في ديسمبر 2004 وقعت مصر اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة المعروفة بـ«الكويز» اختصارا لـ«qualifying industrial zones» مع كُل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ونصت الاتفاقية على تصدير منتجات مصرية إلى السوق الأمريكية بدون أي رسوم جمركية بشرط تصنيعها في مناطق محددة تُعرف بالمناطق المؤهلة على أن تتضمن نسبة مكون إسرائيلى قدرها 11.7%. وبالفعل استفادت مصانع الملابس المصرية في مُدن العاشر من رمضان، و15 مايو، والجيزة، والمنطقة الحرة في مدينة نصر، وشبرا الخيمة، والعامرية وبورسعيد من الاتفاق. كان المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة في ذلك الوقت، هو مُهندس الاتفاق بعد ضغوط عديدة لكبار رجال الأعمال العاملين في مجال صناعة الملابس مثل جلال الزوربا وحمادة القليوبى وعلاء عرفة وغيرهم. وعلى مدى أحد عشر عامًا هي عُمر الاتفاق تراوحت صادرات مصر من الملابس الجاهزة إلى السوق الأمريكية من 750 مليونًا إلى مليار دولار سنويا، وقد قامت مصر بطلب تخفيض نسبة المكون المحلى ونجحت في ذلك عام 2008 ليصبح 10.5% بدلًا من 11.7%. في العامين الماضيين تراجعت صادرات مصر إلى السوق الأمريكية وطالب كثير من مصدرى الملابس بخفض المكون الإسرائيلى في الكويز مرة أخرى بما يساهم في زيادة حجم الصادرات، باعتبار أن استخدام مكون إسرائيلى في المنتج صعب ويؤدى إلى إحجام كثير من المصدرين عن الاستفادة بفرص التصدير المختلفة. كما طالبوا بتوسيع نطاق الاتفاق ليشمل مدنًا صناعية جديدة بخلاف المُدن الداخلة ضمن الاتفاق وكانت أبرز المناطق المطلوب إضافتها منطقة الوجه القبلى. وأخيرا نجحت جهود الدبلوماسية المصرية في الحصول على خفض جديد للمكون الإسرائيلى ضمن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة لتصل نسبة ذلك المكون إلى 9% فقط، وهو ما يتيح فرص تصدير أكبر للشركات والمصانع العاملة في مجال الملابس ويفتح الباب لاستفادة قطاعات صناعية أخرى بالاتفاق المذكور. وقد نقل عدد من الصُحف الغربية تفاصيل ذلك القرار والذي من المُنتظر الإعلان عنه بشكل رسمى خلال الاجتماع السنوى للكويز والذي يضم مسئولين من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة خلال النصف الأول من شهر يناير القادم. إن كثيرًا من مصدرى الملابس يعتبرون اتفاق الكويز، بعيدا عن السياسة، اتفاقا اقتصاديا له كثير من الفوائد لمصر، خاصة أنه يتيح فرص تصدير هائلة في سوق هي الأكبر في العالم، ويُعزز من تواجد الملابس المصرية في كُبرى السلاسل العالمية التجارية. التعديل مهم جدا للصادرات المصرية فهو من ناحية يُحد الاستيراد من دولة إسرائيل كشرط للاستفادة من الاتفاق، ومن ناحية أخرى يزيد قيمة الصادرات المصرية إلى أمريكا بعد عامين من التراجع الشديد. فلقد بلغت قيمة صادرات مصر من الملابس إلى أمريكا في العام الماضى نحو 815 مليون دولار، ثُم تراجعت خلال العام الحالى لتصبح نحو 800 مليون دولار، رغم أن دراسات عديدة أجرتها وحدة الكويز بوزارة التجارة والصناعة أكدت إمكانية زيادة الصادرات إلى أكثر من 1.5 مليار دولار. وطبقا للمهندس مجدى طُلبة، رئيس المجلس التصديرى للملابس سابقا وأحد كبار المُصدرين إلى السوق الأمريكية، فإن خفض المكون الإسرائيلى في الملابس المستفيدة من الاتفاق إلى 9% يساهم في تيسيير عملية التصدير، موضحا أن استيراد المكون الإسرائيلى لاستخدامه في المنتج المُصدر صعب للغاية، كما أن تكلفة ذلك مُرتفعة ولا توجد كل الخامات اللازمة للإنتاج. وحسب يحيى