ما زلنا مع وصية الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم للصحابي الجليل عبدالله بن عباس عندما كان صغيرًا فأوصاه النبي بعده وصايا هامة ومن هذه الوصايا: "إذا سألت فاسأل الله".
وفي هذه الوصية النبوية معنى عميق، وهو عدم التعلق بالخلق في طلب الحوائج واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى فهو يحب أن يُسأل ويرغب إليه في الحوائج ويلح في سؤاله ودعائه، يقول سبحانه وتعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}..[الأعراف 55].
وجاء في الحديث الشريف عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن ربكم حييٌّ كريمٌ، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه، فيردّهما صفراً أو قال: خائبتين". وقال: "من لم يسأل الله يغضب عليه".
وليس معنى وصية النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ألا نطلب خدمة أو مساعدة من الناس، لأن هذا يخالف سنة الكون، بل المقصود ألا يعلق الواحد منا قلبه بمخلوق عند طلب خدمة أو مساعدة أو أي شئ، لأن الأمر كله بيد الله، أما من نطلب مساعدته من الناس فما هم إلا وسيلة وآداه لإيصال خير الله إلينا.
فالمؤمن يتخذ الأسباب ولكنه لا يعتمد عليها، ولا يعتقد بتأثيرها الاستقلالي، فإذا نظر العبد إلى السبب واعتقد بتأثيره المستقل عن الله تعالى فقد أشرك، لأنه جعل الإله الواحد آلهة متعددة، وإذا نظر للمسبب وأهمل اتخاذ الأسباب فقد خالف سنة الله الذي جعل لكل شيء سببا.
لذا حثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنه إذا طلبنا شئ من الناس ألا نطلبها بتذلل ومسكنة وإهدار للكرامه، بل نطلبها بعزة نفس واثقين في أن المعطي والمانع هو الله سبحانه وتعالى، وما هذا الشخص المطلوب منه إلا وسيلة لإيصال هذا الأمر إلينا الذي كتبه لنا، فقال صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: "اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس ، فإن الأمور تجري بالمقادير".
وما أجمل نصيحة التابعي الجليل الإمام طاووس رحمه الله لعطاء بن أبي رباح رحمه الله حينما قال: "إياك أن تطلب حوائجك ممن أغلق دونك بابه وجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك - سبحانه وتعالى".
فاسألوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، وخذوا بالأسباب وطبقوا سنة الله في خلقه من الاستعانة بالناس ولكن بعزة نفس، ولا تتعلقوا بالناس الذين هم سبب، بل تعلقوا بالمسبب سبحانه وتعالى الذي يقول: (وَإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ)، فهو جل جلاله القادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء.