نظرات العزة والكرامة والألم تنبثق من وجه السيدة القطرية منى سيف السليطى، أخت وزير الاتصالات والمواصلات القطرى الحالى، وهى تسرد لـ«الوطن» تجربتها المريرة مع «النظام القطرى العصابى» الذى اعتقلها قسرياً دون حق لمدة سنة ونصف ودون سند قانونى أو إجراء رسمى، كما أكد لنا عدة محامين قطريين، أمها المصرية زرعت فيها عشقها للتاريخ والعلم والقرآن الكريم، وعملها كمدرسة ومشرفة لغة عربية لمدة 15 سنة فى قطر جعلها رهينة لتراث وثقافة وجمال مدينة الإسكندرية حيث تسكن، كلامها عن مصر ونبرة التواضع وهى تستعد لخوض معركة محاسبة حكومة قطر وسعيها للحصول على الجنسية المصرية ألهمَ المحامى المصرى الدكتور محمد حمودة للتبرع للوقوف معها فى معركتها وأضافت إنها تعرضت للاعتقال لمدة عام ونصف العام لأنها كشفت عن وقائع فساد فى «المجلس الأعلى للتعليم» الذى يرأسه الأمير تميم آل ثانى نفسه، أمير البلاد، عندما كانت تعمل فى المجلس. وأضافت «السليطى» أن تنظيم «الإخوان» الذى يدعمه النظام القطرى يعادى الإنسانية جمعاء، وأن الأحداث تكتب لنا كل يوم مشاهد جديدة تُظهر مدى بشاعة جرائمه الوحشية، مشيرة إلى أن قطر ساهمت فى دعم تنظيم «القاعدة» الإرهابى لأن لها معه «مصالح مشتركة».. وحركة «طالبان» لها مكتب رسمى فى الدوحة.. وإلى نص الحوار:

منى السليطى لـ«الوطن»: تواصلت مع «تميم» فقال لى: «ظلمناك».. ثم أحالنى إلى ضابط فى شرطة الآداب لتشويه سمعتى

■ لماذا تم اعتقالك بهذا الأسلوب الغريب؟ وما التهم التى وجهت إليك؟

- كنت أعمل مدّرسة للغة العربية بالمجلس الأعلى للتعليم منذ سنة 1997 الذى كانت ترأسه الشيخة موزة والأمير تميم، ثم انتقلت للإدارة العليا وكنت أشرف على 15 مدرسة فى الدولة، قيدت حريتى وتم توقيفى لمدة سنة ونصف فى سنة 2011، وسبب التنكيل بى وتوقيفى هو كشفى للفساد التعليمى فى المجلس الأعلى وكتاباتى المعارضة لسياسة الدولة، فأنا أيضاً كنت أكتب باسم مستعار من نيويورك خلال إجازة الصيف، وأعبر عن آرائى المعارضة فى المنتديات وتويتر وكنت أبعث إيميلات إلى الديوان الأميرى للشيخ حمد الثانى الأمير الأسبق، تم اعتقالى فى مكان مبهم ومريب داخل أول قصر بُنى فى قطر وهو قصر الشيخ خليفة بن حمد الثانى جد الأمير الحالى تميم، فى مبنى داخل أسوار القصر يشبه المعسكر، فيه تقريباً 150 طالباً من جزر القمر، نيجيريا، فلسطين، الهند، ودول أخرى تحت مسمى «سكن طلاب المعهد الدينى»، كانت أعمارهم من 15 سنة إلى 35 سنة، وكان هؤلاء الطلاب مسجلين على قيد الديوان الأميرى على اعتبار أن الأمير متبنيهم وليس على قيد المجلس الأعلى للتعليم كما هو مفترض، كان كل شاب يقبض 100 دولار فى الشهر فقط، ثم يتم زرع هؤلاء الشباب فى دول العالم مفترضاً لنشر الدعوة الإسلامية، كنت ممنوعة من التجول داخل القصر بحرية ولكنى لاحظت وجود كلاب بوليسية وكنت أحياناً أسمع أصوات تعذيب وصراخ وأنا موجودة فى غرفتى الملحقة بالقصر وتحت حراسة من عناصر أمن الدولة، الغريب فى الأمر أن مدير هذا المعسكر كان على عبدالرحمن الكوارى وهو مساعد مدير أمن الدولة القطرى، وكان يعاملنى بطريقة مهينة وتم تجريدى من شهادتى الجامعية واستثنائى من الزيادة الأميرية، وما زالوا يحاربوننى للاستيلاء على أرضى وبيتى الذى منحته الدولة لى وورثى الشرعى، وما علمته لاحقاً من المحامى السابق الخاص بى أن أمريكا بعثت بخطاب مساءلة عن طبيعة نشاط هذا المعسكر المشبوه.

