شهد مقتل 15 من الصاعقة المصرية في معركة مع القبارصة وقتلة يوسف السباعي
هبوط الطائرة المصرية المختطفة، صباح اليوم الثلاثاء، بمطار «لارنكا» فى قبرص أعاد إلى الأذهان حادث اغتيال وزير الثقافة الكاتب الشهير يوسف السباعى والمعركة التي حدثت فى هذا المطار بين قوات الصاعقة المصرية والحرس الوطنى القبرصى بناء على تعليمات من الرئيس الراحل السادات إنتقاما لمقتل صديقه «السباعى»، الذى رافقه فى زيارته الشهيرة إلى تل أبيب.
اغتيال السباعى
نفس المطار فى يوم الجمعة 17 فبراير 1978 وصل يوسف السباعى وزير الثقافة المصرى آنذاك، إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا، على رأس الوفد المصرى المشارك فى مؤتمر التضامن (الأفروآسيوى) السادس، وبصفته أمين عام منظمة التضامن الإفريقى الآسيوى، لكن «السباعى» لم يعلم ماذا تخبأ له الأقدار هناك فى صباح يوم السبت التالى، نزل الوزير المصري من غرفته بفندق هيلتون، متوجهًا إلى قاعة المؤتمر بالطابق الأرضى، وكان المؤتمر قد بدأ بالفعل برئاسة الدكتور فاسوس ليساريدس، نائب سكرتير المنظمة، ورئيس الحزب الاشتراكى القبرصى، توقف السباعى فى تلك الأثناء أمام منفذ بيع الكتب والجرائد المجاور لقاعة المؤتمر، وحينها أطلقت عليه 3 رصاصات أصابته فى مقتل، بعد اغتيال السباعى، أخذ القاتلان نحو 30 من أعضاء الوفود المشاركين فى مؤتمر التضامن كرهائن، واحتجزوهم فى كافيتيريا الفندق مهددين باستخدام القنابل اليدوية فى قتل الرهائن، ما لم تستجب السلطات القبرصية لطلبهما بنقلهما جوًا إلى خارج البلاد.
الرهائن يتحدثون
الكاتب والأديب إدوارد الخراط، أحد المتواجدين فى الحادث يقول في شهادته «ظهر رجل فى آخر القاعة يمسك مسدسًا وقال لى «تعالى يا أخى»، والمسدس موجه لى، ووجدت السباعى ممددا على الأرض، ومغطى بالجرائد فى نفس الممر، فمشيت طبعًا كالمغيب إلى عنده، وأدخلنى القاعة حيث وجدت فيها الكثير جدًا من مندوبين وأعضاء المؤتمر معتقلين، ووجدت آخر يمسك قنبلة بيده ويهدد بتفجيرها عند أى طارئ يحدث، وبالتالى أصبحنا فى الرهائن».
ويضيف الخراط:«طلبوا منا أن كل واحد يربط يد زميله بالكرافتة، وخرجنا بهذا الشكل من قاعة الطعام تحت تهديد المسدس والقنبلة إلى أتوبيس كانوا أحضروه لهم أو أعدّ لهم من السلطات القبرصية، استجابت السلطات القبرصية لطلب القاتلين وتقرر إقلاعهما على طائرة قبرصية من طراز "DC8" وذلك من مطار لارنكا، أطلق القاتلان سراح معظم الرهائن بينما واصلوا احتجاز 11 رهينة من بينهم 4 رهائن مصريين، ثم أقلعت بهم الطائرة من قبرص لكن عدة دول رفضت أن تهبط بها طائرة الرهائن من بينها ليبيا وسوريا واليمن الجنوبية، وبعد هبوط اضطرارى فى جيبوتى تقرر عودة الطائرة إلى مطار لارنكا.
السادات يثأر
فى الـ19 من فبراير عام 1978، أقيمت المراسم الجنائزية لدفن يوسف السباعى، ولم يحضر الرئيس السادات الجنازة، لكنه أناب عنه نائب رئيس الجمهورية محمد حسنى مبارك، حينها ووزير الدفاع عبدالغنى الجمسى، وقد شهدت مراسم الجنازة ردود أفعال شعبية ورسمية غاضبة، لم يتأخر السادت فى الرد على جريمة اغتيال السباعى، فأرسل فى اليوم التالى طائرة تقل مجموعة من رجال الصاعقة إلى قبرص بغرض القبض على القاتلين وتحرير الرهائن المحتجزين على متن الطائرة القبرصية، وفى السادسة مساء طلب قائد الطائرة العسكرية المصرية رخصة للهبوط فى مطار لارنكا مدعيًا أنه على متن الطائرة وزيرًا مصريًا حضر خصيصًا للتفاوض مع القاتلين.
ويقول حسن شاش، سفير مصر الأسبق فى قبرص: «أخذت السيارة وذهبت إلى المطار، فوجدت كابريانو، الرئيس القبرصى، واقفًا فى برج المراقبة وحوله وزراء، ووصلتنى برقية من مصر، تفيد بأن وزير الإعلام أتى لكى يتفاوض فى موضوع الرهائن والمختطفين، فأبلغت رئيس الجمهورية كابريانو، فقال لى عندما تأتى الطائرة، خذ معك وزير لكى تستقبلوا الوزير المصرى، فوجدنا طائرة غريبة جدًا "C130" عسكرية أوقفوها فى آخر المطار، هبط أحد جنود الصاعقة للاستطلاع وسرعان ما تأكد للقبارصة أن على متن الطائرة وحدة قوات خاصة مصرية مجهزة بالأسلحة فحذرت الحكومة القبرصية القوات المصرية من مهاجمة طائرة الرهائن».
وهنا يقول حسن شاش: «ذهبت مع الوزير القبرصى ودخلنا الطائرة، ووجدت شخصًا يرتدى زى الصاعقة، ونزل يركض ويقول لى "فين الملحق العسكرى؟"، قلت له "أنا السفير"، قال لى "بصراحة أنا جاى أعمل عملية فدائية لتخليص الرهائن من المختطفين».
ويضيف السفير الأسبق:«كانت طائرة المتختطفين بعيدة عن الطائرة المصرية، فذهبت إلى الرئيس القبرصى، فوجدته منزعجًا جدًا وقابلنى بعاصفة، وقال لى «أنتم جايين تحتلوا قبرص. أنتم إيه يا مصريين. حد قال لكم أنتم تيجوا؟»، فقلت له «مصر جاية عشان خاطر تساعدك إنك تتخلص من المختطفين»، قال لى «أنا دولة محترمة. إزاي أنكم أنتم تعملوا كده؟"» فقلت له «أنا أعطيك وعد شرف أن محدش هينزل من الطيارة إلا بإذنك وأن دول جايين تحت أمرك يخدموك ومش عايزين حاجة غير فك الرهائن وإيقاف المختطفين والقبض عليهم».
بدء العملية العسكرية
كان القبارصة قد توصلوا فى تلك الأثناء إلى اتفاق مع القاتلين على إطلاق سراح الرهائن مقابل الحصول على جوازات سفر قبرصية، ولكن ما لبث قائد قوات الصاعقة المصرية بإعطاء أوامره بالهجوم الشامل على الطائرة القبرصية، ومع بدء الهجوم المصرى، هاجمت قوات الحرس الوطنى القبرصى قوات الصاعقة المصرية، ودارت بينهم معركة استمرت قرابة 50 دقيقة وأسفرت عن تدمير الطائرة العسكرية المصرية، وقتل 15 من رجال الصاعقة المصريين وجرح على ما يزيد على 80 مصابًا من الطرفين، وتم القبض على من تبقى من قوات الصاعقة المصرية.
قطع العلاقات
فى اليوم التالى لمعركة مطار لارنكا، طلب رئيس الوزراء ممدوح سالم، من الدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية آنذاك، أن يسافر إلى قبرص ليتفاوض مع السلطات القبرصية من أجل استعادة رجال الصاعقة المعتقلين هناك وأيضًا العودة بجثث الضحايا، فى 20 فبراير عام 1978، وبعد أن تحركت الطائرة التى استقلها بطرس غالى ورجال الصاعقة المصريون بدقائق معدودة، أعلنت مصر قطع علاقاتها مع قبرص وسحب اعترافها بالرئيس القبرصى كابرينو، واستدعاء بعثتها الدبلوماسية من نيقوسيا كما طالبت الحكومة القبرصية بسحب بعثتها الدبلوماسية من القاهرة.