يحل الملك سالمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية ضيفًا عزيزًا على مصر غدًا" الخميس" فى أول زيارة رسمية لمصر ولعل توقيت الزيارة يجعلها تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للبلدين من جهة ولشعوب المنطقة من جهة أخرى، إذ أن التنسيق بين القاهرة والرياض عبر التاريخ دائمًا ما يكون محورًا مهمًا فى صناعة مستقبل المنطقة وعاملًا أساسيًا فى مجريات الأحداث.

تأتى زيارة العاهل السعودى لمصر وسط حفاوة شعبية بالغة تعكس عمق الروابط بين الشعبين المصرى والسعودى التى تمتد عبر التاريخ ولعل من يراجع ملف العلاقات الثنائية بين القاهرة والرياض، سيجد أن هذه العلاقات تقدم نموذجا للعلاقات العربية - العربية الذى نفتقدها حاليًا فى ظل التحديات الراهنة التى تواجه الأمة وتتطلب عملًا عربيًا مسئولًا يصل إلى مستوى هذه التحديات التى تهدد مستقبل الأمة.

ومن المؤكد أن القمة المصرية - السعودية المرتقبة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى وشقيقة الملك سلمان سوف تضع أسس تحرك عربى مشترك للدفاع عن المصالح العربية والتصدى لمؤامرات ومخططات تسعى للنيل من الامة العربية وتقويض دورها وضرب استقرارها عبر جماعات العنف والإرهاب.

وتؤكد الزيارات المتبادلة بين القيادتين المصرية والسعودية التنسيق المشترك وتطابق الرؤى بين مصر والسعودية تجاه هذه التحديات وتحقيق مصالح الشعبين فقد شهدت العشرين عاماً الماضية العديد من الزيارات المتبادلة على جميع المستويات بين البلدين، جنبًا إلى جنب بحث القضايا والمستجدات على الساحتين العربية والدولية، وفي هذا الإطار تشهد العلاقة بين البلدين عددا من اللقاءات لدعم القضايا الثنائية والإقليمية.

وتعكس الملفات المطروحة على القمة المرتقبة بين الرئيس السيسى والملك سلمان الأهمية الكبرى لهذه الزيارة، إذ أن هذه الملفات تشمل مجمل العلاقات المصرية - السعودية فى مجالات التعاون الاقتصادى والسياسى والعسكرى حيث سيتم التوقيع على حزمة اتفاقيات تمثل نتاج ما تم التوصل إليه فى مفاوضات اللجنة التنسيقية المشتركة كما أنها تمثل فى مجملها أيضا نفلة نوعية فى العلاقات المصرية - السعودية

كما تأتى الزيارة للرد على شائعات المشككين التى يروجها دعاة الفرقة منذ تولى الملك سالمان مقاليد الحكم فى المملكة، في محاولة لضرب استقرار العلاقات الثنائية بين البلدين،

والمتابع لتاريخ العلاقات المصرية ـ السعودية سيتأكد أنها تمر بواحدة من أزهى فتراتها على مر العصور فى تاريخ الشرق الأوسط، على عكس ما توقعة الكارهون والحاقدون.

فبعد وفاة العاهل السعودى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود دار الجدل حول العلاقات المصرية ـ السعودية فى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، الأمر الذى دفع الملك سلمان فى التأكيد على موقفة من مصر وشعبها فى رسالة قطع بها الطريق أمام المزايدين والمغرضين.

موقف الملك سلمان تجاه مصر

أكد العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أن موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير، وأن السعودية تقف إلى جانب الحكومة المصرية وشعبها فى فترة هى الأصعب على الإطلاق مع خوض مصر حربها المصيرية ضد التنظيمات الإرهابية فى سيناء وعدد من المدن المصرية.

وقال الملك سالمان:"إن ما يربط البلدين يعد نموذجًا يحتذى به فى العلاقات الإستراتيجية والمصير المشترك، وإن علاقة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية أكبر من أى محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بينهما".

العلاقات السياسية

شهدت العلاقة بين مصر والسعودية، تطورًا قويًا منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين عام 1926م، فقد أيدت المملكة مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفى 27 أكتوبر عام 1955 وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.

ووقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وقد قدمت المملكة لمصر في 27 أغسطس 1956 (100 مليون دولار) بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي وفى 30 أكتوبر أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر.

وعقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية مصر وسوريا والأردن عام 1967م توجه الملك فيصل بن عبد العزيز بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود، واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر 1973حيث ساهمت المملكة في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وقادت المملكة معركة البترول لخدمة حرب أكتوبر.

وفي أعقاب ثورتي 25 يناير للعام 2011م، و30 يونيو للعام 2013م، قدمت السعودية دعمها السياسي والدبلوماسي والمالي لمواجهة المواقف المناوئة للثورة وحظرها أنشطة الجماعات الإرهابية، ومساندة الاقتصاد المصري بعد الثورة.

وعٌقدت فى 8/9/2014 أعمال الاجتماع الوزاري الثاني للجنة المتابعة والتشاور السياسي المصري السعودي برئاسة وزير الخارجية سامح شكري وسمو الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وبحضور وفدي البلدين، وتناولا الطرفان العلاقات المتميزة في مختلف المجالات بين البلدين وسبل المزيد من تطويرها بما يجسد العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين.