قطر مستاءة من هجومى على «شبكات الدعارة» المدعومة من النظام الحاكم.. وقيل لى إنها «جزء من سياسة الدولة»!

■ من خبرتك وتفاعلك مع المسئولين عن هؤلاء الطلاب، هل تعتقدين فعلاً أنهم كانوا يتدربون لنشر الدعوة الإسلامية فقط؟

- لم يقنعنى رد المسئولين أنه يتم ابتعاثهم كأئمة مساجد أو لأى عمل خيرى بدول مختلفة، أنا أعتقد أنهم عناصر ينفذون أوامر أمن الدولة، ولكنى لست متأكدة ما هى الأوامر بالضبط، إذا كانوا حقاً طلاباً لماذا هذه الحراسة المشددة عليهم؟

■ كيف خرجت من قطر؟ وهل من الممكن أن تعودى فى يوم من الأيام؟

- لو تفتح عمل الشيطان، أنا لن أرجع إلى قطر، فأنا خرجت بمعجزة بعد إخلاء سبيلى عندما علمت أن البنك سيطالبنى بمديونية بتوصية من الدولة لبدء إجراءات وضع اسمى على قائمة الممنوعين من السفر، وصلت إلى مصر فى شهر يونيو سنة 2012.

■ هل تعاملت أو التقيت بأحد من قيادات الإخوان فى قطر من المطلوبين فى مصر؟

- فوجئت مرة وأنا معتقلة فى القصر بشخص مصرى تابع للإخوان المسلمين اسمه «لطفى» وهو كان يساعد فى إدارة هذا المعسكر، لما عدت إلى مصر رأيت له صورة فى الإنترنت تشير إلى أنه عضو فى الجماعة.

■ ما رأيك فى جماعة الإخوان المسلمين ودعم قطر للإخوان؟

- تنظيم الإخوان يعادى الإنسانية، والواقع يكتب لنا كل يوم مشاهد تنحصر فيها بشاعة جرمهم، أما عن دعم قطر للإخوان فمراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

■ كيف تعللين دعم قطر للإرهاب ولدولة إسرائيل؟

- قطر ساهمت فى دعم وإنشاء تنظيم القاعدة، لأن لها مصالح مشتركة، وطالبان لها مكتب رسمى فى قطر، ونرى عناصر طالبان فى النهار يتمشون على الكورنيش فى الدوحة. سألت المسئولين فى قطر عن كيفية حماية المجتمع القطرى عندما يأتى هذا الإرهابى برغباته وميوله ونزواته، قطر تدعم الإخوان المسلمين لخدمة الأجندة الأمريكية فى المنطقة وهى تصب لصالح إسرائيل، وأمريكا هى بالطبع الحليف الأكبر لإسرائيل، قطر تنفذ وتحمى الأجندة الإسرائيلية وليس تحت ضغوط دولية لأنها كدولة تنصّلت من هذه الضغوطات عندما وضعت يدها فى يد القاعدة لتكون شوكة فى ظهر أعدائها، كان من الممكن لقطر أن تنحاز للوطن وللعروبة بدلاً من التفانى والإخلاص لهذا الدور المجرم ودعمها للإرهاب الذى يعد ضد كل معانى الإنسانية.

الأمن القطرى حبس «ابن عم تميم» وداهم أملاكه بأوامر من النظام بعد أن طالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعي

■ كيف كان شعورك عندما كان هناك مكتب تجارى لدولة إسرائيل فى الدوحة وكان يرفرف علمها فوق المبنى؟

- كان شعورى أن وطنى أصبح قطر المحتلة، للأسف قطر وإسرائيل أصبحا إخوة حسب دبلوماسية قطر!

