من المواقف التى وقعت بعدَ فتحِ خيبر إلى جانب ما قلناه عن الشاةِ المسمومَةِ وما كانَ منْ أمرِ رسولِ الله &O5018; مَعَ اليهوديّةِ التى سمتْ الشاةَ وقدَّمَتْ حيلَةً ماكِرَةً أفلتَتْ بِها منْ الَقَتْل ـ فى بعض الروايات ـ وما قُلناهُ منْ فَرَحِ النبى &O5018; بقدومِ سيدنا جعفر من الحبشة هو والمهاجرون معه وما كان من أمر سيدنا جعفر وحجله حين قَدِمَ على رسول الله &O5018; وسمعه منه قوله وفرحه بقدومه. نستطيعُ أنْ نحكى لك قصةَ سيدنا الحجاج بن علاط وقد كان مع رسول الله &O5018; فى خيبر وأسلمَ وكان تاجرًا ميسورًا له بمكة مال فاستأذنَ رسولَ الله &O5018; أنْ يذهبَ إلى مكة لجمع ماله من عند التجّار وما له من مالٍ عند امرأته ولمْ يعلمْ أهلُ مكة بإسلامهِ فاستأذنَ رسولَ الله &O5018; أنْ يذهبَ لأخذ مالَهُ، يقولُ رضى الله عنه:(قلتُ يا رسول الله ائذنْ لى أنْ أذهبَ فآخذ مالى عند امرأتى) وكانت امرأتُهُ شيبة ابنة عُمَير بن هاشم أخت مصعب بن عُمَير (فإنها إن عَلِمَتْ بإسلامى لمْ تُعطنى شيئًا من مالى كما أنَّ لى مالًا متفرقًا فى تجّار أهل مكة، يقول: فأذِنَ لى رسول الله &O5018;. فقلتُ يا رسول الله ائذن لى إنّه لا بد لى أن أقول) يعنى لا بد لى أنْ أكتم إسلامى عن أهل مكة وأن أتقولَ على المسلمين حتى أخدَعَ أهلَ مكة فلا يعلموا بإسلامى فقال له النبى &O5018;: «قل» ـ يعنى أباحَ له النبى &O5018; أن يقولَ أىَّ شيءٍ يَسْتُرُ به أمرَهُ ويساعده فى جمع ماله عند التّجار ـ يقول الحجاج: (فخرجت فلمّا انتهيت إلى الحرمِ وجدتُ رجالًا من قريش يستمعون الأخبار بَلَغَهُم أنّ رسولَ الله &O5018; قدْ سارَ إلى خيبر وهم يعلمون أنها مَنِعَة وأنّ بها رجالًا وسلاحًا وهم يتحسسون الأخبار مع ما كان بينهم من الرهان فلمّا رأونى قالوا: الحجاج بن علاط عنده الخبر ـ ولمْ يكونوا علموا بإسلامى ـ فقالوا: يا حجاج إنّه قد بلغنا أن رسول الله &O5018; سارَ إلى خيبر بلد اليهود. فقلتُ: بلغنى أنّه قد سارَ إليها وعندى من الخبر ما يَسُرّكم أنصتوا إلىَّ. فتجمَّعوا حولى وهم يقولون: إيه يا حجاج؟. فقلت: لمْ يلقَ محمدٌ وأصحابُه قومًا يُحْسِنونَ القتالَ غير أهل خيبر كانوا قد ساروا فى العرب يجمعون له الجموع فجمعوا له عشرة آلافٍ وهُزِمَ هزيمة لمْ يُسْمَعْ بِمِثلها قط وأسِرَ محمدٌ أسرًا، فقالوا لا نقتله حتى نبعثَ به إلى مكة فنقتله بين أظهرهم بما قتل منا، فإنهم يرجعون إليكم يطلبون الأمان فى عشائرهم ويرجعون إلى ما كانوا عليه فلا تقبلوا منهم) يقول حجاج:(فتصايحوا وذهبوا فى كل اتجاه وقالوا: قد جاءكم الخبر. هذا محمدٌ إنّ ما تنتظرون أن يُقْدَمَ به عليكم فيُقتل بين أظهركم. ثم قلتُ لأهل مكة أعينونى على جمع مالى من غرائمى فإنى أريدُ أنْ أقْدُمَ فأصيب من غنائم محمدٍ وأصحابِهِ قبل أنْ تسبقنى التجار إلى ما هناك. فقاموا فجمعوا إلىَّ مالى بأسرَعَ ما يكون ثم جئتُ صاحبتى فقلتُ لها مالى لعلى ألحقُ بخيبر فأصيبُ من البيع قبل أن تسبقنى التجّار). ففشى ذلك بمكة وأظهرَ المشركون الفرحَ والسرورَ وظهرَ الأسفُ والحزنُ على من كان بمكة من المسلمين وسمع بذلك العباس بن عبد المطّلب فقعدَ وجعلَ لا يستطيعُ أنْ يقوم وأشفقَ أنْ يدخلَ دارَهُ فيؤذى فأمرَ ببابَ دارِهِ أن يُفتَح وهو مستلق فدعى إليه ابنَهُ «قُثِم» فجعلَ يرتكز ويرفع صوتَه لئلا يشمت به الأعداء وحضرَ جمعٌ من المسلمين على باب العباس بين مَغِيظٍ ومحزون وشامت وبين مسلمٍ ومسلمةٍ مقهورين بظهور الكفر والبغى فلمّا رأى المسلمون العباسَ طيبة نفسُهُ طابت أنفُسُهُم واشتدتْ عزيمتهم فدعا العباس غلامٌ له يُقالُ له أبو زبيبة فقال:(اذهبْ إلى الحجاج فقل له: يقولُ لك العباس الله أعلى وأجل من أن يكون الذى جئتَ به حقًا) فقال الحجاج للغلام: اقرأ على أبى الفضل السلام فقل له إنى أرجو لقاءه فى بعض بيوته ليس معه أحد لآتيه بالخبر وعلى ما يسرّه واكتم عنى) فأقبلَ الغلامُ يُبَشِّر العباس فقال:(أبشرْ يا أبا الفضل) فوثبَ كأن لم يكن به شيء ودخل عليه الغلام وأعتقه العباس وأخبره بالذى أخبر الحجاج فأعتقه العباس ثم قال:(لله علىّ عتقُ عشر رقابٍ) فلمّا كان ظهر جاءه الحجاج فقال:(لتَكْتُمَنَّ علىّ ثلاث أيام) فوافقه العباس على ذلك فقال:(إنّى أسلمتُ ولى مالٌ عند امرأتى ودَيْنٌ على الناسِ ولو علموا بإسلامى لمْ يدفعوا إلىَّ وتركتُ رسولَ الله &O5018; وقد فتَحَ خيبر وجرتْ سهامُ اللهِ تعالى ورسولِهِ فيها فانتشلَ ما فيها وتركتُهُ &O5018; عروسٍ بابنة مليكهم حُيى بن أخطب وقُتِلَ ابن أبى الحقيق) فلمّا أمسى الحجاج من نومه خرج وطالت على العباس تلك الليالى فلمّا كان بعد ثلاث والناس يموجون فى شأنِ ما تبايعوا عليه عَمَدَ العباسُ إلى حُلّة فلبسها وتطيَّبَ بأحسنَ طيبٍ عندَهُ وأخذَ بيده عصاه ثمّ أقبلَ يتبختر حتى وقفَ على باب الحجاج بن علاط فقرعه. قالت زوجته:(ألا تدخل يا أبا الفضل؟ فقال لها: أين زوجك؟ قالت: ذهب يوم كذا وكذا وقالت: لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شقّ علينا الذى بلغك. فقال لها: أجل لا يحزننى الله لم يكن بمحمدٍ إلا ما أحببنا فتحَ اللهُ على رسولِهِ خيبر وجرتْ فيها سهامُ اللهِ واصطفى رسول الله &O5018; صفية لنفسه فإنْ كانت لك حاجة فى زوجك فالحقى به؟ قالت: أظنُّكَ والله صادقٌ). ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش وهم يقولون إذا مرّ بهم كأنهم يسخرونَ منه:(لا يصيبك إلا خيرًا يا أبا الفضل! هذا والله التجلد لحَرِ المصيبة. فقال العباسُ: كلا والله الذى حلفتم به لمْ يصبنى إلا خيرًا بحمد الله. ثم قال: أخبَرَنى الحجاج أنّ خيبر فتحها اللهُ على رسولِهِ وجرتْ فيها سهامُ اللهِ وسِهَامُ رسولِهِ). فرَدَّ اللهُ تعالى الكآبةَ التى كانتْ بالمسلمين على المشركين وخرجَ المسلمونَ وقال المشركون:(يا لعبادِ الله انفلت عدو الله ـ يعنى الحجاج ـ أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأنٌ آخر). ويُقالُ إنَّ أبا هُرَيرَةَ رضى الله عنه قَدِمَ على رسول الله &O5018; هو وطائفةٌ من قومه بعدَ فتحِ خيبر ورسولُ الله &O5018; يُقَسِّمُ الغنائمَ.

