أصدرت محكمة تركية حكماً بإعادة أحد مساجد إسطنبول كبرى المدن التركية إلى ورثة بطريرك مسيحي يحمل الجنسية اليونانية كان يملك العقار في أربعينيات القرن الماضي.

وقررت محكمة تمييز إسطنبول، حديثاً، إعادة قطعة الأرض المشيد عليها مسجد "فنر بهجة" إلى ورثة البطريك الأرثوذكسي، أرنستيغ وابورجي، الذي اشترى الأرض عام 1949.

ووضعت خزينة الدولة يدها على الأرض المذكورة، عام 1985، استناداً إلى قرار تجميد الأموال غير المنقولة، لحاملي الجنسية اليونانية الصادر عام 1964.

وكان المبنى القديم المشاد على الأرض قد تعرض لحريق، ليتم إنشاء مسجد على أنقاضه، إلى أن رفع الوريث الأخير للبطريرك الأرثوذكسي، وابورجي، دعوى لاستعادة المكان عام 2008، دائرة "الطابو" رفضت ذلك، بينما قررت محكمة التمييز إعادتها للوريث، الذي رفض، بدوره، هدم المسجد، باعتباره مكاناً مقدساً.

وكان ناشطون مسيحيون طالبو، مطلع تموز الماضي عبر شبكة إرم الإخبارية، السُّلطات التركية باستعادة الكنائس التاريخية في عموم البلاد بعد إغلاقها وإهمالها لعقودٍ خلت منذ تأسيس تركيا الحديثة على يد الزعيم مصطفى كمال أتاتورك.

وفي ظل غياب الإحصائيات الرسمية حول أعداد الكنائس المهملة في الأراضي التركية، يقدِّر ناشطون مسيحيون أعدادها بالآلاف؛ موزّعة على مناطق، طور عابدين -أي جبل عبّاد الله باللغة السريانية- وماردين، ونصيبين، ومدياد، وآزخ، وجزيرة بوطان، شرق الجمهورية التركية، ومناطق أخرى منها إسطنبول غرباً، وأنطاكيا -مقر الكرسي البطريركي الأول- جنوباً، وغيرها من المدن التركية.

ومن الكنائس المغلقة ما دُمِّر بالكامل، ومنها ما لم يبقَ منه سوى الأطلال، ومنها ما يستعمله سكان القرى المجاورة لأغراضهم الشخصية، كما أن عدداً كبيراً من الكنائس التاريخية تتخذه السُّلطات التركية كمعالم سياحية، شأنها في ذلك كشأن عدد كبير من المساجد التي حوّلها مؤسس الدولة (أتاتورك) إلى متاحف.

أما الكنائس التابعة لأوقاف السريان، فتقدّر أعدادها بنحو 60 كنيسة مع أراضيها الملحقة بها كوقف، وبضعة أديرة، وفقاً لمصادر إرم في دير " مار كبرئيل " للسريان الأرثوذكس، وهو من أعرق الأديرة عالمياً، ويزوره الكثير من أنحاء العالم بقصد السياحة الدينية.

وبحسب ناشطين سريان فإن عدد الكنائس الخاضعة لأوقاف المسيحيين، في عموم تركيا، تصل إلى نحو 394 كنيسة.

وقال الناشط السرياني، أفرام جورج، في حديث خاص لـ إرم إن " هناك أكثر من 10 آلاف كنيسة مفقود أو مدمّرة في عموم تركيا، كما أن هناك الكثير من الكنائس التي تم تحويلها إلى مساجد؛ ومنها " جامع أولوجاميا " أكبر مساجد " ديار بكر/آمد " شرق البلاد، بعد أن كان كنيسة تحمل اسم "مار توما ".

وأضاف إن " الكثير من الكنائس التابعة للروم، تقع تحت الأرض، ولم يتم التنقيب عنها حتى الآن، كما وقامت الحكومة بترميم بعض الكنائس بقصد السياحة، مشيراً إلى أن "القانون التركي يمنع بناء الكنائس منذ تأسيس الجمهورية "، ولم يتسنَّ لـ إرم التأكد من صحة أعداد الكنائس المهملة في ظل شح المعلومات الرسمية، وغياب الإحصائيات الحكومية، والأهلية.

ومؤخراً؛ تم استعادة كنيسة الكلدان في قرية " بوتة " شرق البلاد، بعد 12 عاماً من تحويلها إلى مسجد، كما استعادت طائفة البروتستانت إحدى كنائسها في مدينة "مدياد" بعد تشكيل هيئة للمطالبة بها، وتمكن كهنة دير مار كبرئيل من استرجاع بعض الأراضي التابعة للدير التاريخي، في حين ما تزال قضايا استرداد الباقي من أراضي الدير عالقة في أروقة المحاكم.

كما سجلت الأعوام الأخيرة استرداد بضعة كنائس وأديرة وأوقاف، تابعة للأرمن واليونان والروم، في إسطنبول، غرب البلاد، عبر المحاكم.

ووفقاً للقانون التركي، فإن السُّلطات تعيد أي وقف ديني، في حال تم إثبات ملكيته للكنيسة، ما يعتبره ناشطون شرطاً غير منصف، بسبب تحوّل الكثير من الأوقاف إلى أنقاض، وضياع مستندات الملكية على خلفية السرقات والإهمال الذي أعقب المذابح بحق الأرمن والسريان، إبان الحرب العالمية الأولى.

ودولياً أقرّت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، يوم 26 حزيران الماضي -بضغطٍ من اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة- مشروع قانون يقضي بمحاسبة تركيا، ومطالبتها بإعادة الكنائس التي خضعت لسيطرتها بعد إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين.