أكد مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية أن العملية الإرهابية التي ارتكبها تنظيم "داعش" في باريس مؤخرًا قد تسببت في ظهور موجات كبيرة وخطيرة من العداء للإسلام والمسلمين في الغرب، وساعدت أنصار اليمين المتطرف كسب مؤيدين جدد ومناهضين للوجود الإسلامي في أوروبا. وأضاف المرصد في معرض رده على ما جاء في العدد الأخير لمجلة "دابق" الصادرة عن تنظيم "داعش"، والتي جاءت بعنوان "الإرهاب العادل"، والتي احتفى فيها التنظيم الإرهابي بعملياته الإرهابية الأخيرة، خاصة العملية الإرهابية في باريس، حيث قال المرصد إنه قام بمتابعة ورصد العديد من وسائل الإعلام الغربية في أعقاب "أحداث باريس"، وتَبَيَّن أن الخطاب اليميني المتطرف أخذ مساحة واسعة في الجدل الدائر في الغرب، وتنامت الأصوات المناهضة للمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، بالإضافة إلى حدوث موجة من الاعتداءات العنصرية والطائفية ضد المسلمين ودور العبادة الخاصة بهم هناك، بالإضافة إلى إقدام العديد من المتطرفين اليمنيين على حرق المصحف الشريف في المظاهرات المناهضة للمسلمين هناك. وحول ادعاء "داعش" أنه نفذ هذه العمليات انتقامًا لسب الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، أكد المرصد أن ما تم رصده حتى الآن يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا الحادث الإرهابي قد تسبب في تنامي وتزايد عدد الأفراد والمؤسسات المسيئة للإسلام والمسلمين، ولم تقتصر الإساء على شخص الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، بل وصل الأمر إلى حد إهانة المصحف الشريف وحرقه على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وأصبحت مساجد المسلمين ودور عبادتهم في مرمى نيران المتطرفين وأنصارهم.
كما رصد المرصد أيضًا حدوث تحولات جذرية في الرأي العام الغربي تجاه اللاجئين السوريين هناك؛ حيث تحول الترحيب بهم إلى نفور منهم ومحاولة للتخلص ممن تم استقباله في السابق، وقد طالتهم أيدي الجماعات المتطرفة هناك، حتى إن معسكرات اللاجئين في فرنسا قد تعرضت للهجوم الجماعي من قبل عدد من المتطرفين والمناهضين للمسلمين، وتم اتهامهم بالتسبب في تلك الأحداث، ووصمهم بالإرهاب بالرغم من كونهم لاجئين فارين من جحيم "داعش" في سوريا.
وشدد المرصد على أن العملية الإرهابية في باريس لم تحقق سوى دفع المزيد نحو التطرف، سواء اليمين الديني المتطرف في فرنسا، أو المسلمين الذين تعرضوا لأشكال تمييز وتأثروا بموجات الهجوم على الإسلام وإهانة مقدساته، مما يعني أن مصالح المتطرفين في كل اتجاه تتوافق وتتفق على العنف والقتل والصدام، بينما الإسلام دين سلم وسلام، فالسلم مقصد من مقاصد الإسلام الكبرى، ومظلة شرعية يجب على كل المؤمنين الدخول فيها والاستظلال بظلالها، مصداقًا لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافةؤ، كما أن آيات القتال في القرآن تدل على أن سببه ينحصر في رد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين، وفي هذه الدائرة وحدها شرعَ الله القتال، فالجهاد بمعنى القتال أمر مشروع لهدف مشروع، بينما الإرهاب أمر غير مشروع سواء أكانت غايته مشروعة أو غير مشروعة؛ لأن مشروعيته تسقط حينما تتضمن وسيلته إزهاق الأرواح والاعتداء على الممتلكات والأعراض وزعزعة أمن المجتمع والإضرار به.
وأكد المرصد أن حماية المسلمين في الغرب والحفاظ على دور العبادة الخاصة بهم ومنع إهانة مقدساهتم هو أمر يمثل مصلحة داخلية للدول الغربية بشكل عام، ويسهم في استقرار تلك المجتمعات وعدم تعرضها لأزمات وصراعات داخلية تؤدي بلا شك إلى حدوث انقسامات وتصدعات في النسيج المجتمعي لتلك الدول، كما أن حماية المقدسات بشكل عام واحترامها، وتجريم الإساءة إليها، هو أمر حيوي للحفاظ على السلام الاجتماعي في تلك الدول، وله دور كبير في حصار جماعات العنف والتكفير وتقليص نفوذها وحرمانها من احتمالية ضد المزيد من الأفراد إليها.