة.
الفريق المؤيد لإغلاق ماسبيرو بالضبة والمفتاح على أساس أن تكلفة التخلص منه فى كل الأحوال أقل بكثير من فاتورة استمراره، يتمسك بأن الدولة ليست فى حرب، وسبق أن تخلت أساسًا عن منصب وزير الإعلام، فيما أن استراتيجيات التعبئة الجماهيرية الرسمية قد اختفت تقريبًا من العالم، إلا من بعض النظم الشمولية المشرفة على الانقراض، فى وقت تقوم فيه مؤسسات الإعلام الخاص فى دول مرموقة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، بدور أكثر نجاعة فى التعبير عن بلدانها.
لكن الرأى السابق على رجاحته مردود عليه بأن دولًا أخرى متقدمة لا تزال تحتفظ بكيانات تمثلها، ويتم تمويلها من دافع الضرائب، كـ«بى بى سى» فى بريطانيا و«الدويتشه فيله» بألمانيا، غير أن جودة المنتج الإعلامى المقدم، ناهيك بالمهنية العالية للمشتغلين فيها، مع الانحياز التام للثوابت الوطنية والقومية لدولة المنشأ، تجعل منها رايات إعلامية ذات ثقل محلى ودولى كبير، وهو ما يفتقده بشدة ماسبيرو على نحو مريع.
الحل السحرى لمسبيرو فى غربلته من العمالة الزائدة عن الحد التى قد تؤدى إلى تسريح ما يربو على ثلثى موظفيه، مع منح إدارته لمؤسسة محترفة تمتلك القدرة على تقديم منتج إعلامى مثمر سياسيا واقتصاديا، فى ظل فصل تام لها عن أى تبعية مباشرة للحكومة، إلا من باب الرقابة على الجودة.
مع ضرورة أن يتم تمويل أنشطة ماسبيرو المعدل مباشرة من دافع الضرائب على غرار ما يحدث فى النوافذ الغربية المماثلة، مع ضمان أن تعود عليه أمواله المنفقة فى هذا الشأن فى صورة منتج يحترم عقليته ويلبى مزاجه العام فى الثقافة والوعى السياسى والنشاط الاجتماعى.
فى تلك الحالة، تبدو الاقتراحات البرلمانية المتعلقة بتحصيل مئة جنيه سنويا كضريبة استخدام الراديو (الكاسيت) فى السيارات، ذات وجاهة إذا ما تم ضخها مباشرة فى منظومة ذكية ومحكمة لتطوير ماسبيرو ليكون صوت الدولة الحى لا صوتها المخنوق المنفر.