بحروف تخللها الأمل والحب.. وكلمات فاضت منها معاني الإيثار والتسامح.. وأسلوب ساخر.. خاطبت سيدة متوفية زوجها وأصدقاءها، بلهجة مفعمة بالحب والثقة.
وأثارت رسالة "هيذر مكمانامي" مشاعر الشجن لدى كل من قرأ كلماتها، فانهمرت الدموع على رحيل أم قضى عليها السرطان بالموت، لكنها تأبي أن يسبب رحيلها لمحة حزن لدى عائلتها الصغيرة.
ونشر موقع "هافينغتون بوست عربي"، رسالة نشرها زوج بريطاني بالنيابة عن زوجته التي توفيت، بتفاعل كبير من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي.
توفيت "هيذر مكمانامي" الأم المصابة بسرطان الثدي، الأسبوع الماضي، عن عمر، ناهز 36 عامًا، تاركة وراءها زوجها جيف الذي رافقها طيلة حياتهما الزوجية ودامت 13 عامًا، وطفلتها بريانا ذات الـ4 أعوام.
ومنذ أن قام الزوج بنشر الرسالة على صفحة فيسبوك الشخصية للأم، أعاد القراء مشاركتها أكثر من 20 ألف مشاركة، كما كتبت الأم رسائل أخرى وجهتها لابنتها على أن تقرأها الأخيرة عندما تصل محطات معينة في حياتها، مثل سقوط أول سن من أسنانها وأول فراق صديق في حياتها وعيد ميلادها الـ30.
وكانت الأم قالت لقناة ABC إنها تأمل أن تلهم قصتها الناس ليحذو حذوها ويتركوا وراءهم رسائل مشابهة لأطفالهم بعد رحيلهم.
بدأت الأم رسالتها قائلة: "لدي أخبار سارة وأخرى سيئة، الخبر السيئ أنني توفيت الآن، أما الخبر السعيد إن كنت تقرأ هذه الرسالة، فهو أنك بكل تأكيد على قيد الحياة، وتخللت كلماتها أسلوبها الساخر مضيفة: إلا إن كان ثمة "واي فاي" في الحياة الآخرة".
عبرت رسالة "هيذر مكمانامي" عن سعادتها بالحياة التي عاشتها والأصدقاء الرائعين، غير آسفة فقد صرفت كل ذرة طاقة لدي لأعيش حياتي بكل ما فيها.
وإلىى نص الرسالة:
لدي أخبار سارة وأخرى سيئة. الخبر السيئ أني سأكون قد توفيت الآن. أما الخبر السعيد -إن كنت تقرأ هذه الرسالة، فهو أنك بكل تأكيد على قيد الحياة (إلا إن كان ثمة واي فاي في الحياة الآخرة). نعم، الأمر تعيس. تعاسة لا يمكن وصفها بالكلمات، لكني سعيدة حقًا لأني عشت حياةً ملؤها الحب والسعادة والأصدقاء الرائعون. اعتبر نفسي محظوظة لدرجة القول وبكل صراحة أنني لا أشعر بالندم فقد صرفت كل ذرة طاقة لدي لأعيش حياتي بكل ما فيها. أحبكم جميعا وأشكركم على هذه الحياة الرائعة.
مهما يكن الدين الذي يمنحكم الطمأنينة والسكينة، فأنا سعيدة بأنكم تؤمنون به. لكن احترموا أننا لسنا متدينين. فرجاءً رجاءً رجاءً لا تقولوا لبريانا أني في الجنة. فذلك سيعني لها حسب فهمها أني اخترت الذهاب إلى مكان آخر وتركتها، بينما في الحقيقة أني فعلت كل ما أستطيع لأبقى بقربها، لأنه ليس ثمة مكان؛ أيّ مكان، سأفضله على البقاء معها ومع جيف. فرجاء لا تشوشوها وتقنعوها ولو للحظة واحدة بأن ذلك ليس صحيحا، لأني لست في الجنة؛ بل أنا هنا، لكني لست بعد اليوم في جسدي المتهالك الذي خذلني.
طاقتي وحبي وضحكتي وذكرياتي المذهلة، كلها هنا معكم. رجاء لا تتذكروني بالشفقة أو الحزن، بل ابتسموا لأننا عشنا الحياة بالطول والعرض معا وأن الوقت الذي قضيناه سويا كان رائعًا. كم أكره أن أدخل الحزن إلى قلوب الناس؛ بل أحب أن أضحكهم وأن أرسم الابتسامة على شفاههم، لذلك أرجوكم بدلاً من النواح على نهايتي الحزينة، أدعوكم للفرح بذكرياتنا التي عشناها والسعادة التي استمتعنا به.
