في 24 من ذي الحجة سنة 23 هـ طعن أبو لؤلؤة المجوسي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخنجر مسموم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم في 18 من ذى الحجة أيضا عام 35هـ دخل الثائرون على ذي النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه فقتلوه بمنزله.

فأصبح ذي الحجة، وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة ملطخا بدماء خلفاء رسول الله، في مدينته التي هي حرم أيضا حرمها، فما دوافع قتل القتلة لكل من الخليفتين؟

الفاروق.. غضبة عبد

كتب المغيرة بن شعبة إلى الفاروق وهو بالكوفة، يطلب منه أن يدخل غلاما له اسمه أبو لؤلؤ المجوسي إلى المدينة، لأنه يحتاجه في أعماله، وهو عكس القانون الذي وضعه الفاروق بألا يدخل صبي بلغ الحلم إلى المدينة، فوافق الفاروق مع إلحاح المغيرة كما ذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة، وابن أبى الحديد في شرح نهج البلاغة.

وكان المغيرة يعطي أبو لؤلؤة مائة درهم في كل شهر، وقيل أربعة دراهم كل يوم، فجاء إلى عمر يوما يشتكي إليه قلة المرتب، فقال له عمر: ماذا تفعل مقابل هذا المال؟ فقال له، إن الذى تفعله يناسب ما تأخذ، فانصرف مغضبا وقال: وسع  الناس كلهم عدله غيري.

ثم أرسل الفاروق إلى المغيرة يطلب منه أن يترفق مع عبده كما ذكر الزمخشري، ثم بعد أيام مر سيدنا عمر بأبو لؤلؤة فقال له: "سمعت أنك تقول لو شئت لصنعت رحى تطحن بالريح"، فنظر إليه عابسا وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فلما مشي عمر قال لمن كانوا معه: لا تسمعون إلى العبد، ما أظنه إلا يهددني، كما جاء في الصواعق المحرقة.

الفاروق في التوارة

يذكر الطبري في تاريخ الأمم والملوك، أن كعب الأحبار جاء إلى عمر في هذا اليوم وقال له، إنك ميت في ثلاثة أيام، لأنني أجد ذلك في كتاب الله التوراة، فقال عمر: أتجد ابن الخطاب في التواراة؟، قال: لا، ولكن أجد صفتك، وجاء في اليوم التالي وقال بقي يومان، ثم في الثالث قال له: إنها تلك الليلة، فلما خرج عمر إلى الصلاة، دخل أبو لؤلؤة في الناس، وقتل الفاروق.

 

ذو النورين وبدء الثورة

أما الخليفة عثمان بن عفان، فكان سبب مقتله هو ثورة البعض عليه نتيجة رفضه لسياسات ولاة بني أمية على الولايات، فقد أورد ابن كثير في البداية والنهاية وابن الأثير في الكامل في التاريخ، والطبري في تاريخ الأمم، أن أول من اجترأ على عثمان كان جبلة بن عمرو الساعدي، عندما مر به، قال له: والله لأطرحن هذا السلاح في عنقك، أو لتتركن بطانتك هذه، فقال عثمان إني أتخير الناس.

فقال الرجل: مروان تخيرته؟، ومعاوية تخيرته؟، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته، وعبدالله بن سعد تخيرته؟، منهم من نزل القرآن بدمه؟ وأباح رسول الله دمه، فانصرف عثمان، وفي رواية أخرى للطبري والبلاذري في أنساب الأشارف أن جبلة هذا أنزل عثمان من على المنبر بعد عدة أيام.

بعد هذا الموقف بدأت جموع الثائرين تتحرك من البلدان المختلفة إلى المدينة المنورة لمطالبة الخليفة بعزل ولاة بني أمية وبطانته، وكان منهم أهل مصر الذين طالبوا بتعيين محمد بن أبى بكر والي عليهم، فوافق وكتب إليهم بذلك، كما ذكر كتاب التاريخ.

كتاب الخيانة

في أثناء سير محمد بن أبى بكر ورفاقه إلى مصر وقد أصبح أمير البلاد، لاحظوا أن هناك رجلا يسير على جمل تارة يقترب منهم وتارة يبعد، فلم يسكت محمد إلا أن أنزله وهدده أن يظهر عن سبب تتبعهم، فوجدوا معه كتاب من عثمان إلى عبد الله بن سعد والي مصر، يأمره فيه أن يقتل الوفد وألا يسلم مصر لابن أبي بكر، كما جاء في تاريخ المدينة لابن شبة.

فرجعوا إلى المدينة، كما جاء في تاريخ الأمم للطبري، وعرضوا الأمر على عثمان فأنكر ما حدث وقال إنه ليس بكتابه، فقال المصريون لو الكتب تخرج باسمك وعليها ختمك وأنت لا تدري، فأنت لا تصلح خليفة، اخلع نفسك من الخلافة، فرفض، فظلوا محاصرينه حتى قتله عدد من الثائرين من عدة بلدان منهم المصريون والكوفيون.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان مروان بن الحكم كاتب ابن عمه عثمان، وإليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه على عثمان.