اقترب الشتاء ، وذرات الهواء تصطدم بأرصفة الشوارع ، المكان لا يحتمل إلا مقعدين في الصف الخلفي ، وقف ممدداً يده للأمام ثم اعطاهم نصف التذكرة وطلب منهم الجلوس في المكان المخصص لهم ، ظلمة لم ترَ منها إلا شاشات العرض لفيلم أجنبى تبكي فيه البطلة تطلب من حبيبها أن يعود إليها .

 
على الجهة الأخرى وخلف الستار تقف الطفلة " سحر" بردائها الوردي، تمسك بالمقشة ،تدندن مع الموسيقى ، تشهق شهيقاً عالياً وهى ترى البطلة تُقبل حبيبها ، تضع أطراف الستائر على وجهها في خجلٍ شديد ،تتابع البطلة في ترقب بعد أن عاد حبيبها وراح يتراقص معها في خطوات دائرية عديدة ، نظرت إلى ساحة المقاعد ، مليئة بلحظاتٍ من الرومانسية ، ابتسمت ، إنه الشتاء يعلن اقترابه ،كأن الساعة تدق الثانية عشر مساءاً ، لايخلدون إلى النوم ، تنتظر رحيلهم لتقوم بتنظيف الصالة من بقايا روائحهم العالقة في المقاعد وعلى أرضية المكان .
 

تذكرت ابن الجيران كان يركض دائماً خلفها كلما وضعت بعضٍ من الأحمر على شفتيها بعد أن اشترته من باقي نقودها ، يحاول في خطوات ثابتة أن يقترب منها ، فتلوح بوجهها عنه وتهرب في الفضاء الفسيح متجهة إلى صالة السينما ، ثم تبدأ عملها وهى تتابع نظراته إليها في صمت .

 

عادت تتابع الفيلم من جديد تمنت لو كانت هى البطلة وأن حياتها لا تختلف كثيراً عنها تستيقظ في الصباح وتذهب إلى الغناء والتمثيل ، فيصفق لها الجميع ، انتهى الفيلم بعد أن مات حبيبها وهى تبكي وتغني له "لاتتركني " ، تسمع كلماتها " هى لا تفهم ماذا تقول ، تروق إليها الموسيقى كثيراً ، فرغت الصالة من الحضور .

 
وقفت أمام الشاشة حاولت أن تخرج لغرفة التشغيل المكان فارغ من الأشخاص ، صعدت حاولت كثيراً تشغيل الفيلم من جديد ، نجحت ، نزلت سريعاً إلى احدى المقاعد، جلست ، نظرت بترقب شديد عادت البطلة تراقص حبيبها ثانية ، وقفت أخذت المقشة ووقفت على الخشبة ترقص معها ، تدور سريعاً تدندن تضحك بشكل سريع ، وقعت على الأرض وضعت ساقاً على الأخرى انتهى الفيلم وعاد الظلام ثانية يملئ القاعة .