ظهر الفسادُ في برّ مصر وبحرها، بما كسبت أيدى الناس، مصرُ تحتل دوما مركزا متقدما في مؤشر الفساد العالمى، قضايا الرشوة والاختلاس والنصب والنهب والسرقة واختلاس المال العام والخاص عرضٌ مستمرٌ، حلقاتُها أطولُ من حلقات المسلسلات التركية، لا الكبارُ قانعون، ولا الصغارُ راضون، الأثرياء يكتنزون المال اكتنازا، ويقولون: هل من مزيد؟ والفقراء يلهثون وراء المال، لا يميزون بين الحلال والحرام، التعاليمُ الدينيةُ فقدتْ جدواها في النفوس، لا فرقَ بين مسلم ومسيحى، الإسلام يؤكد في مواضع كثيرة أن آكلى الحرام سوف يلقون أشد العذاب، فيما تشدد المسيحية على أن “التقوى مع القناعة تجارة عظيمة”، النفس البشرية جُبلت على حب المال حبا جمّا، كثير منا يفقد كبرياءه أمام شهوة المال، شهوة المال أعنف من شهوة الغريزة، صباح كل يوم..
نستيقظ على أخبار بالقبض على مستشار وزير لتورطه بالحصول على رشوة مليونية، وضباط يحصلون على رواتب شهرية من مجرمين لإبلاغهم بخريطة ومواعيد الحملات الأمنية، ومسئول أزهرى كبير لا يخجل من تلقى رشوة، ورئيس حى يحصل على رشوة من مقاول ليُمكنه من البناء المخالف، ومسئول بنكى يختلس عدة ملايين من الجنيهات من أموال المودعين، ووزير يحصل على رشاوى، من بينها “أداء فريضة الحج”، نظير تسهيله الاستيلاء على المال العام، ووسطاء يتلقون عشرات الآلاف من الجنيهات لإلحاق آواخر الكليات بالوظائف المرموقة، وإلحاق غيرهم بكليات مهمة، ليبقى الفساد ويتوغل، جيلا بعد جيل، حتى يرث اللهُ الأرض ومن عليها، ومُوجّه أول بوزارة التربية والتعليم يبلغ أصحاب مراكز الدروس الخصوصية بخطط حملات الضبط القضائى حتى يغلقوها يوم التفتيش نظير “عمولة معتبرة”، وقيادات دينية تزور شهادة الابتدائية كى يبقوا في مناصبهم حتى الخامسة والستين، وقيادات بمؤسسة دينية تحصل على مخصصات مالية لمساجد وهمية “فبركوا أوراقها”، وأطباء ومحامون يغالون في أجورهم، كما لا يخفى على أحد ما نلاقيه عند الذهاب إلى مؤسسة حكومية لإنجاز بعض الأوراق والمستندات الرسمية، حيث الأدراج المفتوحة، والأيدى الممدودة، والعيون الزائغة، وإما أن تدفع بالتي هي أحسن أو تنصرف بالتي هي أحسن، غير مأسوف عليك، فضلا عن تجار المخدرات والآثار والسلاح والسلع المغشوشة، وكذلك أولئك المتربصين بك عندما تفكر في ركن سيارتك، أو المتراصين عند إشارات المرور وعلى النواصى يسألون الناس إلحافا، فضلا عن نشطاء السبوبة، الذين باعوا وطنهم بملايين الجنيهات، كما لم يخلُ العمل الصحفى من هذا الشر المستطير، حيث لا يخجل صحفيون من السطو على أعمال زملائهم ببركة “الكوبى والبيست”، وهكذا حتى صار التكسب من حرام قاعدة، والحرص على الحلال استثناء.
لم يعد يأبه أيكتسب ماله من حلّ أم من حرمٍ، سقطت الأقنعة، انتصرت علينا نفوسنا المريضة، النفس أمّارةُ بالسوء إلا من رحم ربى، ألسنتا تلهج بقول الله تعالى: “وفى السماء رزقكم وما توعدون”.