ابتكار جديد توصل إليه مهندس مصري يحقق سيولة المرور, عبر إلغاء الإشارات, وفك الاشتباكات بين الميادين المتقاطعة, لكنه ينتظر تبنيه رسميا من قبل الأجهزة المسئولة لتحقيق الصالح العام, وحل هذه المشكلة المستعصية.
الابتكار يأتي بعد أن أصبح المرور في شوارع القاهرة الكبري مشكلة حقيقية طوال ساعات اليوم, وليس فقط فيما كنا نسميه أوقات الذروة.. مما بات يعطل مصالح المواطنين ويصيب الحياة بالشلل.
لهذا تحتاج هذه المشكلة إلي أفكار وحلول غير تقليدية, وسريعة التنفيذ يمكنها ملاحقة التزايد السنوي غير المسبوق في أعداد السيارات بمختلف أنواعها التي قدرتها الإدارة العامة للمرور عام2007 بمليوني سيارة, يضاف إليها10% سنويا.. بينما القدرة الاستيعابية لشوارع القاهرة هي600 ألف سيارة بما يعني أن أكثر من30% من أعداد السيارات الحالية فوق قدرة واستيعاب الشوارع مما أدي إلي أن يصبح متوسط سرعة السيارة داخل القاهرة لاتتعدي10 كيلو متر.
الابتكار الجديد مصري100% ويقدم حلولا جذرية لهذه المشكلة المعقدة يشمله حلولا متكاملة لمشاكل الطرق وانتظار السيارات وكباري وأنفاق المشاه والمطبات الصناعية والدورانات وغيرها.
صاحب الابتكار مهندس مصري متخصص في مجال التصميم والابتكار لوسائل النقل.. هو: عمرو عبده الذي أبتكر نظاما مدمجا للتقاطعات الحرة في عام2001 وقام بتسجيله بهدف إعادة انسيابية المرور بشوارع القاهرة والمحاور الرئيسية والفرعية.
وكما يعرف ابتكاره فإنه نظام دمج للتقاطعات الحرة يلغي تماما الاشارات المرورية في التقاطعات الرباعية والثلاثية ويصلح للاستخدام داخل المدن دون الحاجة إلي اللجوء لنزع الملكيات, وهو بذلك يتفوق علي أشهر أنواع التقاطعات الحرة المعروفة منذ عشرات السنين والتي كان يقتصر استخدامها خارج المدن فقط لضخامتها وارتفاع تكلفة وزمن انشائها.
فكرة الابتكار
وعن بداية اهتمامه بحل أزمة المرور يقول: كنت دائما من المعجبين بنظام التقاطعات الحرة العالمي المسمي بزهرة البرسيم: نظرا لتحقيق انسيابية تامة للمرور في16 اتجاها في التقاطعات الرباعية, وقد لاحظت لاحقا بعض القصور في هذا النظام حيث دائما مايقام خارج المدن نظرا لضخامته ولاحتياجه إلي مساحات مربعة الشكل(500*500 متر) يصعب تواجدها داخل المدن إلا باللجوء إلي أسلوب نزع الملكيات, ومايتبعه من مشكلات زيادة التكلفة ووقت التنفيذ.