زنانيرى، رئيس جمعية منتجى ومصدرى الملابس المعروفة بـ «إيتاج» فإن كثيرًا من المُصدرين كانوا يضطرون إلى استيراد خامات غير ضرورية من إسرائيل بتكلفة عالية حتى يستفيدوا من الاتفاق ويصدروا إلى الولايات المتحدة بدون رسوم جمركية، وكلما تم خفض المكون الإسرائيلى فإن ذلك له مردود جيد على الصناعة المصرية. لقد كان كثير من المُصدرين في إطار «الكويز» يشكون من قيام موردى الخامات الإسرائيلية بزيادة أسعارهم استغلالا لشرط ضرورة استخدام مكون إسرائيلى بنسبة 10.5%، وغالبا ما كان هذا المكون زراير أو سوست أو اكسسوارات للملابس المُنتجة. وطبقًا لأحد أعضاء مجلس الأعمال المصرى الأمريكى، فإن تخفيض المكون الإسرائيلى في اتفاقية «الكويز» سيكون بداية لتوسيع نطاق الاستفادة من الاتفاقية، من خلال زيادة عدد المصانع المستفيدة وضم مناطق صناعية جديدة مثل المناطق الصناعية في سوهاج وأسيوط والإسماعيلية لتصبح ضمن المناطق المؤهلة، مع إمكانية مناقشة كيفية استفادة قطاعات أخرى من الاتفاق. ويضيف أن قطاع الملابس الجاهزة كان القطاع الوحيد المستفيد بالاتفاق رغم وجود فرص لاستفادة قطاعات أخرى مثل قطاع السلع الغذائية أو الأحذية والمنتجات الجلدية أو منتجات الأثاث الخشبى والمعدنى. ويقول إن تصوير البعض التعديل الأخير في الاتفاق باعتباره في غير مصلحة مصر أمر مُثير للسخرية من أناس لا علاقة لهم بالاقتصاد، مؤكدا أن السوق الأمريكية أحد أهم الأسواق الرئيسية لمصر، وأى إجراء يساهم في زيادة صادرات مصر إلى هذه السوق توجه جيد ومفيد للاقتصاد الوطنى. ويشير إلى أن كُل مصنع من المصانع العاملة في مناطق «الكويز» يوفر فرص عمل ويدفع ضرائب ويساهم في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصرى. وكانت دراسة لمنتدى البحوث الاقتصادية قد ذكرت أن 88% من صادرات الكويز المصرية إلى أمريكا تنبع من شركات يزيد عدد عمالها على 500 شخص، في حين إن مساهمة المصانع الصغيرة (أقل من 200 عامل) ومتوسطة الحجم (يتراوح عمالها ما بين 200 و500) لا تتعدى نسبتى 5.2% و6.85% على التوالى من إجمالى الصادرات. وخلصت الدراسة إلى أن استفادة الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم من الكويز ضعيفة جدا. وأوضحت الدراسة أن جزءا كبيرا من المشكلة ينبع من المصانع الصغيرة، التي ليست لديها أي إرادة لتطوير نفسها، ولا تسعى إلى الاستفادة من الاتفاقية، مشيرة إلى أن اتفاقية الكويز تتضمن دورة مستندية عالية جدا، حيث إن الأمريكيين يخافون بشكل كبير من حدوث أي تلاعب في النسب المنصوص عليها في الاتفاقية، وبالتالى فإنهم يقومون بالتفتيش بشكل مستمر، وعلى مدى فترات قصيرة، والمصانع الصغيرة تفتقر إلى وجود أجهزة كمبيوتر وغيرها من الإلكترونيات، التي يمكن تسجيل الدفاتر عليها أولًا بأول. ويذكر أن كل شركة مُسجلة في الكويز مُطالبة بتقديم فواتير صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفواتير وارداتها من إسرائيل، لوحدة الكويز التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية، في نهاية كل ثلاثة أشهر. ويعانى هيكل صادرات الكويز من تحيز صارخ لبعض المنتجات على الأخرى بحسب التقرير، والذي أظهر أن 85% من هذه الصادرات تستأثر بها 6 سلع فقط، يأتى على رأسها البنطلونات، التي تستحوذ على 52% من إجمالى الصادرات، يليها الشورتات، ثم التيشرتات والقمصان. ومستوى الأجور في منطقة الكويز لا يزال منخفضا بكل المقاييس والمعايير الدولية كما أن نسبة مشاركة القوى العاملة النسائية في الكويز المصرى لا تزال منخفضة جدا.