قبل أقل من عام، تحديدا في الـ20 من أكتوبر الماضي، برز تصريح لوزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج الدكتورة نبيلة مكرم، تحدثت خلاله عن موضوع لم يسلط عليه الضوء كثيرا من قبل وسائل الإعلام المصرية، رغم ماله من أهمية قصوى تقتضي وقفة حاسمة لمناقشة أسباب هذه الظاهرة التي بدت تستوحش حتي تطال مزيد من أبنائنا القصّر.
 
"مكرم" تحدثت عن وصول مركب علي متنه 560 طفلا مهاجرين غير شرعيين، بعضهم- بحسب تصريحات الوزيرة على فضائية النهار- لا يتجاوز الـ11 عاما، ورغم استفحال هذه الظاهرة وتطورها، إلا أن تدفق الأخبار بشكل شبه يومي حول الهجرة غير الشرعية باتت لا تشكل إزعاجا لمن يقرأها كما كان في السابق، لكن حينما يتعلق الأمر بالأطفال هكذا فلابد للصيحات أن تعلو.
 
بداية الرحلة
شريحة كبيرة من الأطفال تسافر عن طريق المراكب بطريقة غير شرعية إلي ايطاليا، أملين الوصول إلي هنالك أمنين، ليتحقق الثراء المنشود، إما بدافع شخصي أو مجبورين بل مقهورين علي السفر من قبل أهاليهم، لكن الأمر يختلف كثيرا مع القصّر عن ذويهم من الفئات العمرية الكبيرة.
 
فالقصّر يصبح لهم الحق في الحصول علي إقامة لمجرد الوصول إلي السواحل الإيطالية بعد رحلة من العناء يبرز الموت في أعينهم خلالها كل لحظة، وطالما أنه لم يتجاوز سن الـ18 عاما يصبح له حق الإقامة تحت مسمي "إقامة القاصر" بحسب ما تقره القوانين الإيطالية. 
 
وبحسب تلك القوانين، فإن هؤلاء الأطفال لا يحق لهم العمل لأنهم لم يبلغوا سن الرشد بعد، فيتم توجيههم إلي مراكز الإيواء المنتشرة بشدة في روما وجزيرة صقلية، وهي ليست مراكز احتجاز، لكنها أماكن لتجمع هؤلاء الأطفال، يوجد بها أخصائيين اجتماعيين مهمتهم تعليم هؤلاء الأطفال اللغة الإيطالية والدفع بهم إلي المدارس وتعليمهم حرفة يدوية، لتأهيلهم إلي سوق العمل بعد أن يبلغوا سن العمل المقر به في القوانين الإيطالية. 
 
درب الأشواك
ورغم ما تقدمه تلك المراكز من تعليم وتدريب وتطوير لهؤلاء الأطفال، إلا أنهم يلجأون لحيل الهروب من هذا الواقع، لأنه وببساطة لم يأت من أجل ذلك بل للبحث عن المال وحلم الثراء السريع، وهنا يسلك درب الأشواك، فيقوم بالهروب من مراكز الإيواء ويذهب إلي الأسواق بهدف العمل في الخضار والفاكهة، ساعتها يصطدم بالقانون الايطالي الذي يمنع عمل القاصر، فيصبح هذا الطفل تحت وطأة التجار، فيلجأ إلي حيل أخري للحصول علي أموال بطريقة غير شرعية من خلال العمل في المخدرات والدعارة، وهو الطريق السهل للحصول علي كل ما يريد.
 
"أنا ضد كل هذه المراكز، فأثناء عملي كقنصل مصري في روما كنت أناقش هذا الموضوع، لأن هؤلاء الأطفال يتعاملون مع السفارة المصرية علي أنها عدوهم، لأنهم يعتقدون أن القنصلية ما إن تتكشف أمرهم ستقوم بترحيلهم علي الفور، وبالتالي فهؤلاء الأطفال ينظرون إلي السفرة علي أنها بمثابة الحكومة الهارب منها في مصر"، هكذا قالت الوزيرة نبيلة مكرم وزير الهجرة وشئون المصريين في الخارج، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج اليوم في ساعة علي فضائية النهار، وتستطرد بالقول" لذلك كنت أقوم بعمل زيارات لهذه المراكز في روما وجزيرة صقلية بهدف تنمية العلاقة بين هؤلاء و السفارة المصرية، لتحسين الصورة الذهنية لديهم". 
 
الصعيد المتصدر
محافظات الصعيد هي أكثر المحافظات المصدرة لهؤلاء الأطفال، بحسب وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، حيث أن أغلب الأطفال المهاجرون إلي إيطاليا من تلك المحافظات التي تحتاج إلي رعاية تنموية من قبل الدولة ، وقالت مكرم: بعد تقلدي الوزارة عدت إلي ايطاليا لمناقشة هذا الملف، لأن أحد ملفات الوزارة هو الهجرة غير الشرعية، فبعض الأطفال يمرون بأزمات نفسية وهناك أخصائيين نفسيين لعلاجهم. 
 
أبله نبيله
وتستطرد "مكرم" بالقول " ذكرت، اليوم، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب أن هناك ما يزيد علي2500 طفل يعملون بشكل غير شرعي وبعضهم يعمل في أعمال غير شرعية في الدعارة والمخدرات، لكن الأعداد الحقيقية تفوق هذا العدد الصادر من ايطاليا"، مشيرة إلي أنها حينما كانت تعمل في القنصلية المصرية في إيطاليا، وأثناء تواصلها مع مراكز الإيواء ولقائها بهؤلاء الأطفال، ونظرا لأنهم في سن صغيرة لم يكن يعلموا أني قنصل ولكن كانوا ينادونني بـ"يا أبله"!.
 
لو رجعت هموتك
الوزيرة نبيلة مكرم تقول إنه أثناء تواصلنا مع هؤلاء الأطفال كنا نحاول إقناع أهاليهم بالعودة وكان هناك عدد من الأطفال لديهم الرغبة في العودة لمصر لكننا كنا نفاجأ برفض ذويهم، حتي أن والد أحد هؤلاء الأطفال قال أثناء مكالمة هاتفية مع إبنه "لو رجعت هموتك"، وفيما يبدو أن هناك رغبة قوية من ذويهم ببقاء أبنائهم مهما كان الثمن.