وكذلك لاحظت أيضا ـ يضيف ـ أحتواء التصميم علي مساحات شاسعة من الأراضي تمثل تكلفة اضافية غير مستغلة, ويسهل تحويلها إلي خرابات أو مقالب غير صحية للقمامة, وهذه كانت نقطة البداية في تصميم فكرة التقاطعات المدمجة وكان ذلك عام2001 وتم عرضها علي كل من شركة المقاولون العرب وكذلك الاستشاري ممدوح حمزة فنالت الاستحسان لأنها ببساطة تهدف إلي تطبيق أسلوب التقاطعات الحرة المعروفة عالميا ولكن بعد تعديلها لتصبح للتطبيق داخل المدن, وأيضا لتصلح لنوعين من التقاطعات الثلاثية والرباعية وهي عبارة عن برج معدني سابق التجهيز مربع الشكل طوله مساوي عرضه حوالي17 متر وارتفاعه لايزيد عن15 مترا يتم تركيبه وسط أي ميدان يصل بين4 اتجاهات رئيسية وهذا البرج يتم عليه تركيب كوبريين معدنيين متعامدين علي ارتفاعين منفصلين6 أمتار,12 مترا من سطح الأرض وكل كوبري عرضه15 مترا عبارة عن حارتين في كل اتجاه لخدمة الاتجاهات الرئيسية الأربعة, بينما يترك الميدان السطحي أسفل البرج والمساحات أسفل الكوبريين لخدمة باقي الاتجاهات.. وهذا الحل يصلح للانشاء بين أي شارعين متقاطعين داخل أو خارج المدينة شرط ألا يقل عرض نهر أي منهما عن23 مترا.
ويضيف المهندس عمرو أنه بالاستعانة بآراء خبراء تنفيذ الكباري يمكن القول إن هذا الشكل لايأخذ أكثر من6 شهور للتنفيذ بدلا من عدة سنوات, كما أن الأماكن التي تصلح للانشاء بها لاتعد ولاتحصي مثال تقاطعي شارع الطيران مع طريق الاتوستراد عند جامع رابعة العدوية, وتقاطع شارع إسماعيل الفنجري مع الاتوستراد, وتلاقي شارعي محيي الدين أبو العز, وشهاب مع جامعة الدول العربية, وتقاطع محيي الدين أبو العز مع نادي الصيد, وكلها تقاطعات أصبح التكدس فيها يحتاج إلي حلول سريعة وجذرية.
ولأن حق المواطن في التنقل بأمان ويسر يتطلب طرقا حرة بقدر الإمكان تتوافر فيها مواصلات عامة آدمية, وأماكن انتظار وكباري وأنفاق ومشاه بسلالم كهربائية مراعاة لكبار السن والعجزة والأطفال ويوتيرن مدروسة ومطبات صناعية قانونية.
ولتوفير هذا الحق يقترح المهندس عمرو عدة حلول منها التقاطعات الحرة المدمجة, التي تهدف إلي إلغاء الاشارات المرورية للتقاطعات داخل المدن, علاوة علي الأنظمة الذكية لانتظار السيارات, وتهدف لمضاعفة مساحات انتظار السيارات في أسرع وقت ممكن.
ويدعو المهندس عمرو أيضا للأتوبيس المفصلي المطور, الذي يعتبر الحل الأمثل والفوري للمواصلات علي الطرق الدائرية والمدن الجديدة والكباري لأنفاق المشاه المطورة, بهدف تشجيع المشاه علي استخدامها بعبور الطريق, واستخدام اليوتيرن في المناطق النائية فقط ومطبات صناعية قانونية بهدف تخفيف سرعة السيارات بطرق آمنة.
مميزات الابتكار
إن معدل التزايد في أعداد السيارات ـ كما يقول المهندس عمرو ـ أصبح يتطلب ضرورة البحث عن أساليب جديدة لبناء أماكن انتظار السيارات جنبا إلي جنب مع الجراجات متعددة الأدوار من الخرسانة المسلحة التي يستغرق بناؤها عدة سنوات. أما الأنظمة الجديدة فهي كثيرة ومتعددة منها ماهو تحت الأرض ومنها ماهو فوقها أو يجمع بين الاثنين وهي معدنية وتركب في عدة أيام أو أسابيع بدلا من سنوات. ونختار من بين هذه الأنظمة ـ الأكثر ملاءمة ـ والأقل تعقيدا والتي يقصد بها ـ اعتمادها علي حركة واحدة فقط وليست مركبة.
