* أصحاب المصانع:
- درجة الحرارة مرتفعة فى الروبيكى وتؤثر على الجلود والمواد الكيماوية.. ونطالب بمهلة
- أرض الروبيكى رملية لا تتناسب مع حجم الماكينات ووزنها.. ونحتاج إلى أرض خرسانية
* عضو شعبة دباغة الجلود:
- قرار سيادى سيدمر صناعة الجلود.. والمصدرون هم المستفيد الأول
- الروبيكى تفتقد للأسقف العازلة وشبكة كهرباء مناسبة.. والعاملون سيتكلفون ما لا يطيقون
"منطقة المدابغ" بسور مجرى العيون بمصر القديمة، التي قررت الحكومة نقلها إلى منطقة الروبيكى بمدينة بدر لتنفيذ مخطط سياحي، مهدد سكانها حاليًّا بحالة من عدم الاستقرار الاجتماعي، فضلاً عن فقد الآلاف من العاملين بصناعة الجلود والحرف الأخرى المرتبطة بها لوظائفهم وعملهم.
بدون مراعاة لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية التي تصل إلى مستوى تحت الصفر، قررت الحكومة نقل هؤلاء إلى مدينة بدر في 30 يونيو المقبل، إلا أنَّهم تحدَّثوا عن حالةٍ من الفوضى سيمرون بها بسبب ما أسموها "الفوضى" التي سيتسبب فيها هذا القرار.
في هذه المنطقة، هناك 1450 وحدة سكنية، وعدد المدابغ يصل إلى 1066 ورشة ومصنعًا، فضلًا عن عدد المحلات التي تصل إلى 205 محلات، ويزيد عدد العاملين بهذه المدابغ على عشرة آلاف عامل، كما تبلغ المساحة المستهدف إخلاؤها 271 ألف متر مكعب.
"التحرير" تنقلت بين الورش والمصانع بمنطقة المدابغ بمجرى العيون، واستمعت إلى المتضررين بالمنطقة والرافضين النقل والموافقين الذين اشترطوا عددًا من المعايير لا بد من توافرها أولاً قبل نقلهم:
مهلة عامين
قال عبد الله الزقم، خبير في تصنيع الجلود لمحالج القطن، أحد أصحاب المصانع بمنطقة المدابغ، إنَّه لولا صناعة الجلود لتوقفت جميع مصانع حلج الأقطان، التي تعتمد بشكل أساسي على الجلود في فصل البذور عن الأقطان، وسيتوقف بالتالي21 محلجًا تابعة لأكبر خمس شركات في البلاد.
وأضاف: "نحن لا نعارض نقل المدابغ لكن بأسلوب علمي لا يضر بقطاع الجلود، ولا يسبِّب حالةً من الفوضى بالسوق، فنحن نطالب بمهلة عامين على الأقل قبل استلام الوحدات التي خصَّصتها لنا الحكومة بمنطقة الروبيكي، فمعظم الماكينات بمنطقة المدابغ حاليًّا قديمة، وسنشتري غيرها وسيمثل ذلك عبئًا ماليًّا جديدًا علينا".

الغزو الصيني
وأوضح الزقم: "لا بد من الحد من غزو المنتج الصيني للسوق المصرية، وبخاصةً الحذاء الصيني الذي أغرق السوق، فمصر تحتل المرتبة الثالثة في صناعة الجلود، وهناك فائض بالسوق المحلية، ولا بد من السيطرة على الاستيراد، كما نطالب بأن يتم نقلنا إلى مكان مناسب، إذ أنَّ منطقة الروبيكى ترتفع بها درجة الحرارة بشكل يؤثر على الجلود والمواد الكيماوية سريعة الاشتعال، كما أنَّ الأرض رملية، وهو ما لا يتناسب مع حجم الماكينات ووزنها، الذى يزيد على 20 طنًا وتحتاج إلى أرض خرسانية".

تعويض بشروط
وأشار الزقم إلى أنَّ الحكومة قدَّرت متر الأرض في منطقة مجرى العيون لمن يرغب في التعويض ولا يريد النقل إلى منطقة الروبيكي بـ2600 جنيه، بينما السعر الحقيقي له يصل إلى 30 ألف جنيه، بينما سعر المتر في منطقة الروبيكى لا يزيد على 100 جنيه.
وتابع: "طالبنا الحكومة بأن يكون كل متر بمنطقة المدابغ مقابل مترين بمنطقة الروبيكي، لكنها رفضت، والحكومة وضعت شروطًا للحصول على التعويض، ومن هذه الشروط أن يأتي بمخالصة للضرائب وجميع المستحقات المالية المتعلقة بالمرافق مثل الكهرباء والمياه".
وطالب بضرورة أن تتخذ الحكومة قرارًا بإعفائهم من الضرائب، مشدِّدًا على ضرورة توطين العمالة هناك وتوفير الخدمات لهم من مدارس ومستشفيات وغيرها.

