جرح مغلق على صديد يؤدى حتما للبتر، مهما دارينا وكممنا الصوت الذى يغرد لإصلاح أو توعية، سينفجر كل ما خبئناه بخيابة وخوف وطى أوراق فى ملفات، الصعيد جنوب مصر الملئ بالخير يئن منذ سنوات، فلا نحن كسبنا خيراته ولا التفتنا نهتف بالروح بالدم نحن معًا.
الصعيد الجميل، والصعايدة الأجمل، رجال هم قوام بلد قوية كبيرة، مصر الحقيقية هى الصعيد، زياراتى القليلة القصيرة هناك تفى لأفهم أن هناك وطن جنوبى إذا كنا فى أزمنة متعاقبة مختلفة اعتنينا به، لوفرنا تربة خصبة للتنمية، التعليم غائب عن عقول ذكية، والثقافة متوقفة عن أرواح هذبتها الشمس، المصانع التى كان يجب أن تنمو فى حضن الجبال، لكى تجد طريقها إلى قلب أفريقيا، كان الصعيد دائمًا مصدر غموض لكل حاكم فتعامل مع هذا الملف كمصدر إزعاج، كما نكبس البن على جرح نازف غويط، فعلنا فتلوث الجرح حتى اعتاد أن يكون مفتوحًا لكل الاحتمالات.
الصعيد نبع النيل منبع الحرية نبؤة الحضارة، أغلقنا بابه الثقيل على كل ما نتوقع.. لكى لا نرى ولا نسمع ولا نتكلم فنرتاح، فخلق كل ما لا نتوقع من علاقات أصبحت على الحافة، من يحكم الصعيد إلا تراثها وعاداتها وتقاليدها، يحدث فى الصعيد الآن أكثر مما يصلنا منه ونسمع عنه، كل شئ خلف الباب الثقيل المثقل بسنوات الإهمال.. يتم، ثم بين حين وحين تخرج صرخة أقوى من أن يحجبها ثقل الباب.. فتدهشنا أيامًا قبل أن نغلق الباب خلفنا مرة أخرى بإحكام لكى لا يصلنا ولو صدى صوت بعيد.
الصعيد، عيدان الفتنة ليست نائمة، ليست فقط بين مسلم ومسيحى ولا قبيلة وأخرى ولا عائلة وثانية، إنما بين أجيال سافرت للخليج ثم عادت وأخرى ظلت حارسة لظل الأرض، فمن أحق بالأرض؟ من يملك ثمنها؟ أم من حرسها من الضياع؟، الصعيد.. فتنة السلاح الممنوع والمخدرات؟ الصعيد حكم المرأة القوية وكرامة الرجل الذى يشعر أن الوقت مناسب لكى يأمر ويحكم.
انحسرت الثقافة، كما انحسار النيل فى أيام عجاف، فتركت عقول كثيرة مثل أرض بور.. لا تفهم إلا لغة السلاح الروسى المخبئ فى كهوف الجبل.
ماحدث أمس مع سيدة الصعيد، أو فى مواجهة قصة حب بين مسيحى ومسلمة، قصة معادة مكررة، لكننا لا نقرأ التاريخ، كما أن ذاكرتنا صدئة وعيوننا مدفونة فى التراب، ليس علاجها اعتذار أو اعتزال أو جلسات صلح كاذبة ويبقى بعدها ما فى القلب فى القلب والعقل، إنما حساب عسير صلب لكل من أخطأ مهما كان،
تحقيق فورى معلن دون تحفظ، يقظة شعبية ترد للسيدة كرامتها المهدرة، خطة طويلة الأجل تبدأ بكسر الباب الثقيل بيننا وبين الصعيد، تصبح مصر واحدة، الجنوب والشمال، تمتد مشروعات التنمية أكثر وأسرع لكى تنحسر التجارات الممنوعة، ويصل الإعلام بصورة مختلفة عن كل الصور التقليدية التى حفظناها عنهم، وأن تمد الدولة يدها بشجاعة لكى تقضى على الفساد وهو كثير هناك، لأن البعيد عن العين.. بعيد عن المحاسبة، ثم.. أرجوكم ألا نكذب ونقول كل شئ تمام، لا.. كل شئ فى الصعيد ليس كذلك، لدينا فرصة.. لكنها تبدو كالأخيرة، وفيها لا يجب أن ننسى أن فكرة فصل الجنوب عن الشمال فى دولتين ما زالت أحد أحلام قوة كثيرة فى الداخل وفى الخارج.