الأولي انزلاقية رأسيا فقط( مثل المصاعد) والثانية دورانية رأسيا دفقط مثل عجلة الملاهي وهي تناسب السيارات الكبيرة كما يمكن تخصيص الأدوار العليا بها للميكروباص والميني مان. ويستقبل النظام الدوار ـ يقول ـ16 سيارة بدلا من2 فقط, وقد بدأ رهذا النظام ينتشر في عدة دول متقدمة نظرا لمميزاته الفريدة ومنها الحجم المدمج حيث تشغل وحدة الـ16 سيارة مساحة سطحية لسيارتين فقط, كما أن التصميم مرن فيمكن تركيبه بشكل طولي أو عرضي ولايشترط قطعة أرض كبيرة قد يصعب تواجدها داخل المدن.
وتركب الوحدة7 أيام فقط, ومصاريف التشغيل والصيانة أقل مايمكن, والأساسات سطحية فقط( أقصي وحمل لايزيد علي15 طنا لكل متر مربع. ولايحتاج النظام أيضا إلي عمالة كثيفة للتشغيل, ويمكن أن تكون الجراحات مكشوفة أو مغطاة ويمكن استغلال السطح الخارجي فيها للاعلانات, كما أنه يدور مع أو عكس عقارب الساعة لسرعة الوصول للسيارة, مع ضمان سنتين للمكونات الميكانيكية(5 سنوات للهيكل) بعمر افتراضي20 سنة.
كما يمكن تركيب هذا النظام في مناور العمارات السكنية ومحطات البنزين والمترو والسكك الحديدية, ومواقف الفنادق والمستشفيات والمطارات والمصانع ومعارض تأجير السيارات والأسواق التجارية الخ وأسفل المحاور والكباري العلوية. وعلي سبيل المثال يمكن مضاعفة ساحات الأنتظار أمام نادي الزمالك ونادي الترسانة حتي3 أضعاف بدون ازعاج لأصحابها المحلات وأيضا أسفل كوبري15 مايو تبقي الإشارة إلي أن الاهتمام بتوفير أماكن الانتظار للسيارات له تأثير إيجابي يساعد علي ارتقاء سلوك المواطنين بإعادة استخدام المشاه للأرصفة بدلا من السير في نهر الطريق, مع سهولة تنظيف الشوارع من القمامة خاصة التي تتجمع تحت السيارات.
وكذلك يجب الاهتمام بإنشاء شركات خاصة لتشغيل وصيانة أنظمة الانتظار المشار إليها حتي يمكن الحفاظ عليها من العبث والأعطال وكذلك لايجاد المزيد من مجالات وفرص العمل.
الأتوبيس المفصلي
عن الأتوبيس المفصلي المطور(24 مترا) فيقول المهندس عمرو إن استخدامه مهم في الطرق الدائرية والمدن الجديدة ومثال ذلك طريق العاشر ـ المحور ـ بدر ـ السادات وغيرها وكثير منا يتذكر الأتوبيس المفصلي الذي كان يجوب شوارع القاهرة( من قطعتين)18 مترا في وقت لم تكن هناك مدن جديدة أو طرق دائرية.
وقد حان الوقت لإعادة التفكير في استخدام الأتوبيس المفصلي من جديد ـ يتابع ـ خاصة بعد زيادة طوله إلي24 مترا و3 قطع لتكون سعته وقت الذروة حوالي300 شخص أي مايعادل سعة20 ميكروباصا حيث يمكن اعتباره بديلا فوريا للمترو لحين وصول خطوط المترو لتلك المدن بعد عدة سنوات, كما أنه ضرورة لتحجيم فوضي الميكروباص وبلطجة سائقيه حيث سيقل الطلب عليهم فتتحسن تلقائيا معاملة الركاب, كما أنه لايحتاج إلي مد خطوط سكك حديدية أو خطوط كهرباء وهي ميزة ترجح كفته علي السوبر ترام.
