"لكني عارف إني ابن رضوى عاشور، أمي التي حملها ما ينحسب بشهور
تكتب في كار الأمومة من الكتب ألفين، طفلة تحمي الغزالة وتطعم العصفور
وتذنب الضهر لو يغلط بنظرة عين، وبنظرة أو طبطبة ترضى عليه فيدور "
هكذا وصف الشاعر تميم البرغوثي، والدته الروائية "رضوى عاشور" ومن ثم رحلت، رحلت الطنطورية، رحلت مريمة، رحلت صاحبة الشخصيات التي تعلقنا بها مرارا، سيدة الحرف والكلمة، ابنه النيل الثائر الذي تجرعت منه ملامحها، في طيبتها وعنفوانها.
صاحبة العائلة الأدبية المثالية، الأم روائية، والأب أديب، والابن شاعر، ما كان لهذا الثلاثي أن ينفصل منذ تكوينه الأول، فإن ذكرت تميم أتتك رضوى في خيالك، وإن ذكرت رضوى لعرفت مريد .
اختارت أن تخوض عراك سياسي بسبب حبها لزوجها الفلسطيني مريد البرغوثي، ذلك المشتت في البلاد، من مصر إلي رام الله، إلى أن خرج من مدينته مرغمًا ومن مصر مرغمًا، فكانت لرضوى دور الوتد الذي تقام على كاهله الأسرة وتتولى أمرها إلي أن يعود زوجها .
سيرتها
رضوى عاشور، ولدت في القاهرة، في 26 مايو 1946، قاصة وروائية وناقدة أدبية وأستاذة جامعية مصرية، تميز مشروعها الأدبي، في شقه الإبداعي، بتيمات التحرر الوطني والإنساني، إضافة للرواية التاريخية، تتراوح أعمالها النقدية، المنشورة بالعربية والإنجليزية، بين الإنتاج النظري والأعمال المرتبطة بتجارب أدبية معينة، وقد تمت ترجمة بعض أعمالها الإبداعية إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والإندونيسية .
الأم والزوجة والكاتبة
ولدت رضوى عاشور في القاهرة، سنة 1946، درست اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن، من نفس الجامعة، انتقلت إلى الولايات المتحدة حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، بأطروحة حول الأدب الإفريقي الأمريكي، على مستوى الحياة الشخصية، هي أم الشاعر تميم البرغوثي وزوجة الأديب مريد البرغوثي.
في 1977، نشرت رضوى عاشور أول أعمالها النقدية، الطريق إلى الخيمة الأخرى، حول التجربة الأدبية لغسان كنفاني، وفي 1978، صدر لها بالإنجليزية كتاب جبران وبليك، وهي الدراسة نقدية، التي شكلت أطروحتها لنيل شهادة الماجستير سنة 1972.
في نوفمبر 1979، وتحت حكم الرئيس أنور السادات، تم منع زوجها الفلسطيني مريد البرغوثي من الإقامة في مصر، مما أدى لتشتيت أسرتها.
وقد شاركت رضوى عاشور في العديد من المؤتمرات وساهمت في لقاءات أكاديمية عبر العالم العربي (بيروت وصيدا ودمشق وعمان والدوحة والبحرين وتونس والقيروان والدار البيضاء)، وخارجه (في جامعات غرناطة وبرشلونة وسرقسطة في إسبانيا، وهارفرد وكولومبيا في الولايات المتحدة، وكمبريدج وإسكس في إنجلترا، ومعهد العالم العربي في باريس، والمكتبة المركزية في لاهاي، ومعرض فرانكفورت الدولي للكتاب وغيرها).
أعمالها
كان لبيروت نصيب من حبر رضوى، حيث استقبلت دار الآداب ببيروت أولى إبداعاتها، بعنوان "الراحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا"، عام 1983، وقد كانت القصة اقتباسات من سيرتها الذاتية أثناء دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية.
توالت فيما بعد أعمال رضوى، منها: حَجَر دافئ (رواية)، خديجة وسوسن، رأيت النخل (مجموعة قصصية)، سراج (رواية)، غرناطة (الجزء الأول من ثلاثية غرناطة)، مريمة والرحيل (الجزءان الثاني والثالث من الثلاثية)، وقد نشرت الطبعة الثانية بعنوان ثلاثية غرناطة، أطياف (رواية)، تقارير السيدة راء (نصوص قصصية)، قطعة من أوروبا (رواية)، الطنطورية (رواية) .
أثقل من رضوى
أما آخر أعمالها فقد كان سيرة ذاتية لمراحل حياتها، بعنوان "أثقل من رضوى"، الصادر عن دار الشروق عام 2013، وكأنها كانت تشعر بأن النهاية قد اقتربت، حيث كتبت في إحدى مقاطع الكتاب تقول: "عندما غاردت طفولتي، وفتحت المنديل المعقود الذي تركته لي أمي وعمتي، وجدت بداخله هزيمتهما، بكيت، ولكني بعد بكاء وتفكير أيضًا ألقيت بالمنديل وسرت، كنت غاضبة". عدت للكتابة عندما اصطدمت بالسؤال: (ماذا لو أن الموت داهمني؟) ساعتها قررت إنني سأكتب كي أترك شيئًا في منديلي المعقود" .
جوائز
حصلت رضوى على جائزة أفضل كتاب لعام 1994 عن الجزء الأول من ثلاثية غرناطة، على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، كما الجائزة الأولى من المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عن ثلاثية غرناطة 1995، وكانت ضمن مجموعة من 12 أديبا عربيا تم تكريمهم، على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2003، إضافة إلي حصولها على جائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وجائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا عام 2009، وجائزة بسكارا بروزو عن الترجمة الإيطالية لرواية أطياف في إيطاليا عام 2011، وقد كان آخر جوائزها: جائزة سلطان العويس للرواية والقصة 2012 .
لا وحشة في قبر رضوى!
كانت خفيفة الظل كما عهدناها، هادئة عاقلة، بقلب طفل طيب، عُرف عنها تفاؤلها الدائم وعزوفها عن التشاؤم والدموية، حيث تقول في سيرتها "أثقل من رضوى": " أرى في رسائل التشاؤم فعلًا غير أخلاقي، قلت ذات مرة إن كل كتاباتي الروائية محاولة للتعامل مع الهزيمة. قلت: الكتابة محاولة لاستعادة إرادة مَنْفِيَّة. أنهيت رواية "ثلاثية غرناطة" بعبارة: "لا وحشة في قبر مريمة" " .
هي نفس العبارة التي استخدمها محبيها لوداعها، حيث انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي عبارة "لا وحشة في قبر رضوى"، حيث توفت الكاتبة في الساعات الأولى من اليوم (الإثنين)، وتشيع جنازتها اليوم بعد صلاة الظهر من مسجد صلاح الدين بالمنيل.
وكأن صوت تميم ينبعث من الخلفية ليكمل قصيدته في وصف أمه :
وأمي حافظة شوارع مصر بالسنتي، تقول لمصر ياحجة ترد يابنتي
تقولها احكيلي فتقول أبدأي أنتي
وأمي حافظة السير، أصل السير كارها
تكتب بحبر الليالي تقوم تنورها
وتقول ياحجة إذا ماحزنتي وفرحتي
وفين ما كنتي أسجل ما أرى للناس
تفضل رسايل غرام للي يقدرها