عاود الدولار ارتفاعه من جديد بالسوق السوداء للعملة بعد تراجع وإرباك واضح عقب قرار البنك المركزي برفع قيمة الجنيه بواقع 20 قرشًا أمام الدولار.
ووفق متعاملون وخبراء فإن الدولار ارتفع إلى 8.45 جنيه قبل أن يزيد في معاملات أمس بنحو 5 قروش ليصل إلى 8.50 جنيه.
ويعكس هذا الارتفاع تجاهلاً لقرار المركزي الأخير، والذي كان من المتوقع، بحسب خبراء، أن يساهم في تخفيض سعر الدولار بالسوق السوداء، خاصة وأنه تزامن مع ضخ المركزي لنحو مليار دولار بالسوق لتوفير حاجة والتزامات الصناع والمستوردين وفي ظل وعد المركزي بضخ 3 مليارات آخرين.
وعلى رغم من تجاهل السوق السوداء لقرار المركزي، إلا أن القرار قد يظل له جانب مشرق آخر بعدما تزامن أيضًا مع رفع الفائدة على الجنيه المصري إلى 12.5% ما يساهم في تخفيف حجم السيولة وتخفيض الأسعار.
وشكك الدكتور، هشام إبراهيم، الخبير المصرفي في صحة الأرقام المتداولة حول أسعار الدولار بالسوق السوداء والتي وصلت إلى 8.50 قرش، مضيفًا أن صعود وهبوط الأسعار وارد، أن يستمر في كثير من الفترات وفق درجة وفرة العملة الأجنبية التي تتيحها البنوك وتوفير احتياجات المستوردين.
وأضاف أن توجه المتعاملين إلى السوق السوداء يتوقف على مدى إمكانية حصولهم على النقد الأجنبي من خلال البنوك، مشيرًا أن الدولار شهد تراجعًا خلال الأيام الماضية بالسوق السوداء بعد قرار المركزي برفع الجنيه، مؤكداً أنه لولا هذا الإجراء لواصل الدولار ارتفاعه وربما وصل إلى 9 جنيهات.
واستبعد الخبير المصرفي أن يرد البنك المركزي الجنيه لقيمته قبل سياسات هشام رامز والتي فقد بسببها 80 قرشًا لصالح الدولار، مؤكدًا أن النقد الأجنبي لدى مصر يعاني من أزمة قوية وليس من مصلحتها أن يعود الدولار لحدود الـ 7 جنيهات قبل أن يتحسن الوضع الاقتصادي، معتبرًا أن الحد الذي وصل إليه الدولار حاليًا مناسب خلال الظروف الراهنة.
وقال أحمد قورة، الخبير المصرفي، إن الإجراء الأخير الذي المركزي برفع قيمة الجنيه بواقع 20 قرشًا لا يعد حلاً لأزمة النقد الأجنبي في مصر وإنما مسكن للمشاكل، متوقعًا أن يعاود الدولار الارتفاع مجددًا خلال الفترة المقبلة.
وأكد أن تخفيض سعر الدولار، لا يأتي إلا بزيادة ما لدى الدولة من عملة أجنبية وتعزيز مصادر النقد الأجنبي من تصدير وسياحة وتحويلات المصريين في الخارج وغيرهم، مضيفًا أن مصر لا تزيد من حصيلة الدولار في الوقت الحالي وما يحدث ما هو إلا إعادة توزيع وتحكم فيما لديها.
وأضاف أن حتى عمليات التحكم التي يجريها البنك المركزي محدودة، فقد تم استنزاف قيمة المليار دولار التي ضخها في السوق مؤخراً وحتى إن ضخ مبالغ جديدة سيتم استهلاكها أيضاً، متابعاً أن هذه السياسات تم تنفيذها في الماضي حينما كانت تتراوح قيمة الدولار بين 2 : 3 جنيهات وكانت النتيجة وصول الدولار إلى 5 جنيهات.
وأشار إلى أن السعر التحكمى الذي يفرضه البنك المركزي يعد دعمًا للدولار وليس للجنيه كما يسرع من وتيرة تآكل الاحتياطي النقدي بسبب اضطرار المركزي لطرح نقد أجنبي ضخم بالسوق إضافة إلى أنه يدفع الدولار إلى الارتفاع بشكل جنوني، مضيفًا أنه بالنهاية سيضطر المركزي إلى تخفيض سعر العملة المحلية وليس رفعها كما فعل مؤخرًا.
من جانبه، أبدى الدكتور، سرحان سليمان، رفضه لقرار المركزي الأخير برفع قيمة الجنيه، مشيرًا إلى أن قيمة الجنيه المصري الحالية أقل ما يجب أن يكون عليه ما يتسبب في مشاكل كبيرة بقدرة المستثمرين والمستوردين في الحصول على الدولار، مضيفًا أنه ربما استهدف المركزي تخفيض السيولة في الأسواق ليساعد على تراجع الأسعار.
وأضاف أنه على الرغم من صحة انخفاض الأسعار بتراجع السيولة إلا أن السوق المصري يعاني من مشكلة رئيسية في سد احتياجاته، وخاصة الإنتاجية من الخارج، مشيرًا إلى أن أغلب الشركات باعت جزءًا من حصصها إلى مستثمرين عرب وأجانب كي يتمكنوا من الحصول على المواد الخام من الخارج.
وأشار إلى أنه كان على المركزي أن يواصل سياسة تخفيض الجنيه حتى يصل إلى سعر توازني، مضيفاً أن من الضروري تحكم البنك المركزي في سعر الصرف وألا يتركه لعوامل العرض والطلب والتي قد تدفعه ليصل إلى 10 جنيهات ما يتسبب بمشاكل كبيرة في الأسعار والدخول.
وتابع: على الرغم من الدور الهام لتحكم البنك المركزي في الأمور إلا أن إقدامه على رفع الجنيه قرار غير صائب ويضر بوجود المستثمرين في السوق المصري كما أنه يخالف توجهات البنك الدولي إضافة إلى أنه لا يعتمد على أسباب منطقية لرفع قيمة الجنيه.
وحول قدرة سياسة رفع الجنيه على إرباك السوق السوداء وتقويضها، قال سليمان، إن المحدد الرئيسي في الأمر هو مدى توافر الدولار بالبنوك وزيادة موارد الدولة من العملة الأجنبية، مضيفاً أن زيادة هذه الموارد من شأنها زيادة الطلب على الجنيه ورفع قيمته، مؤكداً أن ذلك يأتي بتعزيز مصر للاستثمارات الأجنبية بها بجانب الصادرات والسياحة والمصادر الأخرى.
وأردف أن مصر تراجعت 19 مركزًا بتقرير البنك الدولي بخصوص "الإصلاحات التي تقوم بها الدول"، مضيفًا أن مثل هذه المؤشرات تحظى باهتمام كبير من المستثمرين الأجانب، متعجباً من قدوم البنك المركزي على هذا الإجراء في ظل توجيه ضربة قوية للسياحة بسقوط الطائرة الروسية.