ولهذه المشكلة حلول منها تركيب سلالم وكهربائية واستخدام الدرج كلوحات إعلانية مما يسهم في استمرار صيانتها, والاهتمام بالنظافة والاضاءة ووسائل الأمن داخل الانفاق اضافة وسائل جذب للمشاه مثل شاشات عرض الاعلانات أو الأفلام التسجيلية.
وبحلول بسيطة يمكن تعديل هذه الأوضاع حيث يجب الاتفاق علي تصميم موحد لكباري عبور المشاه وتحديد مساحات إعلانية موحدة للإيجار علي طول الكوبري أو تحفيز رجال الأعمال علي بناء كباري للمشاه علي أن تخصص مساحات الاعلانات لهم, ومن حصيلة التأجير يتم تحويل بناء المزيد من كباري عبور المشاه بدون أي أعباء علي الدولة مع ازالة جميع المطبات الصناعية علي طول الطريق. ثم تأتي مشكلة اليوتيرن أو الدوران التي دخلت حديثا علي المجتمع المصري كبديل للكباري والاشارات المرورية والتي أثبتت فشلها في أماكن الكثافة المرورية العالية وتسببت في فوضي عارمة واختناقات ومستمرة ومعاناة شديدة للسائقين بينما لا بأس بها في المناطق النائية ذات الكثافات المنخفضة.
حلول ذكية
من جانبه يري المهندس صبحي ربيع مسئول الأتصال بوزارة النقل أنها حلول ذكية وتحتاج إلي الأخذ بها والمساعدة, كما أن مسئولية وزارة النقل هي الطرق السريعة خارج المدن وبالفعل بدأنا في عمل وصلات حرة وتقاطعات لتحقيق السيولة المرورية عند كوبري بركة السبع طريق الإسكندرية الزراعي وندرس حاليا تطوير طريق السويس ـ القاهرة الصحراوي وطريق الإسماعيلية وتحويلهما إلي طرق حرة مثل الإسكندرية الصحراوي, كذلك تم اعتماد طريق حر شبرا ـ بنها ويتم استكماله من بنها حتي كفر الزيات, كما يتم العمل بالطريق الدائري الاقليمي بمسافة30 كيلو مترا تقريبا ويبدأ من كوبري العياط رابطا مدينة بدر طريق السويس ثم يتجه إلي بلبيس إلي شمال مدينة بنها ومنها إلي كفر داود وحتي الخطاطبة ومدينة السادات طريق الإسكندرية الصحراوي ويستكمل حتي العياط ويتمم ذلك بخدمات الطرق الحرة المتكاملة.
كذلك تم البدء ـ يضيف ـ في طريق دائري أوسطي يبدأ من زهراء المعادي مارا بالاوتستراد.. ولكن كل هذه المشروعات تحتاج إلي اعتمادات مالية ضخمة من أجل تحقيق رحلة آمنة اقتصادية ومريحة.
ويري المهندس محمد كمال الناشط البيئي والاقتصادي أن الحلول الذكية لمشكلة المرور والطرق سوف تخفف الاحمال البيئية والعبء الاقتصادي علي الدولة والمواطن, مشيرا إلي أن استهلاك قطاع النقل للطاقة وصل42% من حجم استهلاك الوقود بينما المتوسط العالمي للاستهلاك لم يتجاوز26%, كما أن الدولة تتحمل ثلاثة مليارات جنيه سنويا لدعم بنزين السيارات فقط, ومع الزيادة السكانية الرهيبة والتوسع العمراني في محيط القاهرة التي كانت مساحتها من سنة1800 حتي1917 لم تزد علي35 ألف كيلو متر وصلت عام2007 إلي1466 كيلو مترا فإن خسائر المرور تمثل3% من الناتج القومي, كما أن الاحصاءات الرسمية تشير إلي أن نسبة حوادث الطرق في مصر أعلي من المعدلات العالمية بمسافة كبيرة وحيث وصلت22 وحالة وفاة لكل كيلو متر مربع بينما المتوسط العالمي من4 إلي20 حالة.