تراوح أسعار النفط عند أدنى مستوياتها الذي كان قبل 11 عاما، ما ألحق ضررا كبيرا بروسيا وبلدان "أوبك" وتنتظر الأسواق بقلق قرارات من واشنطن قد تعمق الخسائر.
وهوت أسعار النفط منذ بداية العام الحالي بأكثر من الثلث، ويراوح سعر مزيج برنت حاليا حول 36 دولارا، وهو الأدنى منذ عام 2004. وتعمقت خسارة النفط إثر فشل أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" في التوصل إلى اتفاق بخفض الانتاج لمواجهة انهيار الأسعار المتواصل منذ منتصف العام الماضي. وأخفقت "أوبك" في تحديد سقف جديد دون السقف الحالي المقدر بنحو 30 مليون برميل يوميا، والذي لم يتم الالتزام به إذ يقدر حجم انتاج أوبك الفعلي بنحو 31.5 مليون برميل يوميا.
وتسود حالة من الترقب والقلق لدى منتجي النفط في انتظار ما سوف تؤول إليه جلسة مجلس النواب الأمريكي المكرسة لموضوع رفع الحظر المفروض منذ عقود على الصادرات النفطية الأمريكية إلى الخارج. وفي حال تم تمرير مشروع القرار فإن أبواب أسواق جديدة سوف تكون مفتوحة أمام المنتجين الأمريكيين.
وألحق تراجع أسعار النفط ضررا كبيرا باقتصاد دول كثيرة، منها روسيا، في العام الحالي. ووفق المصرف المركزي الروسي فإن النمو سوف يتراجع في العام الحالي بنحو 3.9 في المئة. وأعد المصرف المركزي الروسي سيناريو اقتصادي يستعد فيه لبقاء سعر برميل النفط قرب 35 دولارا للسنوات الثلاث المقبلة، وتوقعت محافظة المصرف إلفيرا نابيولينا أن يتراجع النمو في العام المقبل ما بين 0.5 و 1 في المئة في حال بقاء الأسعار عند معدلاتها الحالية.
الضرر من تراجع أسعار النفط طال بلدان الخليج العربية وكل منتجي النفط العالميين، فقد تراجعت معظم البورصات الخليجية والعربية، واخذت هذه البلدان تسحب من احتياطاتها من العملات الأجنبية لتغطية العجز في موازناتها، وأوقفت بعض مشروعات البنية التحتية، ويفكر كثير من البلدان في الحد من سياسات الدعم الاجتماعي.
وفقدت عملات معظم البلدان المصدرة للنفط كثيرا من قيمتها واضطر بعضها، مثل كازاخستان وأذربيجان، إلى تعويم عملاتها الوطنية أكثر من مرة منذ صيف العام الماضي. وفي روسيا تواصلت الضغوط على الروبل وتراجع سعره إلى نحو النصف منذ بداية تراجع الأسعار وفرض العقوبات الغربية على خلفية الأزمة الأوكرانية.
ومن المرجح تتواصل الضغوط على أسعار النفط في السنوات المقبلة لأسباب كثيرة منها تراجع دور "اوبك" الكبير وفشلها في السنوات الأخيرة في ضبط الانتاج بسبب المنافسة المحتدمة بين أعضائها والبلدان المستقلة، على الأسواق، وعدم رغبة أي طرف في فقدان أسواقه التقليدية، ما دفع إلى طرح حسومات على الصادرات، ومزاحمة كبيرة لكسب حصص في أسواق جديدة. كما أن السوق أمام تحدّ كبير مع عودة إيران إلى السوق النفطية في العام المقبل، وكذلك مخططات العراق لرفع انتاجه إلى الضعف في السنوات المقبلة. ومع التوصل إلى اتفاق حول المناخ في باريس منذ أيام والأهداف الطموحة لخفض الانبعاثات فإن البحث عن مصادر متجددة للطاقة يعرض منتجي النفط إلى ضغوط على المديين القصير والبعيد. وتواجه الأسعار تخمة في المعروض تصل إلى 3 ملايين برميل، وترتفع المخزونات في أوروبا والولايات المتحدة واليابان إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية. وأخيرا فإن الطلب في الصين يتراجع بسبب تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي.
في المقابل، فإن تراجع الأسعار سوف يؤدي إلى تراجع الاستثمار في المشروعات الجديدة، وبالرغم من وجود نحو مليوني برميل من الفائض غير المطروح في الأسواق في السعودية وحدها، فإن العالم سوف يواجه نقصا على المدى المتوسط، ما قد يعيد الأسعار في 2017 إلى نحو 80 دولارا للبرميل في حال عدم حصول مفاجآت، في أي منتج عالمي كبير للنفط، يمكن أن تعجل برفع الأسعار.
وتكمن أهمية رفع الحظر عن صادرات النفط الأمريكية إلى الخارج في تزامنه مع خطوة أمريكية أخرى لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تقضي برفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ صيف 2006 ، ما تسبب في موجة ذعر في الأسواق الناشئة، وقد يثير موجة هبوط إضافية في أسواق المال، ونزوحا مكثفا لرؤوس الأموال من هذه البلدان.
وواضح أن أثر رفع الحظر عن تصدير النفط الأمريكي نفسي أساسا، لعوامل أهمها أن البنية التحتية للموانئ الأمريكية غير جاهزة لشحن المزيد من كميات النفط وخاصة إلى آسيا، وأن سعر الخام الأمريكي لن يكون منافسا بعد إضافة تكاليف الشحن. ولعل الأهم أن عدد منصات الحفر يتناقص منذ عدة أشهر ولن يستطيع تلبية أي زيادة في الصادرات على المدى المنظور.
وفي حال تبنى المشرعون الأمريكيون قرار رفع حظر تصدير النفط الأمريكي فإن معظم التوقعات باتجاه تراجع إضافي في أسعار النفط قد تهوي بها إلى أقل من 30 دولارا للبرميل، خاصة أنه من غير المرجح أن يعترض الرئيس باراك أوباما على القرار في فترة "البطة العرجاء" المتبقية من حكمه.
ومما لاشك فيه فإن رفع الحظر عن صادرات النفط، ورفع سعر الفائدة على القروض قراران سياديان للولايات المتحدة، لكن استخدامهما في هذا الاتجاه أو ذاك قد ينظر إليه على أنه إعلان حرب اقتصادية على أطراف معينة.