قال العميد حمدي نجيب، الملقب بقائد رحلات الموت بمعركة كبريت، أحد أبطال الكتيبة 603 مشاة برمائي، إن الكتيبة بقيادة المقدم إبراهيم عبد التواب صمدت 114 يوم أمام الحصار أثناء حرب أكتوبر وحتى بعد وقف إطلاق النار.
وأضاف نجيب، في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، بمناسبة الاحتفال بالذكرى 34 لتحرير سيناء، أننا عبرنا القناة مع أول موجة للعبور يوم 6 أكتوبر مع الكتيبة وكانت مهمتنا الأساسية هي احتلال المضايق وممرين "متلا –والجدي" لمنع العدو من الإمداد بالنقط.
وتابع أنه في يوم 8 أكتوبر صدرت الأوامر باحتلال نقطة كبريت القوية وكانت من أخطر وأصعب النقاط في مواجهة مدينة السويس وهي المنطقة الفاصلة بين الجيشين الثاني والثالث الميداني وأضيق منطقة بين البحيرات المرة الكبرى والصغرى والقريبة من شاطيء القناة وترجع أهميتها إلى أنها تعتبرا مقر لمركز عمليات إسرائيلي كبير يشرف على تأمين خط بارليف وأيضا ينزل فيه كبار القادة الإسرائيليين لمتابعة الموقف على طول الجبهة المواجهة لمدينة السويس وتشرف على مطار كسفريت الإسرائيلي.
وأشار إلى أن هذه النقطة محصنة بألغام وتحيط بها دبابات لها مرابض تتخفى وراءها تضرب الأهداف ثم تختبيء وراء المرابض فلا يستطيع أحد استهدافها وتقع هذه النقطة بين ثلاثة اتجاهات للعدو والخلف قناة السويس أي العدو أمامنا والبحر خلفنا ورغم ذلك عبرنا إلى المنطقة وتعاملنا مع نيران ودبابات العدو لمدة يومين وكانت هناك خسائر كبيرة من الجانبين لكن الجانب الإسرائيلي تكبد خسائر أكبر في الأفراد والمعدات حتى هرب باقي جنوده من الموقع وخرجوا فارين، ونظرا للأهمية الكبيرة للنقطة كانت القوات الإسرائيلية تشن غارة كل 5 دقائق مع أول ضوء وحتى آخر ضوء، ولكننا قاومنا وكبدناهم خسائر فادحة، وكبدتنا خسائر كبيرة ومنعت عنا الامدادات بالإضافة إلى 70 جريحا لم نستطع إخلاءهم طبيا ونسفوا لنا مخزنا للذخيرة.
وأوضح العميد حمدي نجيب أن من أكثر الغارات التي تصدت لها قواتنا في معركة كبريت عندما علم المقدم إبراهيم عبد التواب أن الإسرائيليين يحضرون لغارة على الموقع وتحركت إلينا أكثر من 20 دبابة فأصدر القائد إبراهيم أوامره بالضرب والهجوم، فأصيب الإسرائيليون بحالة من الذعر الشديد وتم تدمير نحو 16 دبابة إسرائيلية مما اضطرهم إلى الهروب، ثم حاولت سيارة إسرائيلية الاقتراب من الموقع، فقام أحد أفراد الكتيبة بضربها، فانقلبت وتم أسر ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا على متنها، وأثناء التحقيق معهم، كشف الأسرى عن غارة إسرائيلية ضخمة يعد لها بهدف دك الكتيبة في الخامسة مساء، وبالفعل أربع طائرات فانتوم دكت الموقع بشراسة، رغم ذلك ظلت القوات صامدة، ولم يستطع الإسرائيليون اقتحام الموقع مجددا.
وأكد نجيب أن الكتيبة كانت نحو 400 جندي وضابط تحت قيادة البطل إبراهيم عبد التواب في هذا الموقع يقاتلون بكل قوة وأخذوا على أنفسهم عهدا أن لا يتركوا النقطة أبدا للاسرائيليين إلا على جثثهم، وفقدوا الاتصال بقيادة الجيش الثالث الذي يتبعونه إداريا وبدأت الإمدادات والذخيرة تنفذ.
وقال إن أهم الأشياء التي لا يستطيع نسيانها أبدا أنه عندما توقف الدعم والإمداد كان هناك نقص كبير في المياه ونحن نتحمل عدم الأكل ولكن الشرب صعب ووراءنا قناة السويس ماؤها مالح فقام أحد الجنود من حملة المؤهلات وكان خريج كلية علوم بتسخين المياه وتبخيرها واستخلاص المياه النقية ليشرب منها الموجودون في الموقع وكانت أول سابقة لتحلية مياه البحر في مصر أثناء حرب أكتوبر.
وكشف عن بطولة أخرى لأحد الجنود الذي يزرع عددا من الصواريخ والألغام لتفجير الآليات الإسرائيلية التي تهاجم الموقع وقد نفذت الذخيرة وكان هناك رتل من الدبابات قادم علينا فقمنا بإخلاء الموقع وحفر كل فرد حفرة للاختباء بها من نيران العدو وبقينا أنا وزميلي عصام والجندي الذي يزرع الألغام وقررنا أن الموت أهون من الأسر أو ترك النقطة وتم تفجير كل الألغام التي زرعها الجندي منذ الصباح ولكنها لم تصب دبابات العدو وبقيت ثلاثة فقط لابد من تفجيرهم عن قرب واستأذن الجندي منا أن يقوم بهذا العمل ولكننا رفضنا وحاولنا أن نقوم بها نحن إلا أن الجندي أصر ما جعلنا نوافق واستهدف الثلاث دبابات بثلاثة صواريخ ما أجبر العدو على الالتفاف والهرب سريعا خوفا من صواريخنا ولم يكونوا يعلموا أنها آخر 3 صواريخ وأن الموقع لايوجد به غيرنا وهم كانوا يهاجمون بآليات كبيرة ومتعددة وأنقذنا الموقع وعادت باقي القوة إليه مرة أخرى.
واستشهد المقدم إبراهيم عبد التواب يوم 14 يناير 1974 وعندما علم الاسرائيلون بنبأ استشهاده توقفوا عن الضرب في هذا اليوم ولم تخرج طلقة واحدة منهم تجاه الموقع تعبيرا عن احترامهم الشديد لتمسك هذا القائد بالموقع واستبساله ضدهم طوال هذه الفترة وظلت الكتيبة صامدة حتى بعد استشهاد القائد لمدة شهر آخر حتى قرار إيقاف إطلاق النار وغادرناها في20 فبراير 74.