يزعم بعض الباحثين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن وتعاليم الرسالة الإسلامية عن ورقة بن نوفل، خصوصاً وأن ورقة كان متمكناً من العبرانية ودرس الأديان - كما تقول الروايات - وكان على دين النصارى، لكن المسلمين يعتقدون ببطلان هذه الأقاويل لأنها مجردة من الدليل، خالية من التحديد والتعيين.

ففي كتابه "الهرطقة"، قال يوحنا الدمشقي إن رسول الإسلام محمداً كان يقتبس كلام ورقة بن نوفل لكتابة القرآن، وقال إن ورقة بن نوفل قام بترجمة الإنجيل "المحرف" - حسب زعمه - إلى العربية، وأن قسا نسطوريا كان يترجم بعض الأناجيل إلى العربية، ولكن لا يوجد دليل على هذا الكلام، بل هي مجرد تخمينات مرسلة من يوحنا الدمشقي.

ورقة بن نوفل.. هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة بنت خويلد، زوجة النبي محمد حيث أن والده نوفل بن أسد هو أخ والدها خويلد بن أسد.. كان ورقة على دين إبراهيم ويدعو أصحابه أن يثنوا أقوامهم عن عبادة الأصنام، حيث يقول ابنُ مَنِّ الله في حديقة البلاغة - نوادر المخطوطات- في رده على ابن غرسية: "وكانت فيهم - أى العرب - الملّة الحنيفية الإسلامية، والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادي، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو من بني عدي".

ومما يدل على اعتناق ورقة للتوحيد قوله لبعض أصحابه الذين رفضوا عبادة الأصنام: "تعلمون، والله ما قومكم على دين، ولقد أخطأوا الحجة، وتركوا دين إبراهيم ما حجر تطيفون به؟ لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرُّ، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين"، وفقا لما جاء بسيرة ابن هشام.

يقول المشككون في الدين الإسلامي ورسالة النبي محمد، إن "ورقة هو المعلم والمرشد الروحي لمحمد وهو من علمه الديانات السابقة وما جاء بالتوراة والإنجيل وقصص الأنبياء السابقين، وقد عاش ورقة لأكثر من مائة عام ومات وهو نصرانيا ولم يبدل دينه بدين الإسلام، لأنه هو من ابتدع هذا الدين الجديد الذي جاء بنسخة مطابقة بما يؤمن به النصارى الأبيونيون في ذلك الزمان وهم الشيعة المطرودة من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لأنها اعتبرتهم من الهراطقة - وهم لا يؤمنون بألوهية المسيح ولا ببنوته لله ولا بصلبه وبقيامته بعد الموت بثلاثة أيام - وهذا ما علمه ورقة بن نوفل لمحمد وكتبه في القرآن، حيث أنكر بنوة المسيح الإلهية، وصلبه وقيامته".

ويستشهد هؤلاء المشككين بما يزعمون أنه موجود في كتب التراث بأن الوحي فتر وانقطعت زيارات جبريل إلى محمد بعد وفاة ورقة بن نوفل.. وهو ادعاء لا أدلة له ولا أساس، نستعرض بطلانه من خلال بعض الأدلة..

أولا: هذه الدعوى مجردة من الدليل، خالية من التحديد والتعيين، ومثل هذه الدعاوى لا تقبل ما دامت غير مدللة، وإلا فلما لم يُذكر ما الذي سمعه محمد من ورقة ؟ ومتى كان ذلك ؟ وأين كان ؟

ثانيا: لم يعاصر ورقة التسلسل الزمني للحوادث الواردة في القرآن الكريم على مدى 23 سنة من نزوله إذ أنه قد توفي في أول البعثة.. أين ورقة من أحداث تمت بعد وفاته وقد تحدث عنها القرآن الكريم..؟ هل عاصر ورقة غزوة الأحزاب التي تحدث عنها القرآن الكريم ؟ هل عاصر ورقة يوم حنين الذي تحدث عنه القرآن ؟ هل عاصر ورقة قصة زيد التي تحدث عنها القرآن الكريم ؟ هل عاصر ورقة حادثة الإفك التي تحدث عنها القرآن ؟ هل عاصر ورقة قدوم وفد نجران والدعوة للمباهلة ؟ هل تنبأ ورقة بعد وفاته بهزيمة الروم التي ذكرت في القرآن..؟

ثالثا: إذا كان ورقة نصرانيا ومات على هذا الدين، فكيف لنصراني أن يكتب قرآنا ينكر فيه صلب المسيح.. كيف سيواجه المسيح في العالم الآخر وهو الذي أنكره في القرآن إذا كان - ورقة - حقا مسيحيا؟

رابعا: يستند أصحاب تلك الرواية إلى حديث في صحيح البخاري وهو: "فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي".. وهو ما يدل على أن النبي ذهب إلى ورقة بعد أن أتاه الوحي وليس قبل.. 

خامسا: النبي لم يلتق بورقة بن نوفل إلا مرة واحدة، ولا يعقل أنه في لقاء واحد أن يأخذ النبي من وقة 114 سورة 6236 أية.

سادسا: إن كان ورقة – كما يزعمون – قد صنع نبى، فلماذا لم يصنع من نفسه نبياً ؟؟ هل من الممكن أن يُضحى إنسان بنفسه إلى هذا الحد فلا يجعل من نفسه نبى ويصنع بدلا منه نبى آخر ؟؟

سابعا: ورقة بن نوفل لم يثبت مطلقا أنه قال "أنا من ألف القرآن".. إذن صاحب المسألة - كما يزعم المشككون - لم يعترف مطلقا بما ينسبه الآخرون إليه.!