وأكَّد الزقم أنَّ الحكومة ترفض الترخيص للمدابغ منذ عام 1970، وأنَّ 10% فقط من المدابغ هو المرخص فقط من إجمالي 1100 مدبغة يعمل بها ما يزيد على عشرة آلاف عامل، مشيرًا إلى أنَّ عملية نقل المدابغ مخطط لها منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولم تصر الحكومة على عملية التنفيذ إلا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
معاناة الأهالي
كريم أبو شنب، وهو طالب بكلية حقوق جامعة القاهرة، أحد العاملين بمعرض للجلود بمجرى العيون يبيع منتجاته للمناطق السياحية، يقول: "كان يعمل معنا 15 عاملاً ونتيجة الظروف الاقتصادية أصبحنا ثلاثة فقط، وتمَّ تسريح باقي العمالة، ولا بد من مبادرة لتنشيط السياحة، كما أنَّ ارتفاع سعر الدولار أثَّر علينا كثيرًا لأنَّ الجلود هي صناعة محلية، لكنَّ المواد الأخرى المستخدمة في الصناعة تستورد من تركيا والهند وإيطاليا.. يا ريت الحكومة تبص للناس الغلابة شوية".
جمالات رمضان، بائعة شاي بمنطقة المدابغ بسور مجرى العيون، تقول: "زوجي وأولادي يعملون هنا وأسكن هنا في إحدى العشش بالمنطقة، وإحنا هنا الغلابة اللي مش هناخد حاجة علشان الحكومة تجاهلتنا في عملية الحصر، ولا يهمها سوى البحث عن الآثار بهذه المنطقة، وتستهدف إنشاء بازارات وأماكن سياحية، وعلشان كده يدوسوا علينا إحنا بالأقدام.. إحنا زي السمك لو خرجنا من هنا هنموت".
محمود رجب، صاحب عربة كارو، أوضَّح: "هذا الحصان ينفق على ثلاث أسر، فأين سنذهب بعد عملية النقل، فليس لنا مصدر رزق آخر، ونقوم بنقل الجلد ومخلفاته إلى المدابغ، وهناك أصحاب مهن كثيرة، هنا سيتضررون مثل بائعي الشاي والمأكولات والشيال، وأصحاب عربات الكارو، الذين يصل عددهم إلى أكثر من 500 عربة.. هيستغنوا عن خدماتنا بعد النقل".

حمدي عبد الكريم، 68 عامًا، يذكر: "أعمل هنا منذ 50 عامًا في تنظيف الجلود، ولدى خمسة أبناء وهاشحت لو تمَّ نقل هذه المدابغ، فأنا أحصل على 40 جنيهًا فقط يوميًّا، وماعندناش إمكانيات الذهاب إلى منطقة الروبيكي، فأنا ليس لي معاش، لأنَّه لم يتم التأمين عليَّ طيلة هذه الفترة".
كريم علي حسن، 29 عامًا، يقول: "أعمل هنا منذ ثماني سنوات وليس لديَّ أي صنعة أخرى"، مطالبًا بتوفير سكن له ولأسرته وتوفير الخدمات والمرافق.
أمَّا حمادة الأبيض، يعمل على أخطر ماكينة بالمدابغ تسمى المقلوبة، يقول: "لو تعرضت للإصابة لن يتحملني صاحب العمل، ولن ينفق عليَّ فأنا غير مؤمن عليَّ، وأحاول حاليًّا تعلم القيادة لأعمل سائقًا بعد قرار النقل، فالحكومة لم تراعِ ظروفنا".

عمرو ماهر، أحد العاملين، يقول: "منطقة الروبيكي ينتشر بها ما يطلق عليهم العرب، وهؤلاء سيفرضون علينا إتاوات، والعامل الذي يحصل على 60 جنيهًا سينفقها على المواصلات والأكل والشرب ولّا على أسرته".
مدحت قرني، مدير مدبغة، يشير إلى أنَّ الهناجر التي أعدَّتها الحكومة تمَّت صناعتها من الصفيح، ما سيؤدي إلى تآكل الجلود، قال: "إحنا مش سوق خضار أو شادر سمك سيتم نقله إحنا صناعة كبيرة تدر عملة صعبة للبلد".
قرار سيادى
محمود عبد المهيمن عضو مجلس إدارة شعبة دباغة الجلود بالغرفة التجارية، كشف أنَّ عملية النقل من منطقة سور مجرى العيون إلى الروبيكي جاءت بقرار سيادي، مشدِّدًا على أنَّ هذا الأمر سيدمِّر صناعة الجلود.
ونوَّه إلى أنَّ المكان الذي أعدَّته الحكومة يفتقر إلى الشروط المناسبة مثل الأسقف العازلة، التي تخفض من درجة الحرارة، نظرًا لاستخدام المواد الكيماوية في صبغ الجلود، كذلك افتقارها إلى شبكة الكهرباء المناسبة.
ولفت إلى أنَّ العاملين بهذا القطاع سيتكلفون كثيرًا بسبب نفقات المواصلات من منطقة مصر القديمة إلى مدينة بدر، حيث سيتكلف العامل يوميًّا 17 جنيهًا بخلاف مصاريفه الأخرى.

المصدرون.. المستفيد الأول
وأشار عبد المهيمن إلى أنَّ المستفيد الأول من القرار هم المصدرون، الذين يصل عددهم بمجلس إدارة غرفة دباغة الجلود باتحاد الصناعات إلى 90%، متابعًا: "هؤلاء لديهم إمكانات النقل، حيث أنَّ أموالهم متوفرة، ولا يبيعون بالأجل مثل الذين يعتمدون في عملهم على السوق المحلية".
وأوضَّح أنَّ هشام جزر العضو بمجلس إدارة اتحاد الصناعات يحصل على 70% من الجلود المصرية، ويصدرها للخارج رغم وجود قرار يمنع تصدير الجلد الخام.