تحل اليوم الاثنين الذكرى الثامنة والتسعون لما يسمى "وعد بلفور" من وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت "آرثر جيمس بلفور" إلى اللورد اليهودي "روتشيلد" عام 1917.أعرب بلفور في رسالته عن أن حكومة ملك بريطانيا تنظر بعين الارتياح إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وستبذل أقصى مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية ورجاه أن يتفضل بإبلاغ هذا القرار إلى الاتحاد الصهيوني.
وكان نص الرسالة كالتالي
(عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المخلص
آرثر جيمس بلفور)
كانت الحرب العالمية الأولى قد نشبت في أغسطس آب من عام 1914 ودخلت الامبراطورية العثمانية الحرب في نوفمبر من العام نفسه إلى جانب ألمانيا والنمسا والمجر في مواجهة إنجلترا وفرنسا وروسيا، وخلال عام 1915 كانت بريطانيا قد نجحت في تشجيع العرب على الثورة ضد العثمانيين مقابل وعود مبهمة بالاستقلال ضمن مراسلات "الشريف حسين" حاكم مكة مع هنري مكماهون المفوض السامي البريطاني في مصر.
وفي يونيو/ حزيران من عام 1917 تم اختيار الجنرال اللمبي لقيادة حملة غزو فلسطين، وقد دخل اللمبي القدس في 11 من ديسمبر/ كانون الأول عبر بوابة يافا، وهو ما مهد الطريق أمام إقامة دولة إسرائيل عام 1948.
ولم تقتصر الوعود الغربية الاستعمارية على "بلفور"، وإنما كان ظاهرة تاريخية كانت موجودة قبل ذلك عندما دعا نابليون بونابرت اليهود إلى "العودة" إلى فلسطين باعتبارهم "الورثة الحقيقيين لمنطقة فلسطين".
وفي عام 1898 أصدرت حكومة ألمانيا القيصرية وعدا آخر في صورة خطاب أرسل من "دون أيلونبرغ" إلى تيودور هرتزل أبدى فيه القيصر استعداده لتحمل مسؤولية محمية يهودية في حال تأسيسها، وأنه سيناقش الأمر مع السلطان العثماني.
وفي روسيا صدر الوعد عام 1903 في شكل رسالة وجهها "فون بليفيه" إلى هرتزل وكان دافع إصداره هو التخلص من اليهود عامة باستثناء الأغنياء منهم.
أما آخر الوعود "البلفورية" فكانت بعد صدور وعد بلفور الإنجليزي، حيث أصدرت ألمانيا للمرة الثانية تصريحا يعبر عن تعاطفها مع رغبة اليهود في إنشاء وطن قومي لهم.
وكانت المنظمة الصهيونية العالمية قد عقدت مؤتمرا في مدينة بال السويسرية نهاية عام 1901، وألقى هيرتزل خطابا في المؤتمر قال فيه إنه خلال تشرفه بالمثول أمام حضرة السلطان العثماني "عبد الحميد الثاني" قبل أشهر أعطاه السلطان آمالا كبيرة وأنه أكد له بأنه سيفعل كل ما في وسعه لاستيطان الصهاينة في أرض فلسطين".
لكن السلطان عبد الحميد رفض ذلك رفضا باتا باعتبار هذه الأراضي أراضي مقدسة خاصة بالمسلمين كما هو الحال في بلاد الحجاز، قائلا "الامبراطورية ليست لي وإنما للأمة التركية ولا أسمح بإعطاء أي جزء منها فليخبؤوا ملايينهم حتى تنتهي وتتمزق الامبراطورية وقد يمكنهم بعد ذلك أخذ فلسطين دون أي مقابل، قد اسمح بإجراء عملية في جسدي لكنني لا أسمح بإجراء عملية جراحية لفصل أي جزء من هذا الجسد العثماني".
وتأتي هذه الذكرى مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الثالثة دفاعا عن القدس والمسجد الأقصى، نتيجة محاولات إسرائيلية لتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، بعد أن نجحت في الاستيلاء على معظم مساحة فلسطين التاريخية، وقامت بالفصل بين الفلسطينيين وتشتيتهم.