بكى الطفل "حسن"، الذى يبلغ من العمر 14 عامًا، وهو يوجه كل اللوم والعتاب لوزير الصحة ويحمله مسئولية إهمال أطباء مستشفى ناريمان بالإسكندرية، الذى تسبب له فى قطع بالعصب وشلل بقدمه أسفر عن ذلك تشرد أسرة كاملة مكونة من 6 أشقاء ووالدته وزوجها التى كان هو العائل لهم، على رغم صغر سنه.
ووسط دموعه المنهارة قال "حسن محمد" (14 عامًا، طالب بالصف الثالث الإعدادى) فى حواره مع "الوفد": "أنا عشت طوال حياتى ضحية، فمنذ بداية عمرى كنت ضحية أب لم يستطع تحمل المسئولية وهجر أطفاله وزوجته وتركهم بالشارع للتخلص من حملهم، وبعد ذلك أصبحت ضحية إهمال الأطباء، ولكنى لدى أمل كبير قبل أن أموت أن ينقذنى أبى الروحي (الرئيس عبدالفتاح السيسى) الذى هو الوحيد القادر، بعد ربنا، أن يتصدى لهذه المهزلة التى يعيشها ضحايا إهمال أطباء مستشفى ناريمان، فهذا المستشفى يعالج الملايين من أهالى الإسكندرية والمحافظات المجاورة".
وروى "حسن" حكايته قائلًا: إننى أعول اسرة مكونة من 7 أشقاء، ترتيبى فيهم الثانى، وعلى رغم سنى الصغيرة إلا أن الظروف جعلتنى انا اللى اتحمل المسئولية من أجل أشقائى الصغار ووالدتى الذين كانوا سيموتون من عدم وجود طعام نأكله ومسكن نعيش فيه، فإننى منذ أن فتحت عينى وعمرى 5 سنوات لم أعيش حياتى مثل باقى الاطفال، أنا وجدت والدى يجلس فى المنزل دائمًا يتشاجر مع والدتى بسبب المصاريف، وأنه ليس لديه القدرة على الإنفاق علينا أنا وشقيقتى الكبرى، وعلى رغم ذلك كانت والدتى تهتم بأننا نتعلم ليكون لنا مستقبل افضل، ولكن للأسف والدى كان أهم شئ لديه هى الأموال وحاول اكثر من مرة إخراجى من المدرسة للعمل لمساعدته، ولكنى رفضت لكى أحقق حلم والدتى وهى أن اتعلم، ولذلك قررت أن أساعده وأعمل بجانب الدراسة وقمت ببيع مناديل بجوار دراستى، وانا بالصف الاول الابتدائى، كنت أرجع من المدرسة على الفور أترك حقيبتى وآخذ المناديل وكراسة الواجب والكتاب وأجلس على الرصيف أبيع المناديل وأنا أكتب الواجب وسط البرد القاسى والأمطار الشديدة اختباء تحت الشجر، وفى المساء ارجع للمنزل وأقدم لوالدى عائد اليوم، واستمر الوضع هكذا الى ان علمت والدتى بأنها حامل وعندما أخبرت ابى قام بالتشاجر معها والتعدى عليها بالضرب وطردنا من المنزل وطلقها، وظللنا انا ووالدتى وشقيقتى فى الشوارع ننام على الارصفة الى ان تمكنا من الحصول على غرفة على احد الاسطح لنعيش فيها، وتحملت أنا أعباء المنزل وأنجبت والدتى شقيقتى الصغرى "ندا" كنت أكافح من اجل أسرتى، وعلى رغم ان توافرت لى سبل كثيرة اننى احصل على أموال من السرقة وتجارة المخدرات إلا أننى رفضت ولم أدخل على بيتى واسرتى أى أموال حرام، وتركت حملى على الله هو الذى حمانى من كل شئ ويسر لى أمرى، إلى أن جاء عريس لوالدتى وقررت الزواج منه لكى يتحمل المسئولية معها وأتفرغ أنا وأشقائى لدراستنا.
