آمال وطموحات علقها وبناها الشعب المصري على الأموال التي نهبها نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك خلال سنوات حكمه الـ30، فعقب سقوط الأخير في ثورة 25 يناير 2011، التي قامت بسبب سنوات العجاف التي عاشها الفقراء تحت وطأة حكم النظام، خرجت هيئات حكومية تعلن عن أرقام كبيرة من الأموال المهربة وصلت إلى حد 70 مليار دولار.
ومرت السنوات والآمال والأحلام في تزايد، والشعب يحسب نصيبه من هذه "التركة" المهولة، ويوم عودتها الذي سيكون بمثابة يوم عيد للجميع، لكن دوام الحال من المحال، فتبدلت الآمال بخيبة كبيرة، بعد محاولات حكومية فاشلة في استردادها، فظلت هذه الأموال حائرة في بلاد الغرب ما بين بنوك سويسرا وروسيا.
اليوم ظهرت محاولة جديدة لاسترداد الأموال المنهوبة، حيث ذهب صباح اليوم المستشار أحمد الزند وزير العدل، متوجهًا إلى تونس للمشاركة في المنتدى العربي الرابع لاسترداد الأموال المنهوبة، برعاية الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بحضور وزراء عدل لبنان، والأردن، والمغرب، وتونس، والنواب العموميين لدول قطر وسويسرا وروسيا.
"تجميد الأموال"
بدأت قصة الأموال المنهوبة، يوم 11 نوفمبر المعروف باسم "ليلة التنحي"، والتي أعلن فيها مبارك تنحيه عن منصبه في إدارة البلاد، حيث أعلنت بعدها سويسرا تجميد 750 مليون دولار، من أموال مبارك ورجاله، وجمدت بريطانيا حوالي 135 مليون دولار، وظلت هناك مبالغ أخرى غير معلن عنها في إسبانيا، وقبرص، وهونج كونج، وكندا، وفرنسا.
ولم تكتف بذلك، بل قامت بعمل قائمة شملت 17 اسمًا ممن جمدت أموالهم في بنوكها من رجال ورموز النظام الأسبق، ثم ارتفعت بعد ذلك إلى 31 شخصًا، وذلك وفقًا للاتفاقية التي وقعت عليها كلًا من مصر وسويسرا في عام 1992 لمكافحة الفساد، والتي تنص أيضًا على أن استرداد الأموال المنهوبة يتوقف على إصدار حكم قضائي بات يثبت فساد مبارك ورجاله.
ووضعت سويسرا بذلك الكرة في الملعب المصري، حيث ظلت تماطل في إعطاء الأموال بحجة عدم توافر الحجج القانونية المطلوبة؛ فسمحت لقدر غير محدد من الأموال بالحركة بطريقة تصعب كثيرًا من مهمة تعقبه، قبل أن توافق على تجميد 135 مليار تابعة لأسرة مبارك و15 من رموز نظامه.
وظلت الحكومة السويسرية تخاطب نظيرتها المصرية، لإثبات فساد مبارك، حتى ترد إليها الأموال، ألا أن الحكومة المصرية لم تحرك ساكنًا سوى تشكيل لجان كبدت الدولة نصف مليار جنيه مصري، لم تفلح في استرداد أي شيء.
"إحالة المتهمين للتحقيقات"
وعلى إثر هذا التحرك السويسري السريع، صدر قرار من النيابة العامة بالتعاون مع جهاز الكسب غير المشروع والجهاز المركزي للمحاسبات، بحصر وقائع الفساد، والتربح واستغلال المال العام، والاحتكار خلال عهد مبارك والتحقيق فيها مع رموز النظام السابق.
وعلى الفور أحال النائب العام، آنذاك، عبدالمجيد محمود، وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، ووزير الصناعة والتجارة السابق رشيد محمد رشيد، ورئيس تنظيم الحزب الوطني السابق أحمد عز، لمحكمة الجنايات، بتهمة الاستيلاء على المال العام، كذلك وزير البترول الأسبق حسين فهمي، ورجل الأعمال حسين سالم.
كما أمر محمود، بالتحقيق مع علاء وجمال مبارك، وزوجته سوزان مبارك، وفتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، وزكريا عزمي رئيس ديوان جمهورية مبارك، في قضايا الكسب غير المشروع، واختتمت بمبارك نفسه.
"لجان تقصي الحقائق"
وانطلق قطار المحاكمات في وقائع الفساد المالي من هنا، وسار جنب إلى جنب مع لجان تقصي حقائق الأموال المنهوبة، ليعزفوا سويًا نغمة "الضحك" على الشعب بزعم عودة هذه الأموال، والتي دفعت البعض لحساب نصيبه من الـ 70 مليار دولار بعد عودتها.
وشُكلت مصر5 لجان مختلفة تباينت حول الرسمية والشعبية لمتابعة استرداد الأموال المهربة إلى الخارج؛ وبلغت حوالي 7 لجان متتالية، ومع تشكيل كل منها كانت تُطلق وعودًا بسرعة استعادة الأموال، وتشكيل وفود تسافر إلى أوروبا وأمريكا للقاء مسئولين ومحامين دوليين، وتعود بتصريحات عن قرب استعادة مصر لكل أو بعض أموالها.
"التصالح مقابل ملاليم"
"يا مبارك يا طيار جبت منين 70 مليار"... تحت هذا الهتاف الجليّ عاد الثوار من جديد إلى ميدان التحرير، في أعقاب عام 2011، للمطالبة باسترداد حقوقهم، فكانت وعود استرداد الأموال جعلتهم يرتضون طول فترة التحقيقات، والمحاكمات، والاستئنافات، والطعون، على أمل استرداد الثروات.
وظلت الآمال تراود المصريين باستعادة الأموال المهربة، إلا أن محاكمة مبارك ورموزه أتت بما لا تشتهي الأنفس، حيث توالت عليهم البراءات من كل صوب وحدب، وآخرون يتصالحوا مع الدولة.
بمقابل 24 مليون جنيه سقطت التهم عن قرينة مبارك، وقبلت نيابة الأموال العام بالتصالح 10 آخرين من رموز نظام مبارك في قضية هدايا الأهرام بعد سداد قيمة الهدايا.
ومقابل مليون و147 ألف و850 جنيه، أخلت النيابة سبيل رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، بعد سداد قيمة هدايا الأهرام، وتصالح فتحي سرور مقابل 6 ملايين جنيه، وزكريا عزمي بمليون ونصف، وصفوت الشريف بـ 250 ألف جنيه، ورشيد محمد رشيد بـ 12 مليون جنيه، وحسني مبارك مقابل 18 مليون جنيه.
كان رجال الأعمال حسين سالم، المتهم بإهدار المال العام في قضية تصدير الغاز لإسرائيل، عرض التنازل عن 22 مليار جنيه، مقابل إسقاط كافة التهم عنه وملاحقته محليًا ودوليًا، حتى جاءه حكم البراءة.
وخلال هذا المشوار الطويل من اللجان والمحاكمات ومخاطبة الدول الأجنبية، تكلفت مصر ما يقرب نصف مليار جنيه، أنفقت بدلات السفر إلى الخارج، وتشكيل اللجان، ومرتبات العاملين بها، دون أي نجاح ملموس حتى الآن.