ومما وقع فى هذه الغزوة ما رواه البخارى عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن رسول الله &O5018; استعمل رجلا على خيبر لم يسمه أبو هريرة ولا أبو سعيد . فجاء للنبي &O5018; بتمرجنيب - أي جيد - فقال رسول الله &O5018; أكل تمرخيبر هكذا. قال الرجل لا والله يا رسول الله . إذن ما الذي حدث؟ يقول الرجل إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين أوالصاعين بالثلاثة فقال &O5018;: لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا - يعنى بع الرديء بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جديدا .

 وهنا أسئلة تطرح نفسها:

 أولها: أنا في ساحة حرب فما الذي يحمل النبي- قائد المعركة - أن يسأل عن تمر قدم له.

ثانيا: لماذا يمنع النبي &O5018; أن يستبدل أويباع الصاع من التمر الجيد بصاعين من الرديء.

أولًا لا تقل إننا فى ساحة حرب وهذا يشغل النبي &O5018; عن رسالته فحروب النبي &O5018; من أجل نشر الرسالة  وليست لها أهداف أخرى وليست من أجل مطامع دنيوية يمكن أن تشغله &O5018; عن رسالته وهكذا مواقف النبي &O5018; لم يشغله موقفا مهما عظم في رأيك عن أداء رسالته وأذكر أنه &O5018; رغم ما لاقاه فى الطائف من قسوة القلوب وجفوة العواطف وانحطاط للاستهزاء والسخرية من صبيان الطائف وعبيدهم حينما جلس إلى بستان من بساتينهم فقدم له عاملها -عداس - قطفا من عنب لم يشغله ذلك عندما قدم إليه وتناول العنب أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم  فسأله العامل إن أهل هذه البلاد لا يقولون ذلك فقال له النبي &O5018; من أي البلاد أنت؟ فقال العامل: من نينوى - فقال النبي &O5018; وهو الذي لم يبرح أرض الجزيرة: من بلد النبي الصالح يونس ابن متى  عليه السلام فقال العامل وما يدريك بيونس بن متى؟ فقال هوأخي نبي وأنا نبي. 

أرأيت مع هول الموقف وشدة الحال التي عليها رسول الله &O5018; لم يصرفه ذلك عن أن يسأل العامل عن بلده وأن يفتح بذلك ثغرة لبين فيها النبي &O5018; ولكن يبقى سؤال مهم لماذا منع النبي &O5018; بيع التمرالردىء بالجيد فالجواب أن النبي &O5018; لم يمنع بيع الرطب الرديء بالجيد بل منع التفاضل وهذا ما يسميه الفقهاء ربا الفضل وهوبيع الشيء من جنسه متفاضلا وذلك حتى لا تتحول السلع إلى عملة وإنما تكون المقايضة  مثلا بمثل والله أعلم. أما التفاضل بالجنس الواحد فلا يجوز وذلك هو ربا الفضل والله أعلم.

وإلى لقاء آخر إن شاء الله.