- الوقوف في وجه الظالمين .. جهاد في سبيل الله
- علي بن أبي طالب .. ضرب أروع الأمثلة في التضحية
- تأييد المولى للمهاجرين توج بفتح مكة وإذلال الكفار

أكد الدكتور أحمد فتحي هشام أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بأسيوط أن الدروس المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة مستمرة إلى زماننا، وأنها نصرت الحق على الباطل وزرعت في النفوس الوحدة والتعاون في مواجهة الظلم والعصيان واستعادة المكانة الرائدة بين الأمم.
وأضاف هشام في حواره لـ"صوت الأزهر" أن الإمام علي بن أبي طالب ضلال أروع الأمثلة في الفدائية والتضحية متأسياً بنشأته في بيت النبوة وأثرها الذي جعل منه لا يهاب الموت ولا يخاف الحق ويسعى لنصرة المظلومين، مشدداً على أن الهجرة إلى المولى ورسوله ليست مرتبطة بعصر النبوة ولكنها مستمرة أبد الدهر.

* علمتنا الهجرة أن الحق لابد له من وطن ودار وأنصار، وأن الباطل المستحكم لا يسلم قيادة للحق المقبل في يسر وسهولة.. ما تعليقك ؟
- لم تكن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بلا مغزى، بل لها معنى كبير ومغزى هام للمسلمين وبقيت على مر الأزمان عظة للمسلمين وتجسيد لمعركة الحق والباطل، فما حدث للنبي الكريم قبلها من أحداث وظروف واجهتها خلقت بعناية تامة، وحكمة بالغة، ليقف منها موقفاً كاملاً مشرعاً ومبيناً الموقف السليم الذي يحقق غاية الإنسان ووجوده، فقد كان موقف النبي من الظروف المحيطة به بمثابة إرشاد للمسلمين بالتعامل مع مثل هذه الأحداث لدحر الباطل ونصرة الحق والحفاظ على الأنصار في قوله تعالى: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ"، ونرى في هجرة النبي الكريم كيف نصر الله تعالى الحق، وجعل له وطن له وانصار ينصرونه، وأتباع ينشرونه، والله تعالى مؤيد وناصر الحق دائماً.

* هجرة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه كانت هجرة في سبيل الله والمبدأ.. هجرة من أجل الحق .. كيف نستفيد اليوم من هذا الدرس ؟
- لنا في هجرة النبي دروس عديدة نستفيد منها في زماننا، أولها أن الله مؤيد الحق وناصره، وأن حب الوطن والدفاع عنه من دلائل الإيمان والكمال، فقد كانت مكة بلد النبي ومن أحب بلاد الله إلى قلبه، فما ورد عنه عندما خرج مهاجراً عن أَبِي سلمةَ، عن عبد اللَّه بنِ عدي بنِ الزهرِي، قَال: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ، يَقُولُ إِنَّكِ لأَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيّ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيّ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"، ومن الدروس المستفادة اختيار الصحبة الصالحة، وترك ما يحب الإنسان للجهاد في سبيل الله والانشغال بالطاعة عن المصالح الشخصية وملذات النفس، بالإضافة إلى التوحد والتكاتف في مواجهة الظلم والعصيان لنيل رضا الله لاستعادة مكانتنا بين الأمم ونحقق قول المولى تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ".

ـ على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ينشأ في مدرسة النبوة فتى لايخاف إلا الله ولايهاب أحدا سواه .. كيف انعكس ذلك في أحداث الهجرة ؟
- لقد ضرب الإمام علي بن أبي طالب أروع الأمثلة في الفدائية والتضحية فقد كان لنشأته في بيت النبوه أثر كبير جعل منه شاب فتي لايهاب إلا الله تعالى، فقد مكث في المدينة حتى بعد الهجرة ليعيد الأمانات التي كانت لدى النبي إلى أصحابها، كما جعلت تربيته في بيت النبوة ومدرسة النبي شاب لا يهاب الموت، فقد نام في فراش النبي حتى يفوت على يهود مكة الفرصة ويضحي بنفسه فداءاً لشخصه الكريم، ولم تكن للهجرة أن تتم إلا بالتدبير المحكم والدور المحوري لعلي بن أبي طالب.

ـ إن الله قد يعين عباده بالسبب الضعيف في نظرهم، القوى بفضل الله وقدرته، وأن الله ـ كما تعبر العامة ـ "يضع سره في أضعف خلقه" .. نود تفسير ذلك في ضوء الهجرة ؟
- النصر الذ كان حليفا لنبينا الكريم عليه الصلاة السلام، والتأييد الإلهي له وما دار بعد الهجرة من أحداث أكبر دليل على أن المولى يؤيد العبد القوي، فلنا في النبي الكريم أسوة حسنة، فعندما هاجر من مكة إلى المدينة لم يكن لديه سوى تأييد الله تعالى، وقد توج نصره بفتح مكة وإذلال الكفار عندما جاءوا إليه خانعين يرجون منه العفو والصفح بعدما اخرجوه فوقف مؤيداً بنصر الله تعالى وقال لهم إذهبوا فأنتم الطلقاء.

* يقول الرسول "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية".. نود توضيح ذلك؟
- هذا حديث شريف عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)، فقد كان مسلمو مكة بعدما واجهوا العذاب من المشركين وجائت هجرة النبي عليه الصلاة والسلام أمروا بالهجرة التي كانت فرضا على من أسلم وكان قادراً عليها ليأمن من أذى الكفار، ويعاوِن المسلمين ويكثرهم، ويجاهد مع النبي، ثم ترك أمر الهجرة وبقي فرض الجهاد والنية، دليلاً على أن المسلم يثاب على النية بالخير.

ـ "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" هذا جزء من حديث شريف .. هل الهجرة من أجل تحصيل العلم أو التجارة أو الزواج لا يؤجر عليها المرء أم ماذا ؟
- روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه )، فكل هجرة يبتغى منها وجه الله تعالى سواء كانت هجرة إلى طلب العلم، أو الرزق، أو الزواج، أو غيرها طالما يبتغي فيها وجه الله فيؤجر عليها المرء ويثاب وأن الله يؤيده ويجزيه خيراً، فقد روي عن النبي أنه قال: "ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"، وكذلك الهجرة في طلب العلم، وفيما يخص ارتباط الهجرة إلى الله ورسوله بزمن هجرة المسلمين للمدينة فليس هذا المراد من الهجرة الى الله ورسوله، وإنما هو مرتبط بكل زمان.

* بعض الناس كالسوريين مثلا يضطرون للفرار من براميل بشار الأسد المتفجرة فيهاجرون .. بطرق غير شرعية وقد يلقون بأنـفسهم في المخاطر .. ما موقف الشريعة من هؤلاء ؟
- الوقوف في وجه الظلم والظالمين جهاد في سبيل الله، لذا كان أمر الله تعالى الاعتصام بحبل الله فقال: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا"، لأن في الاعتصام قوة لنقف جميعاُ معتصمين بحبل الله المتين في وجه الظلم والسعي إلى تكوين وحدة يهاب منها الأعداء بهدف نصرة الحق.