بعد ما يزيد على عام ونصف العام من إعلان رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون عن إطلاق تحقيق فى أنشطة الإخوان وجهت الحكومة البريطانية أول صفعة للجماعة، وأعلنت صباح أمس، تقريرها عن التحقيق الذى أجرته لجنة السير جون جينكينز، السفير البريطانى السابق لدى المملكة العربية السعودية، فى أنشطة جماعة الإخوان المسلمين داخل بريطانيا. وكشف التحقيق، الذى أجرته اللجنة التى يترأسها «جينكينز» بمساعدة تشارلز فار رئيس مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب البريطانى السابق، عن أن «جماعة الإخوان روجت لسياسات تحويلية متطرفة تتعارض مع نحو ألف سنة من الفقه الإسلامى وأصول إدارة شئون الدولة الإسلامية»، معتبراً أن «تلك السياسات تعتبر إعادة تأسيس الهوية الفردية أول خطوة تجاه التحدى الثورى لإحداث تغيير جذرى فى الدول القائمة وللنظام العلمانى، حتى وإن كان محافظاً من الناحية الاجتماعية».
العقيدة الفكرية وتكتيكات «الجماعة» تتنافى مع قيمنا ومصالحنا الوطنية وأمننا القومى.. وأفكار سيد قطب مصدر إلهام للإرهابيين.. و«التنظيم» لم يدحضها علناً
وبحسب الاستنتاجات التى توصلت إليها لجنة التحقيق فى أنشطة الإخوان، فإن «جماعة الإخوان ركزت تاريخياً على إعادة تشكيل الأفراد والمجتمعات من خلال النشاط الشعبى، وقد تواصلت على الصعيد السياسى حيثما أمكن، ولكنها كذلك اختارت اللجوء إلى العنف أحياناً، وفى بعض الأحيان للإرهاب، سعياً لتحقيق غاياتها». وأضاف التقرير: «تركز الجماعة رسالتها العلنية، وخصوصاً فى الغرب، على التواصل والحوار وليس العنف، ولكن هناك اختلافات كبيرة جداً فى الرسائل الإعلامية للإخوان المسلمين بين اللغتين الإنجليزية والعربية».
وأضاف التقرير، الذى جاء فى 39 نقطة، أن «هناك بالكاد ما يدل على أن تجربة السلطة فى مصر قد أدت لإعادة نظر جماعة الإخوان المسلمين بعقيدتها الفكرية أو أدائها، والتواصل الرسمى البريطانى مع جماعة الإخوان المسلمين فى مصر لم ينتج عنه تغير ملحوظ فى تفكيرهم، بل إن البيانات الصادرة فى وسائل الإعلام المصرية المرتبطة بالإخوان المسلمين فى منتصف 2014، بدت وكأنها تحرض على العنف بشكل متعمد». وأضاف: «استنتجنا من خلال البحث فى تجربة الإخوان فى السلطة من خلال حزب الحرية والعدالة فى مصر، أن الجماعة لم تبذل ما يكفى من الجهود لإبداء اعتدالها السياسى أو التزامها بالقيم الديمقراطية، وفشلت فى إقناع الشعب المصرى بكفاءتها أو حسن نواياها، وبالنهاية وجدت صعوبة بالاستفادة من الدروس بشأن ما يعنيه فشلها بالنسبة لمستقبلها».
نظرة «التنظيم» للإرهاب تختلف عن النظرة البريطانية.. ونشاط الإخوان «سرى» - إن لم يكن «خفياً» - فى دول مثل مصر والخليج وفلسطين
وتابع التقرير، الذى أطلقته الحكومة البريطانية فى أبريل 2014 وتراجعت الحكومة البريطانية عن نشره عدة مرات خلال العام الماضى وبداية العام الحالى، أن «الكثير من الأمور المتعلقة بالإخوان المسلمين فى المملكة المتحدة لا تزال سرية، بما فى ذلك العضوية وجمع الأموال والتمويل والبرامج التعليمية، ولكن المنظمات المرتبطة بالإخوان والتابعة لهم فى المملكة المتحدة كان لها أحياناً نفوذ كبير على أكبر منظمة طلابية للطلاب المسلمين فى المملكة المتحدة، إضافة إلى المنظمات المحلية التى زعمت أنها تمثل المسلمين (وعلى ذلك الأساس سعت إلى، وأجرت، الحوار مع الحكومة البريطانية) وجمعيات خيرية وبعض المساجد».
وقال «جينكينز»، فى تقريره، إن «هذا الموضوع معقد، وقد استنتجت أن جماعة الإخوان المسلمين قد فضلت فى أغلب الأحيان التغيير التدريجى غير العنيف نظراً لكونه ملائماً، وذلك عادة على أساس أن المعارضة السياسية سوف تتلاشى حين تتم عملية الأسلمة، ولكنها أيضاً على استعداد لتأييد العنف، بما فى ذلك الإرهاب، من آن لآخر، حين يكون التدرج بالتغيير غير فعال، وقد لجأت الجماعة عن عمد ودراية وبشكل علنى لحصانة ومساندة منظمات حظرتها المملكة المتحدة مثل حركة (حماس) التى تحظر بريطانيا جناحها العسكرى وتعتبره منظمة إرهابية، كما أنه تم الاستناد لكتابات المنظر البارز فى الإخوان سيد قطب، لإضفاء الشرعية على العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة، كما أيد بعض كبار وأعضاء ومؤيدى الإخوان المسلمين الاعتداءات ضد قوات غربية». وأشار «جينكينز» إلى أن «حسن البنا قَبِل باستغلال العنف لأغراض سياسية، ونفذت الجماعة خلال حياته اعتداءات، بما فيها اغتيالات سياسية ومحاولات اغتيال ضد أهداف من رموز الدولة المصرية وضد مصالح بريطانية ويهودية».
وبحسب التقرير البريطانى، فإنه «على الرغم من تراجع نفوذ الإخوان المسلمين محلياً، فإن هناك منظمات مرتبطة بهم لا يزال لها نفوذ فى المملكة المتحدة لا يتناسب مع حجمها على الإطلاق»، مضيفاً: «زعم الإخوان المسلمون فى المملكة المتحدة أنهم يعملون لمساندة المسلمين هنا، ويستغلون لندن كقاعدة ينطلق منها نشاطهم فى مناطق أخرى، وخصوصاً بالعمل مع منظمات أخرى تابعة للإخوان المسلمين فى أوروبا وفى مصر وفى الأراضى الفلسطينية المحتلة وفى الخليج أيضاً، وهذا النشاط سرى أحياناً إن لم يكن بالخفاء المطلق».
تجربة الإخوان فى حكم مصر لم تغير عقيدتهم.. ورسائلهم بـ«العربية» تختلف عن «الإنجليزية».. ومنظمات مرتبطة بهم لها نفوذ فى بريطانيا لا يتناسب مع حجمها
التقرير الذى قدمه رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون إلى البرلمان البريطانى صباح أمس، تضمن أيضاً أن «الإخوان المسلمين أبدوا التزامهم العلنى بالتواصل السياسى فى المملكة المتحدة. ومما سهل تواصلهم مع الحكومة هنا ما يبدو أنها أجندة مشتركة ضد القاعدة وكذلك ضد السلفية العنيفة، ولكن هذا التواصل لم يأخذ بعين الاعتبار مساندة الإخوان المسلمين لجماعة إرهابية محظورة، ونظرتهم للإرهاب التى تختلف فى الواقع تماماً عن نظرة بريطانيا للإرهاب». وأضاف التقرير: «أوجه من العقيدة الفكرية والتكتيكات التى يتبناها الإخوان المسلمون، هنا فى المملكة المتحدة وفى الخارج، تتنافى مع قيمنا البريطانية تماماً، كما أنها تتنافى مع مصالحنا الوطنية وأمننا القومى».
ولفت «جينكينز» فى تقريره أيضاً إلى أن «رابطة مسلمى بريطانيا التى تتبع بشكل غير رسمى جماعة الإخوان المسلمين فى بريطانيا، تواصل باستمرار معارضة البرامج التى تقترحها الحكومات البريطانية المتعاقبة بشأن منع الإرهاب»، مشيراً إلى أن هذا الموقف يتبناه أيضاً المجلس الإسلامى البريطانى المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين. وقال «جينكينز»، فى تقريره، إنه «بشكل عام لا صلة للإخوان المسلمين بالأعمال الإرهابية التى تجرى فى المملكة المتحدة وضدها، بل إن الإخوان المسلمين فى المملكة المتحدة عادة ما أدانوا النشاط الإرهابى فى المملكة المتحدة المرتبط بتنظيم القاعدة، ولكنّ المنظمات والأفراد المرتبطين بالإخوان فى المملكة المتحدة يشتركون مع الإخوان المسلمين فى دول أخرى بمساندتهم علناً لنشاط حركة حماس على سبيل المثال، وهناك من الإخوان من أشادوا علناً بالعمليات الانتحارية التى تنفذها (حماس)، كما أن منظمات الإخوان المسلمين والمنظمات المرتبطة بهم فى المملكة المتحدة لم تدحض علناً أو باستمرار كتابات عضو الإخوان سيد قطب الذى يُعرف بأنه وراء إلهام أشخاص - بما فى ذلك داخل المملكة المتحدة نفسها- بارتكاب أعمال عنف وإرهاب».
وأشار التقرير البريطانى إلى أن المواد التى توزعها البعثة الإسلامية فى المملكة المتحدة، والتى تتبع الإخوان، تزعم علناً أن «من المحال أن يعيش مسلم مؤمن تحت نظام حكم غير إسلامى، وهى تتطلع إلى (النصر) المقبل للإسلام على الشيوعية والمادية العلمانية والديمقراطية الرأسمالية. وفى عام 2010 عرض برنامج وثائقى تليفزيونى كيف أن أعضاء من المنتدى الإسلامى الأوروبى يدعون بالسر لتطبيق الشريعة الإسلامية فى منطقة (تاور هاملتس)، ويسعون للتأثير على مجلسها البلدى. وفى نوفمبر عام 2009، قدم أعضاء المنتدى الإسلامى الأوروبى عريضة يطالبون فيها بأن يكون لهم عمدة ينتخبونه مباشرة فى (تاور هاملتس)، وهم يساندون العمدة المنتخب منذ ذلك الحين».
وعلى الرغم من إعلان «رابطة مسلمى بريطانيا»، فى إطار التحقيق فى أنشطة الإخوان، عن أنها تؤيد الاندماج الاجتماعى وتحث الشباب على أن يكونوا مواطنين ناشطين ومسئولين، فإن التقرير يؤكد أنه «حتى يوليو عام 2014، لم يكن هناك أى دليل على أن تلك الرابطة ولا أياً من المنظمات الأخرى المرتبطة بالإخوان المسلمين تعمل على الترويج بوضوح أو علناً لرؤية المسلمين الذين يعيشون فى المملكة المتحدة على أنهم مندمجين بالمجتمع كمواطنين بريطانيين، بل إن الرابطة أقرت بأن موادها التعليمية لم تخضع لأى تحديث لكى تعكس غاياتها المزعومة، وأن المواد المطبوعة الصادرة عن الإخوان فى المملكة المتحدة تعكس بعض مخاوف العقيدة الفكرية الأساسية للإخوان، وخصوصاً زعم أن المجتمعات الغربية بطبيعتها تعادى الدين الإسلامى ومصالح المسلمين، وأن على المسلمين الرد بالحفاظ على استقلاليتهم والنأى بأنفسهم عن المجتمعات الغربية».
وبحسب تشارلز فار، أحد المسئولين عن التحقيق ورئيس مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب السابق، فإن «الجماعات والأفراد المرتبطين بالإخوان المسلمين فى المملكة المتحدة وبحركة الإخوان المسلمين عموماً، كانوا يتطلعون فيما مضى لإمكانية إقامة دولة إسلامية فى المملكة المتحدة ودول أخرى»، مشيراً إلى أنه «توصلت إلى عدم وجود أى مؤشر على أن جماعة الإخوان المسلمين نفسها ما زالت لديها تلك النظرة، أو أنها على الأقل تروج علنياً لفكرة دولة إسلامية فى المملكة المتحدة، حيث تركز رسالة الجماعة علناً فى المملكة المتحدة، على أسلمة الفرد والمجتمع أكثر من أسلمة الدولة».
وبحسب التقرير نفسه، فإن «الربيع العربى وما تبعه من أحداث أدى إلى مغادرة بعض الجماعات الخارجية التى تعمل بإلهام من الإخوان المسلمين عائدة إلى أوطانها، وخصوصاً تونس وليبيا، ولكن فى عام 2013 وصل عدد صغير من الإخوان المسلمين من مصر ولاحقاً من الإمارات العربية المتحدة، وكانت الجماعة فى فرعها المصرى تدير بعض موادها الإعلامية بالإنجليزية والعربية من لندن، ويساندها هنا عدد من حركات المناصرة والاحتجاج، بما فيها حركة رابعة ومجموعة (بريطانيون مصريون من أجل الديمقراطية)، وقد برز حتى شهر يوليو 2014 وجود صلة بين أعضاء الإصلاح (الفرع الإماراتى للإخوان) المقيمين فى المملكة المتحدة، وعدد من المؤسسات الخيرية فى المملكة المتحدة التى لها صلة بدورها مع مركز الإمارات للإعلام والدراسات الذى مقره فى المملكة المتحدة».
وأشار «فار» إلى أن «الإخوان فى المملكة المتحدة ضموا منذ منتصف 2014 مجموعة من المنظمات الارتباط بينها ليس وثيقاً ولكن ليس لها نظام قيادة وسيطرة مشترك ولا قائد واحد. وبعض هذه المنظمات نشأت فى المملكة المتحدة ومنها، بينما هناك منظمات أخرى تمثل منظمات الإخوان فى دول أخرى وتستغل لندن كمقر لنشاطها فى الخارج، وقد أخبر أكبر أعضاء الإخوان المسلمين المقيم بصفة دائمة فى المملكة المتحدة الفريق المعنى بهذه المراجعة، أنه ينسق بعض أنشطة الإخوان المسلمين فى الخارج ولكن ليس نشاطهم فى المملكة المتحدة».
التقرير البريطانى لفت إلى أنه فى عام 2009، علقت الحكومة البريطانية آنذاك الحوار مع المجلس الإسلامى البريطانى بعد أن وقّع أحد مسئوليه على وثيقة تبدو مناصرة لارتكاب أعمال عنف ضد أى بلد حظر دخول السلاح إلى غزة، ومنذ ذلك الحين لم يكن هناك أى حوار بين أى من أقسام الإخوان المسلمين فى المملكة المتحدة والحكومة البريطانية. وأضاف التقرير: «فى التسعينات، أسس الإخوان المسلمون والتنظيمات المرتبطة بهم منظمات عامة على المستوى الوطنى للترويج لأفكارهم فى المملكة المتحدة، وبقيت العضوية فى الإخوان المسلمين ولا تزال سراً حتى الآن.
وبحسب «جينكينز»، فإنه «ثبت أن منظمات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين تأسست فى المملكة المتحدة ودول أخرى فى أوروبا طوال السنوات الخمسين الماضية، وهى تتألف أساساً من أعضاء فى المنفى وطلاب يدرسون فى الخارج. وفى المملكة المتحدة، عملت هذه المنظمات مع نظيرات تشاركها نفس العقيدة الفكرية من جنوب آسيا، والتى تأسست للترويج لنشاط أبوالعلاء المودودى ولتمثل الجماعة الإسلامية، وهى تعتبر نفسها حركة إسلامية واحدة». وأشار «جينكينز»، فى مقدمته عن التقرير، إلى أن «الحكومة ملتزمة بأن تتكون لديها فكرة أفضل عن جماعات كانت أو يقال بأنها كانت مرتبطة بالعنف والتطرف والإرهاب، وسوف يستمر بحث خلفية جماعة الإخوان المسلمين، حيث إن الموضوع معقد وله تداعيات كبيرة فى السياسة المحلية والخارجية».
مراجعة أنشطة الإخوان
أبريل 2014: رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كاميرون، يأمر بإجراء مراجعة شاملة لأنشطة جماعة الإخوان فى بريطانيا.
اتهمت جماعة الإخوان الحكومة البريطانية بالرضوخ لضغوط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر لإجراء التحقيق ضد أنشطة الإخوان.
فى يوليو 2014: أعلن السير جون جينكينز، السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية، الانتهاء من إعداد التقرير بناءً على طلب رئيس الوزراء وتسليمه إلى «كاميرون».
تراجعت الحكومة البريطانية عن نشر التقرير عدة مرات، وهو ما تسبب فى اتهام وسائل إعلام للحكومة البريطانية بمحاولة إرضاء أطراف خليجية، بينما اتهمت وسائل إعلام أخرى الحكومة بمحاولة تخفيف حدة الانتقادات الواردة فى التقرير ضد الإخوان.