■ ما اعتراضك على السياسات الحالية لدولة قطر؟ وما أمنياتك لمستقبل الدولة؟

- أى سياسة تنهج العداء للإنسانية والتآمر على الأمة العربية والإسلامية ممجوجة، كنت لا أجرؤ وأخاف الإفصاح عن جنسيتى القطرية بعد أن وضعت سياسة قطر الخارجية مواطنيها فى حرج، إن مستقبل قطر مرهون بيد أبنائها الخلص النجباء إن وجدوا.

■ كيف تقيّمين المعارضة القطرية؟ وهل تم تصنيفك كجزء من هذه المعارضة؟

- تم فعلاً تصنيفى كمعارضة ولكن المعارضة القطرية ضعيفة، وبعض منهم تابعون لتميم وحمد بن جاسم «كفخ استخباراتى»، والمضحك أن قطر مستاءة من كلامى ضد شبكات الدعارة المدعومة من قطر وقيل لى إنها جزء من سياسة الدولة، سياسة قطر ضعيفة فى الخارج والداخل والمواطن القطرى بطبيعته مسالم ولا يمارس العمل السياسى لأنه أصلاً لا يعرف الحرية، والكثير من القطريين تضرروا من نظام تميم العصابى.

المعارضة القطرية ضعيفة جداً.. وبعض نشطائها تابعون للأمير «تميم» نفسه وللشيخ حمد بن جاسم كـ«فخ استخباراتى»

■ ما معلوماتك عن حبس الشيخ فهد بن عبدالله الثانى ابن عم تميم؟

- لقد استولى النظام القطرى على أرضه وداهمت قوات أمن الدولة مزرعته وتم تعذيبه وحبسه هو وأولاده الاثنين فقط لأنه طالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وضم صوته إلى آلاف المعارضين، ولقد تم الإفراج عن ولديه الاثنين وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، بالرغم من أنه رجل محترم ومتدين وأصيل.

■ هل حاولت نشر معاناتك على قناة الجزيرة؟

- الشعب القطرى معزول عن قناة الجزيرة، وكأنها دولة داخل دولة، المواطن القطرى دائماً يسأل نفسه «أين الجزيرة من المواطن القطرى والشأن الداخلى والإهانات المستمرة لابن البلد؟»

■ هل وصلتك تهديدات من قطر؟

- نعم طبعاً، وآخر تهديد منهم كان عن طريق محام، وقال لى «سوف يقتلونك»، وكانت هناك تهديدات أخرى بالقتل وصلتنى عن طريق رسائل على هاتفى وعلى تويتر من أمن الدولة القطرى.

■ ما طبيعة علاقتك الآن مع أسرتك؟ وكيف تصفين شخصية أخيك الأكبر «جاسم بن سيف السليطى» وزير المواصلات والاتصالات القطرى الحالى؟

- لى سبعة إخوة، واحد كان وكيل نيابة وآخر كان مدير حقول النفط، وآخر كان يعمل فى قناة الجزيرة، وأخى الوزير كان قائد مدفعية فى الجيش وكان يعمل فى المخابرات، جميعهم الآن يعملون فى جهاز أمن الدولة بمن فيهم أختاى الاثنتان، لا يوجد أى تواصل بينى وبينهم أو حتى مع والدتى المصرية بضغط من نفوذ أخى الوزير، كل الضرر والتنكيل الذى أصابنى كان بسببه عندما كان فى المخابرات، لأنه كان يعلم أنه سيكون وزيراً، فنكّل بى وأظهرنى بصورة سيئة أخلاقياً وسلّط علىَّ أشخاصاً كثيرين يلعبون على وتر الشرف بسبب آرائى المعارضة للدولة.

قناة «الجزيرة» دولة داخل الدولة والشعب القطرى معزول عنها.. و«إخوانى» يساعد فى إدارة معسكر للمعتقلين

■ هل حاولت الاتصال بالسفارة القطرية فى مصر أو دار أى حوار بينك وبين أخيك الوزير قريباً؟

- طلبت من السفارة القطرية المساعدة المالية والحماية بصورة رسمية، فى خطاب قدمته لهم من أربعة أشهر، والمحامى الدكتور محمد حمودة معه صورة من هذا الخطاب، أبلغونى هاتفياً أن السفارة لا تقدم مساعدة لأحد وأن السفارة القطرية تؤمن فقط السفير القطرى الذى يتلقى «تهديدات بالقتل يومياً» على حسب قولهم، أخى الوزير كان يبعث لى بألفاظ بذيئة وتهديدات من أرقام تليفونات مختلفة وحاول استدراجى للسفارة القطرية خلال زيارته لمصر بعد أن أصبح وزيراً ولكننى رفضت.

■ كتبت الصحف المصرية فى 2014 أنه تم القبض على أخيك محمد السليطى ضابط أمن الدولة القطرى وحقق معه ضباط الأمن الوطنى فى مصر بتهمة إمداد جماعة الإخوان المسلمين بأموال قرب الانتخابات الرئاسية حينها، ماذا تعلمين عن ذلك؟

- لا أعلم التفاصيل، فأنا قاطعتهم منذ سنوات عديدة ولكن الكلام الذى شاع حينها أنه كان يمد الإخوان بالدعم المادى.

■ هل حاولت الاستنجاد بالأمير تميم الثانى؟

- تحدثت عبر الهاتف مع تميم مرتين، وقال لى «عرفنا أننا ظلمناك وعرفنا أن ليس لك علاقة بالمعارضة القطرية، سأحولك إلى رجل يخدمك فى هذا الموضوع»، وفعلاً قابلت هذا الضابط واكتشفت أن تميم خدعنى وحولنى للشرطة الاجتماعية، وهى مثل شرطة الآداب لتشويه سمعتى.

■ هل تنوين استرداد حقوقك من قطر وتبرئة ذمتك؟

- الأمل دائماً موجود، أدرس مع المحامى الدكتور محمد حمودة كيفية استرداد حقوقى وورثى من قطر، وأتمنى أن تنصفنى المحاكم المصرية والدولية، لأن جميع القضايا التى رفعتها فى قطر تم الحكم فيها بعدم الاختصاص، وعندى المستندات التى تثبت ذلك، أنا سأطالب بحقوقى فقط وفقاً للدستور والقانون القطرى، ولن أطلب تفضّلاً من أحد، كيف يتم تعويضى عن عمرى وحياتى وسمعتى وخدش حيائى؟ سأطالب قطر بما لايقل عن 30 مليون ريال قطرى.

القطريون يعايروننى بأننى «بنت مصرية» ونصف أمهاتهم إيرانيات.. وأشعر بالفخر عندما أتذكر جنسية والدتى المصرية

■ كيف تقضين وقتك فى مصر؟

- مصر ممتعة جداً، فأنا أستنشق عبير الكرامة من إخوتى المصريين، القطريون يحسدون المصريين على حياتهم فى مصر لأن هذه البيئة الاجتماعية غير متوافرة هناك، أمارس رياضة المشى فى قصر المنتزه يومياً وأستمتع بالتجول على الكورنيش فى شوارع عروس البحر الأبيض المتوسط وأستمتع بالقراءة، وبما لذ وطاب وأنا أجول وأصول فى مكتبة الإسكندرية حيث أستمتع بمعارض الفكر والثقافة، دائماً أجد على كل الأرصفة كتباً ثمينة للبيع ومكاتب عريقة، الاحتكاك بالشعب المصرى ممتع وثرى، حتى سائق التاكسى المصرى تكتسب منه الثراء فى الحوار والفكر، حتى الوقوف فى البلكونة فقط ممتع.

■ هل لديك رسالة لسيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى؟

- القطريون يعايروننى بأنى «بنت المصرية» مع أن نصف أمهاتهم إيرانيات، وإيران واقفة فى ظهرهم، أقول لسيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى لا تترك ظهرى مكشوفاً، أطالبه ليس فقط بالجنسية المصرية بل بالتعزيز، المصرى ليس فقط جنسية، لما تقول أنا مصرى تقولها بكل فخر وبكل عظمة سواء تحمل الجنسية أم لا، عرقى جمع بين عنصرين من الكرامة والعزة فأنا أمى مصرية وأفتخر.

■ هل توجهين رسالة للشيخة موزة؟

- أقول للشيخة موزة المسند «أليست زوجة أبيك مصرية وعندك إخوة من أبيك أمهم مصرية؟ أقول لكِ يا موزة ليس كل ما يلمع ذهباً!

 

منى السليطى تتحدث 

 

صورة من جواز سفر «منى السليطى»

 

«مرسى» فى لقاء سابق مع «بن حمد»

 

موزة

 

تميم بن حمد