في ريعان شبابه وأثناء دراسته في فرنسا، وقع الخديوي إسماعيل في غرام فتاة شابة، ليفاجأ بعد ذلك أنها أصبحت إمبراطورة فرنسا.. أوجيني تلك الفتاة المولودة في غرناطة بإسبانيا تزوجت نابليون بونابرت لتقضي 17 عاما على عرش فرنسا قبل أن يثور الشعب عليها بسبب هزائم فرنسا في حربها السبعينية ضد روسيا، وتضطر للهرب إلى إنجلترا ومنها إلى مصر حيث عاشت في منزل صغير قبل أن ترحل لبلدها إسبانيا وتوافيها المنية هناك.
عندما قبلت أوجيني دعوة وجهها لها الخديوي إسماعيل لحضور حفل افتتاح قناة السويس يوم 16 نوفمبر 1869، لم تكن هي بالنسبة له إمبراطورة فرنسية فحسب، بل إمبراطورة مملكة "إسماعيل" ذاته، الذي سارع في ترتيب العديد من الأمور لإكرام حبيبته.
بدأت ترتيبات زيارة الأميرة أوجيني عندما كلف إسماعيل مهندس البلاد عام 1863 بتصميم قصر بجزيرة الزمالك، فشيد له "سرايا الجزيرة" على غرار "قصر الهمبرا" بغرناطة، بأسلوب رومانسى، وانتهى منه عام 1868، وتم استخدامه كمقر لإقامة أوجينى وحاشيتها خلال احتفالات قناة السويس.
وسخر إسماعيل الكل لخدمة السرايا التى كانت شيئاً أشبه بقصور الأساطير، وعندما علم أن الإمبراطورة تشتاق لزهور الكرز التى أحبتها فى إسبانيا أمر بغرس شجيرات منها تحت نافذة غرفة نومها بالسرايا.
في يوم افتتاح قناة السويس، استقبل الخديو إسماعيل الإمبراطورة أوجيني على رصيف ميناء بورسعيد، والذي سُمي على اسمها، واصطف الجنود على الرصيف، كما اصطفت السفن أمام الميناء، وبعد تناول الغداء، عُزف النشيد الوطني الفرنسي، ودخل الخديو، وترافقه الإمبراطورة إلى مكان الاحتفال، وكانا في المقدمة، فيما كان باقي الملوك والأمراء خلفهما..
وقبل عودتها إلى فرنسا، كان إسماعيل قد جهّز هدية الوداع.. غرفة نوم من الذهب الخالص تتصدرها ياقوتة حمراء نقشت حولها بالفرنسية عبارة "عينى على الأقل ستظل معجبة بك إلى الأبد"، وكانت هذه الهدية آخر ما قدمه الخديوي للإمبراطورة، فبعد عزل إسماعيل عام 1879، وثورة الفرنسيين ضد أوجيني؛ هربت الإمبراطورة إلى إنجلترا، إلا أنها زارت مصر بعد الكوارث التي حلت بها، وفي إحدى زياراتها لمصر، وأثناء وجودها بمحافظة بورسعيد، طلبت السفر إلى القاهرة، حتى تشاهد قصر الجزيرة وحديقة الجبلاية، وأثناء سيرها على قدميها، اللتين فقدتا حيويتهما، ذرفت عينيها الدموع الحارة، لما تذكره عقلها، من كون كل هذه القصور والمتنزهات بُنيت لجمالها، ولعشق خديوي مصر لحُسنها.