واستعرض الوزيران بشكل متعمق سبل تطوير العمل العربي المشترك وتناولا عدد من القضايا الإقليمية التي تهم البلدين، حيث تناولا وجهات النظر بشأنها وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في العراق ومسار الأزمة السورية والوضع في ليبيا واليمن، فضلاً عن تناول ظاهرة الإرهاب المتنامية في منطقة الشرق الأوسط في ضوء انتشار التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وأهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة خطر هذه التنظيمات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة ومختلف ربوع العالم.

التعاون العسكري:

اتسمت علاقات مصر والسعودية، بعمق في العلاقات العسكرية بينهما، ففى 10/3/2016 شهد الرئيس عبد الفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز وعدد من ملوك ورؤساء الدول المشاركة، المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "رعد الشمال" 2016 والذى تشارك فيه وحدات من القوات المسلحة المصرية والسعودية مع 20 دولة عربية وإسلامية شقيقة، بالاضافة لقوات درع الجزيرة والذى استمر على مدار 3 أسابيع بمجمع ميادين التدريب بمدينة الملك خالد العسكرية بمحافظة حفر الباطن شمال السعودية. شهدت المناورات تدريبات مكثفة على مواجهة التهديدات المحتملة سواء في إطار الحرب النظامية أو غير النظامية، كما تم خلالها التعاون الوثيق بين مختلف عناصر القوات المسلحة من الدول العربية المشاركة لتحقيق الأهداف المرجوة من المناورات.

وفى 14/4/2015 قام الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي السعودي بزيارة لمصر، التقى به الرئيس عبد الفتاح السيسى.

واستعراض الجانبان آخر المستجدات وتطورات العمليات العسكرية التي تتم في إطار عملية "عاصفة الحزم" التي تستهدف إرساء الاستقرار والأمن في اليمن والحفاظ على هويته العربية، ومساعدته على تجاوز تلك المرحلة الدقيقة في تاريخه صوناً لمقدرات الشعب اليمني وحفاظاً على حقوقه.

وتناول اللقاء أيضاً دور الثقافة والإعلام كوسائل للتوعية والتنوير وزيادة درجة الوعي لدى المواطنين ونقل الحقائق المتعلقة بكافة القضايا التي تشهدها المنطقة العربية، فضلاً عن أهمية الثقافة والتعليم كأدوات فاعلة وداعمة للخطاب الديني لدحر الإرهاب والفكر المتطرف.

وقام الفريق أول صدقى صبحي، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، فى 10/4/2015بزيارة للسعودية، استقبله نظيره السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، تناول اللقاء المشاركة العسكرية المصرية في تحالف "عاصفة الحزم" وسبل تعزيز العمل العسكري المشترك فى التحالف بما يحقق أهداف العملية العسكرية وعودة الشرعية بشكل كامل فى اليمن.

وبدأت عناصر القوات البحرية المصرية والسعودية، فى14/2/2015 فى تنفيذ المرحلة الرئيسية للمناورة البحرية "مرجان 15" التي تشارك فيها العديد من القطع البحرية وعناصر القوات الخاصة وطائرات اكتشاف ومكافحة الغواصات لتنفيذ العديد من الأنشطة التدريبية المشتركة لتأمين المياه الإقليمية وحركة النقل بنطاق البحر الاحمر.

وكانت المشاركة العسكرية بين الجانبين خلال حرب تحرير الكويت عام 1991، وقد شهدت العلاقات عدد من الزيارات العسكرية المتبادلة بين القادة والمسئولين العسكريين في كلا البلدين لبعضهما البعض وبشكل دوري لتبادل الآراء والخبرات والمعلومات العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي تهم البلدين.

وقد قامت المناورات التدريبية المشتركة لجيشي البلدين مثل مناورات "تبوك" للقوات البرية للبلدين ومناورات "فيصل" للقوات الجوية للبلدين ومناورات "مرجان" للقوات البحرية للبلدين.

ويعمل الطرفان جاهدين على أن تشهد التدريبات المستقبلية توحيدًا كاملا ليس للعقيدة القتالية فقط وإنما للمصطلحات العسكرية. فالتصريحات المتبادلة بين مسئولي البلدين تعبر عن إدراك متبادل عن أهمية تكاتف البلدين في مواجهة الأخطار المشتركة وأن "أمن الخليج من أمن مصر".

ستظل تتسم العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية بأسس وروابط قوية نظراً للمكانة والقدرات الكبيرة التي تتمتع بهما البلدين على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، حيث تؤكد الخبرة التاريخية إن لقاء مصر والمملكة على إستراتيجية واحدة ممثلة في التنسيق الشامل يمكن أن يحقق الكثير للأهداف والمصالح العربية العليا، وهو ما عبر عنه الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، في توضيح الأهمية الاستراتيجية للعلاقات المصرية - السعودية بمقولته الشهيرة:"لا غنى للعرب عن مصر.. ولا غنى لمصر عن العرب".