يجلس المذيع على كرسيه.. وتدور الكاميرا ثم ينطلق في إحياء «الحفلة» بكل إرياحية دون أي اعتبار لأبجديات «الإعلام الأخلاقي»، يصدح وينطح ويقتحم «غرف النوم» للمواطنين، غير عابئًا بما يخلفه في نفْس الضحية (بطل الحفلة)، وبمجرد انتهاء حفلته ونزوله من على المسرح يذهب إلى منزله وينام للاستعداد ليوم جديد، بينما يئن الضحية وتنقلب حياة رأسًا على عقِب بسبب "الفضيحة"..     اختلاط حرية الرأي والتعبير بانتهاك خصوصية الآخرين، جريمة أخلاقية وقانونية يرتكبها إعلاميون، ناسين أو متناسين دورهم ومسؤولياتهم المجتمعية.. آخرها واقعة «صور فاضحة» عرضها الإعلامي أحمد موسى خلال برنامجه في حق النائب والمخرج خالد يوسف، والذي قال فيها إنه لم يتأكد من صحتها..     أحمد موسى  في حلقة أمس الاثنين، من برنامج «على مسئوليتي»، عرض الإعلامي أحمد موسى صورًا خاصة تظهر شخصًا قريب الشبه من المخرج والنائب خالد يوسف بملاحم تم تشويشها وبمرافقته فتاة لا يظهر منها شيئًا، مستنكرًا أن يظهر نائب شعب بهذا الشكل.    استمرّت وصلة فضائح الحياة الخاصة للبرلماني خالد يوسف في حلقة «على مسؤوليتي» على قناة «صدى البلد» نحو خمس دقائق، والمثير للغرابة أنه رغم اقتحامه الحياة الخاصة للآخرين بنشر صور فاضحة إلا أنه أكد أنه ليس متأكدًا من صحة الصور إن كانت حقيقة أم «مفبركة»، وطالب «موسى» «يوسف» بالخروج وتأكيد صحة الصور أو نفيها، قائلًا: «عليه (خالد يوسف) أن يخرج ويعترف هذه الصور صحيحة أم ملفقة.. لا اتهم خالد ولا أتجنى عليه.. نعرض ما هو تحت يدي الآن.. ويطلع خالد يقول هذه الصور والفيديوهات مزودة وجهات التحقيق تفصل في الأمر».    برر «موسى» عرضه لمثل هذه الصور بقوله «النهاردة لينا نائب عنده شُبهة في هذا الموضوع تحت إيدينا الصور كتير، مش قادر أوجه اتهام لخالد يوسف والنائب العام هو من يستطيع توجيه الاتهام.. دا موضوع مش سهل». ويبدو تبريره غير الواضح لانتهالك الخصوصية للآخرين، أنه ينتمي لتلك المدرسة التي تسير على دربها ريهام سعيد وعبدالرحيم علي وغيرهم.    ليست السابقة الأولى لأحمد موسى، ففي إحدى حلقاته السابقة ارتكب جريمة مهنية بعرضه مقطع فيديو من لعبة فيديو Apache Air Assault، على أنها مشاهد حقيقة لقصف روسي حقيقي على مواقع «داعش» الإرهابي في روسيا، للإشادة بالعميلة العسكرية ضد التنظيم. الغريب تعليق الإعلامي على هذه الجريمة المهنية قائلًا: «وارد جداً أن نقع في هذا الخطأ المهني، لا يوجد أي شخص معصوم من الخطأ سوى النبي محمد، هذا الخطأ كشف لنا الحبيب من العدو المتصيد للأخطاء».    ريهام سعيد   ريهام سعيد.. الاسم الأكثر جدلًا خلال الفترة الأخيرة بسبب حلقات برنامجها «صبايا الخير» المثير للجدل أحيانًا والمنتهك لخصوصيات الآخرين أحيانًا أخرى. وفي إحدى حلقاتها عرضت صورًا خاصة لفتاة تحرش بها أحد المارة تدعى سمية عبيد واشتهرت بـ«فتاة المول»، كانت بمثابة آخر مسمار يُدقّ في نعش برنامج ريهام الذي أثار كثيراً من الجدل.   ريهام استضافت خلال برنامجها «صبايا الخير» على فضائية «النهار»، «فتاة المول»، في حلقة مسجلة وبعدها عرضت صورًا شخصية جداً تُظهر الفتاة شبه عارية بهدف تشويه صورتها والإساءة إلى أخلاقها، وفقاً لما فهمه كثر. وبعدها قالت «فتاة المول» لأكثر من وسيلة إعلامية، إن «فريق برنامج ريهام سعيد حصل على صورها الشخصية أثناء شحن الهاتف وقت تصوير البرنامج، ومطالبتها بالتوقيع على مستند تؤكد فيه مسؤوليتها الكاملة عما ورد بالحلقة»، الأمر الذي أثار أزمة حقيقية استفزت مشاعر الكثير من المشاهدين، وزاد غضبهم.   انطلقت مئات الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لوقف ريهام سعيد ومحاكمتها، شملت شخصيات عامة وأدبية وإعلامية، أبرزها الإعلامي باسم يوسف الذي تعهد للشركات المعلنة لـ«صبايا الخير» بتقديم إعلانهم مجاناً على حسابه الرسمي على «تويتر».    انسحبت الشركات المعلنة والرعاة للبرنامج واحدة تلو الأخرى من رعايتها للبرنامج بسبب ردّ الفعل القوي، ما أجبر قناة «النهار» على نشر بيان تُقدم فيه الاعتذار إلى المشاهدين وتعلن تعليق البرنامج.   عبدالرحيم علي  اشتهر عبدالرحيم علي بـ«إعلامي التسريبات»، لم تخلو حلقة من حلقات برنامجه الشهير «الصندوق الأسود»، من تسريب مكالمات شخصية تنتهك الدستور الذي يؤكّد في بنوده حرمة الحياة الخاصة، ولا تتضمّن أيّ اتهامات لأصحابها وإلا لذهبت إلى القضاء.    ظلّ عبدالرحيم علي يذيع التسجيلات الخاصة بدعوى كشف مؤامرة دبرها بعض الأشخاص ضد الدولة المصرية، لعدد من حركة شباب 6 أبريل وبعض رموز ثورة يناير، ومن بينهم الدكتور أحمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية، وأحمد ماهر مؤسس حركة 6 إبريل، والدكتور مصطفى الجندي، وعبد الرحمن القرضاوي.   وفي 25 يونيو من العام المنصرم، حصل الفنان عمرو واكد على حكم بالغرامة 90 ألف جنيه لصالحه ضد كلًا من طارق نور، وعبدالرحيم علي، في الدعوى القضائية التي رفعها ضدهما يتهمهما فيها بسبه وقذفه، بعد بثّ الأخير تسجيلات له بشكل غير قانوني.   لم يردع هذا الحكم والعدد من البلاغات قناة «القاهرة والناس»، إلا بعد دخول رجل الأعمال نجيب ساويرس على الخط. فمذيع «الصندوق الأسود» استمر في تقديم برنامجه حتى بث مكالمة لساويرس والدكتور أحمد البرادعي يتبادلان آرائهم حول الوضع السياسي، اعتبره الإعلامي تآمر على مصر بعد ثورة يناير.   وأثناء إذاعة الحلقة خرج «عبدالرحيم» فاصلًا ولم يعد، ليوقف برنامجه على القناة التي يمتلكها ملك الإعلانات في مصر طارق نور بحجه أن علي «خالف ثوابت القناة التي سمحت قبلاً بنشر التسريبات، لأنه تعدى حدود اللياقة وخالف سياسة القناة المعلنة»، معتبرًا نور أن ما فعله عبدالرحيم «تصفية حسابات شخصية لا تتعلّق بقضايا الوطن».    منى عراقي  اقتحمت الإعلامية منى عراقي الحياة الخاصة للمواطنين، على نفس القناة التي انطلق منها عبدالرحيم علي «القاهرة والناس».    القصة بدأت في ديسمبر من العام الماضي، عندما قدمت حلقة لبرنامجها «المستخبي»، تحت عنوان «وكر للجنس الجماعي بين الرجال»، صورت خلالها الإعلامية لحظات إلقاء القبض على الرجال عرايا من قبل رجال الأمن، أثناء تواجدهم في «حمام باب البحر» في رمسيس. واتهمت هؤلاء الأشخاص وصاحب الحمام الشعبي بممارسة «الفجور وتكوين شبكة للجنس الجماعي بين الرجال». ورأت الإعلامية أنها تقدم «المهنية» في عملها، وتحارب الفجور وتواجه فساد المجتمع من خلال عملها الاستقصائي.    