أرجو أن ترووا لبريانا قصصًا لتعرف كم أحبها وكم افتخر بها وسأظل كذلك (واجعلوني أبدو أظرف بكثير مما أنا عليه). لأن لا شيء أحب عندي من أن أكون أمها. لا شيء. فكل لحظة معها كانت سعادة لم أكن أتخيلها إلى أن قدمت إلى الدنيا.
لا تقولوا لها إن السرطان هزمني. وإذا كان السرطان قد أخذ مني كل شيء تقريبا إلا أنه لم يأخذ مني أبدا حبي أو أملي أو سعادتي. لم يكن الأمر "معركة"، بل هي هكذا الحياة؛ كثيرا ما تكون وحشية في عشوائيتها وظلمها، بكل بساطة هكذا تسير الأمور في بعض الأحيان. اللعنة، لا، لم أخسر المعركة. فأسلوب الحياة الذي عشت به مع السرطان طوال سنوات اعتبره انتصارا كبيرا. تذكروا ذلك.
والأهم من كل ذلك، أني كنت محظوظة جدا وبشكل لا يصدق، لأني قضيت أكثر من عقد كامل مع حبيب عمري وأفضل صديق لدي – جيف. الحب الحقيقي وتوأم الروح أمران حقيقيان. فكل يوم كان مليئا بالمرح والحب وجيف إلى جانبي. إنه بحق أفضل زوج في الكون. فطوال فترة مرضي بالسرطان لم يتزعزع جيف في اللحظات الصعبة التي عادة ما يهرب فيها أناس كثيرون، حتى في أصعب الأيام التي يمكن لكم تخيلها، كنا نجد دوما طريقة لنضحك سويا. أحبه أكثر من الحياة نفسها وأؤمن أن حبا كهذا سيظل إلى الأبد.
الوقت أهم ما في الوجود، وأنا جد راضية كوني شاركت حياتي لوقت طويل مع جيف. أحبك يا جيف وأومن أن بريانا المذهلة هي تجسيد حيٌ لحبنا، وهذا أمرٌ جميل للغاية.
ينفطر قلبي لأني مضطرة أن أقول وداعا، وإن تسبب هذا لكم بنصف الحزن الذي يملؤني، فذاك يضاعف حزن قلبي أكثر لأن آخر ما قد أرغب به أن أتسبب لكم بالحزن. أرجو أنكم مع مرور الزمن ستبتسمون وتضحكون ثانية كلما تذكرتموني لأننا عشنا حياةً ساحرة حتى النخاع.
ابحثوا على جوجل عن "Physicist’s Eulogy" وستجدون أن الحقيقة العلمية تقول أني سأبقى معكما بطريقة ما. أنا على يقين أنكما إن وقفتما لبرهة وأمعنتما النظر وتفكرتما قليلاً فستجدان أني معكما (بشكل لا يرعبكما). أنتما الاثنان عالمي ولقد أحببت كل ثانية عشناها سويا أكثر مما تصفه الكلمات.
أصدقائي، أحبكم جميعا وأشكركم على هذه الحياة الجميلة والملهمة، وشكرا لكل أطبائي الرائعين وممرضاتي الرائعات الذين اعتنوا بي أيما اعتناء. أعرف تماما أن الفريق الذي اعتنى بي عمل بجدٍ ليجعل من كل يوم يمر علي أفضلَ يومٍ ممكن.
من كل قلبي أتمنى لكل أصدقائي حياة طويلة ملؤها الصحة والعافية وأن تستشعروا -مثل ما استشعرت أنا- نعمة كل يوم تعيشونه. إن حضرتم جنازتي فاحتفلوا واجعلوني فخورة. هلموا شغلوا أغنية Keg on My Coffin بأعلى صوت لتصدح مدوية في المقهى وارقصوا على أنغامها من أجلي (لأنه يستحسن بكم أن ترقصوا في مرحلة ما).
احتفوا بجمال الحياة بحفلة راقصة مزلزلة لأنكم تعرفون أن هذا ما أريده، واعلموا أني بطريقة غريبة ما سأجد طريقة لأكون معكم أيضا (تعلمون كم أكره أن يفوتني المرح). أتطلع بشوق لأن تطاردكم روحي فردا فردا، ولذلك ليس هذا "وداعا" بقدر ما هو "أراكم لاحقا". رجاء أسدوا لي معروفا وخصصوا كل يوم بضع دقائق لتتفكروا فيها كم هي مغامرة هذه الحياة المجنونة هشة، ولا تنسوا أبدا أن كل يوم له قيمته.