الفنانة والراقصة تحية كاريوكا من أشهر راقصات زمن الفن الجميل كانت تتميز بخفة دم وحضور كبير وموهبة لا يختلف أحد عليها، وهو ما ميزها بين بنات جيلها من الراقصات فى هذا الوقت، ولكن شهرة كاريوكا لم تتوقف فقط على كونها فنانة وراقصة مبدعة، ولكنها اشتهرت أيضا بمواقفها السياسية الشجاعة وجرأتها المتناهية، وكانت لا تخشى على الإطلاق من رجال الشرطة أو رجال السلطة، ووصلت جرأتها إلى أقصى الحدود مع الملوك والرؤساء، وكان لها معهم مجموعة من المواقف الجريئة أيضاً. نشأت تحية على كره الاستعمار وحب الثورة من والدها محمد أبو العلا النيدانى كريم، الذى أطلق على ابنته اسم «بدوية» تيمنا باسم الشيخ السيد البدوى، أحد أبطال المقاومة أثناء الحروب الصليبية، وبعد أن حققت تحية شهرتها الكبيرة فى القاهرة تزوجت من الضابط مصطفى كمال صدقى، ولم تمر أشهر قليلة بعد الزواج حتى وجدت ضباطا من البوليس الحربى يكسرون باب شقتها بعنف ووقفت تحية فى مكانها والضباط يبحثون فى كل مكان بالشقة عن أى منشورات ضد نظام الحكم، وعن أى أسلحة، وبالفعل تم العثور على بعض من المنشورات، ولم تتردد تحية فى أن تذهب معهم إلى القسم، ورغم أنها أنكرت معرفتها وعلمها بما تم ضبطه فى شقتها وتأكيد الزوج كلامها فإن ذلك لم يمنع السلطات وقتئذ من الزج بتحية داخل السجن للمرة الأولى فى حياتها. وقضت تحية فى السجن 100 يوم قادت خلالها حركات التمرد داخله، ورفعت صوتها محتجة على ظروفه غير الإنسانية، كما كانت أيضا تقف فى تظاهرات الطلبة مؤيدة لهم وترسل لهم الطعام وتشارك فى الهلال الأحمر. لم تتوقف مواقفها عند هذا الحد، حيث انتقدت أداء حكومة ما بعد ثورة 23 يوليو، ووصفت أداءها بأنه لا يفرق شيئا عن أداء الملك فاروق، وهو ما أدى إلى غضب السلطات منها وقتئذ، واعتقلها جمال عبدالناصر مع بعض أعضاء الحزب الشيوعى المصرى. ويروى أن تحية فى الخمسينيات من القرن الماضى خبأت اليسارى صلاح حافظ فى منزلها، إضافة إلى موقفها الشهير مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عندما تخفى عندها وقت الاستعمار البريطانى لمصر، حيث أخفته فترة فى منزل شقيقتها، وكانت سلطات الاستعمار تبحث عنه دون جدوى، ولم يكونوا يعرفون أن كاريوكا هى من تخفيه. اشتهرت كذلك الفنانة الراحلة بعلاقتها القوية مع السياسيين، سواء داخل مصر أو خارجها، فرغم انتقادها لهم، فإنهم دائما كانوا يحبون مشاهدة فنها والاستماع إلى آرائها أيضا، ووصلت شهرتها إلى العالمية حتى إنها كانت على أبواب المشاركة فى فيلم سينمائى عالمى من إنتاج شركة «فوكس» لكن مرض والدتها حينئذ أجبرها على العودة إلى مصر قبل أن تشارك فى الفيلم، وكان للفنانة تحية كاريوكا موقف مع الملك فاروق، حيث كان يسهر فى يوم بكازينو «الأوبرج»، وبعد أن أدت رقصتها قالت له بطريقتها الساخرة: «أنت مكانك مش هنا مكانك فى قصر الملك»، وعلى الفور انصرف الملك وسط استغراب المحيطين به، والجميع توقع أن يعاقب كاريوكا، لكنه لم يفعل معها أى شىء ومر الموقف بسلام.