وتعجب "حسن" اعتقدت أن زوج أمى سوف يكون أبًا لى لأننى كل لدى أمل كبير ان أعيش مثل باقى الأطفال داخل اسرة يجمعها الحب وتمتلئ بالدفء والحنان، ولكن للأسف كل ما كنت اتمناه فؤجئت به أنه "حلم سراب"، بعد شهر من زواجهما دبت المشاكل مع والدتى، لأن زوجها كان يعمل نجارًا ورفض ان ينفق على ابنائه رجل آخر وطلب منها ان تتركنا لوالدى، ولكن والدتى رفضت، وكان المقابل ان ينفق علينا هو على أننى أعمل معه وأساعده فى مصاريف المنزل على أشقائى، وافقت واعتبرته انه والدى وأساعده، ولكن للاسف كان اعتقادً خاطئًا، لأننى كنت أعمل ليل نهار مثل أى عامل فى الورشة، ولكننى لم أتحصل منه على أجر ، وعندما أطلب منه مصروفًا يقوم بسبى ويقول لى مش كفاية بصرف عليك أنت وأشقائك، وأنجبت والدتى 4 أشقاء آخرين وأصبحنا 7 أطفال وازداد الحمل على أكتافى، وكان يلزم لى ان أبحث عن عمل آخر بجانب الورشة لكى أستطيع أن أحقق مطالب أسرتى لأن زوج والدتى كانت الورشة يوم تعمل وآخر تقف، عملت سائق توك توك، كنت أخرج صباحًا للمدرسة وعقب انتهاء اليوم الدراسى أحضر لمساعده زوج أمى بالورشة، بعد ذلك اعمل سائق توك توك وأرجع الى المنزل فى العشاء لكى استكمل دروسى اليومية، ولم أقصر فى دراستى، وكان حلم حياتى هى دراستى التى سوف تنقذنى، أنا وأشقائى من الفقر والذل الذى نعيش فيه، وفى ليلة الحادث خرجت مثل كل يوم بالتوك توك لتوصيل أحد الطلبات فؤجئت بسيارة "جيب" قامت باصطدامى من الخلف وفر قائدها هاربًا تاركنى غارقًا فى دمائى، توجهت والدتى لتحرير محضر بقسم شرطة العامرية بالحادث وتم نقلى لمستشفى العامرية لإجراء الإسعافات الأولية، ثم قررت إدارة المستشفى نقلى الى مستشفى ناريمان بمنطقة الحضرة، وذلك لأن الحادث تسبب فى كسر بالفخذ والذراع الأيسر وإصابات فى الوجه، وفى مستشفى ناريمان ظللت ساعات عدة داخل المستشفى أنزف ووالدتى تبكى وتتوسل إلى الأطباء لإنقاذى من الموت، ولكن للأسف هذا المستشفى يعتبر "سلخانة، الداخل فيها مفقود والخارج مولود"، فهو به إهمال جسيم، والمرضى يفترشون الارض ينتظرون أدوارهم فى الكشف وإجراء العمليات الجراحية، وذلك لعدم وجود سراير، على رغم انها مستشفى عريقة من المفترض انها تعالج الفقراء غير قادرين على نفقات المستشفيات الخاصة، إلا أنه لم يوجد به كيس قطن ولا أى مستلزمات طبية، تخرج الممرضة لك بروشته كبيرة مدون عليها جميع المستلزمات الطبية المطلوبة بداية من الشاش والقطن إلى آخره، وهذا ما حدث معى قاموا بكتابة "عريضة" لوالدتى بها طلبات كثيرة من أدوية وشاش وقطن ولم يرحموا أنها تتوسل اليهم أنها لم يوجد معها أموال لتوفير كل هذه الطلبات، كان ردهم عليها "خلاص خليه على الأرض لحد ما تحضرى له العلاج".
وبكى "حسن" وبصوت كله حزن لم يتصور أحد موقف والدتى وهى تبكى بالشارع تقترض من المواطنين لكى تستطيع ان تحضر لى العلاج لإنقاذى وهؤلاء الاطباء الجزارون لا مبالاة لما يحدث لى والدماء التى تنزف من جسدى وأننى مهدد بالموت.
فى أى لحظة بسبب كم الدماء التى تنزف من جسدى، تمكنت والدتى من اقتراض أموال وقامت بشراء أكياس الدم المطلوبة والمسمار النخاعى الذى يبلغ تكلفته "2200جنيه" وجهاز أسلاك معدنية لذراعى "كل ذلك بجانب أن الأطباء تفرض علينا شراء هذه المستلزمات من شركة معينة والطبيب يرفض ان يقوم بإجراء العملية فى حالة شراء هذه المعدات من شركة أخرى ولم نعلم ما السبب؟
ويستكمل "حسن" حديثه قائلا: دخلت غرفة العمليات وكان أول إهمال للأطباء داخل العملية هو أن فسد أحد أكياس الدم الذى قامت والدتى بشرائه لى وذلك لأن الأطباء لم يقوموا بتوصيله لى مباشرة فور إحضاره، وبدلًا من تحملهم المسئولية، طلبوا من والدتى شراء كيس آخر ، ووصف "حسن" غرفة العمليات بأنها غرفة تشريح ليس غرفة عمليات، وذلك لأن النظافة معدومة بجانب الاهمال فى تعقيم الأدوات التى تقع على الأرض، والممرضات تأخذها وتضعها على الجرح دون تعقيمها مما تسبب فى تلوث الجرح وهذا ماظهر بعد إجراء العملية، شعرت بتعب شديد ولم أستطع تحمل الجبس، وكان دائمًا الطبيب يضع اللوم على اننى لم أستطع تحمل التعب، وأنه أثر البنج واستمر الوضع اكثر من شهر والألم لم يتغير وازداد وشعرت بكهرباء فى يدى، وعندما توجهت لأحد الأطباء لفحصى قام بإجراء أشعة كشفت الإهمال الجسيم لأن الجرح حدث به صديد وتسبب فى غرغرينة، كما تبين وجود قطع فى العصب مما تسبب في حدوث شلل لى وضياع مستقبلى، واصبحت الآن جليس الفراش والامتحانات لم أستطع دخولها نظرا لظروفى الصحية، وأسرتى تشردت وأشقائى لم تستطعوا إكمال دراستهم لأنهم لم يجدوا من ينفق عليهم وأصبحت والدتى مدينة بمبالغ كثيرة بسبب علاجى.
بكى "حسن" وقال يا معالى وزير الصحة لو كان نجلك حدث له هذا الحادث والظروف دفعته للدخول لمستشفى ناريمان كان سوف يحدث له هذا الإهمال؟ بالتأكيد لا، لأنه نجل وزير الصحة، أما أنا طفل بائع بسيط لم أستحق أبسط شئ هو الاهتمام بصحتى والعلاج من الأطباء المفترض أنهم أقسموا على مراعاة الله وضميرهم وأن يخدموا الشعب ولكن هةلاء الأطباء تناسوا هذا القسم وضربوا بشكوى المرضى عرض الحائط لأننا فقراء وليس لدينا واسطة.
واكد "حسن" أن هذه ليست مأساتى أنا فقط بل مأساة الملايين من الأطفال والآباء والأمهات داخل مستشفى ناريمان، لذلك نطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يتدخل لإنقاذ هؤلاء من الموت المحقق على أيدى الأطباء.