المبادرة المصرية للحقوق الشخصية انتقدت الملابسات الخاصة بحلقة «المستخبي» ورأت المشهد «انتهاكًا فجًّا للحق في الخصوصية»، مضيفة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني: «صاحبت عملية القبض عدة انتهاكات فجة لنصوص الدستور وللقوانين السارية، فالشرطة قد سمحت لوسائل الإعلام بالتواجد في أثناء القبض على المتهمين وقيامهم بتصويرهم واستغلال تلك المواد المصورة في التشهير بهم بدعوى السبق الصحفي».   وفي 26 نوفمبر الماضي، قضت محكمة جنح مصر القديمة، بمعاقبة الإعلامية منى عراقي، بالحبس لمدة 6 أشهر مع الشغل، مع كفالة ألف جنيه مصريّ لوقف التنفيذ، بتهم سب وقذف وإذاعة أخبار كاذبة، والطعن في الأعراض على خلفية تصويرها حلقة «حمام باب البجر». ضبط روّاد الحمام للمحاكمة، لتثبت براءتهم. ورفع 26 منهم دعوى ضدّ عراقي، لأنّها أساءت إلى سمعتهم، وصوّرت لحظة إلقاء القبض عليهم، وحصل جميع المتهمين على البراءة.    انتهاك خصوصية الآخرين، والتشهير بسمعة المواطنين، يؤثر على حياتهم ومجتمعهم الصغير الذين يعيشون فيه، دون أن يدري بعض الإعلاميين أو يتناسوا ذلك، ويمتد الأثر إلى وقوعهم في مشاكل وأزمات ربما تصل بهم إلى الانتحار مثلما فعل أحد المتهمين الحاصلين على البراءة، محاولًا إشعال النار في نفسه بعد اتهامه بالشواذ، حسبما قال المحامي طارق العوضي عبر صفحته على «فيسبوك».   القانون وانتهاك الخصوصية  وتنص المادة 57 من الدستور المصري في مادته على أن «للحياة الخاصة حُرمة، وهي مصونة لا تُمَس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حُرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الإطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مُسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يُبينها القانون».   وتنص المادة 309 مكرر من قانون العقوبات على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه»:   ( أ ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.   (ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.   ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته.   ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عليه، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.   وتنص نفس المادة على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه».   العدوان على حرمة الحياة الخاصة نقيب الصحفيين يقول إن الإعلاميين والصحفيين ارتكبوا أخطاءً عدة خلال الفترة الماضية، نتيجة عدم وجود مدونة للسلوك المهني، مؤكدًا خلال تصريحات متلفزة، أن أهم تلك الأخطاء العدوان على حرمة الحياة الخاصة، وتجريم التنوع في الآراء، والخلط بين الخبر والرأي، وتوظيف بعض المواد الدينية لأغراض ذات طابع سياسي   وأعلن «قلاش»، أعلن السبت المنصرم، عن إطلاق مدونة السلوك المهني للصحفيين والإعلاميين بعد عقد عدة اجتماعات مع ممثلي الصحف والقنوات الخاصة خلال الفترة الماضية.