اتفق عدد من السينمائيين والنقاد على أن الفترة المقبلة ستشهد غياباً للسياسة عن شاشة السينما، وأرجع البعض السبب إما لحدوث حالة من التشبع لدى الجمهور من السياسة، ورأى البعض الآخر أن هناك بوادر للتضييق على حرية الإبداع لن تسمح للسينما بممارسة دورها المعارض، كما كان يحدث فى فترات سابقة، واتفق الجميع تقريباً على أنه سيمر بعض الوقت حتى تتمكن السينما من رصد الواقع السياسى الجارى وتداعياته، من خلال رؤية متكاملة لن تتاح فى الوقت الحالى.

المخرج داود عبدالسيد قال: «لا أعتقد أن السياسة ستختفى من السينما، ولكنى أرى أن المعارضة السياسية فى السينما ستتأثر خلال المرحلة المقبلة، ولا أتصور إمكانية تقديم فيلم مثل «هى فوضى»، وهذا له علاقة بالاتجاه الواضح لعمل قيود على حرية الرأى والنقد، ولدى النظام دائماً سلاحه الخاص به وهو الرقابة، ولا علاقة للجمهور بهذا، فالجمهور سيتابع أى نوعية من الأفلام الجيدة والمقنعة الجذابة، أياً كان موضوعها الذى تناقشه سواء فى السياسة أو الرومانسية أو غيرهما».

أما المخرج محمد ياسين فقال: «لا ينبغى أن يتم النظر للفترة المقبلة دون أن نتعرض لعلاقة الدولة بالسينما فى السنوات الماضية، حيث ظلت لسنوات طويلة ممتدة لأكثر من ثلاثين عاماً لديها موقف غريب تجاه ما تقدمه السينما، هى تقف مع الإعلام وليس الثقافة، بسبب امتلاكها السيطرة عليه، فالمرحلة المقبلة ستتوقف بنسبة كبيرة على موقف الدولة من الثقافة، وتحديداً من السينما باعتبارها من أهم روافدها، ومن أقوى أدوات تشكيل الوعى من ناحية التأثير، وبالتالى سيبنى صناع السينما وجهة نظرهم ومواقفهم تجاه ما ينبغى أن يقدموه فى الفترة المقبلة، وأرفض ما يتردد بضرورة ابتعاد صناع السينما عن السياسة بسبب حالة الملل التى أصابت الجمهور من الجرعة المكثفة التى تظهر فى الإعلام، فتناول السينما للسياسة لن يتم بنفس طريقة برامج «التوك شو»، السينما ستلخص وجهة نظر أعمق وأقوى كثيراً مما يقدمه «التوك شو»، ولكن الأمر الأكيد هو أنه طالما هناك صناعة للسينما، ترصد وتقدم حال الناس فى الحياة فهذا فى صلب السياسة، وهو أخطر من أن تقدم فيلماً يناقش ويحلل فترة سياسية بعينها».

وأكد المخرج أحمد عبدالله أننا «لا نملك حتى الآن تصوراً كاملاً يرجّح ما يمكن أن يحدث فى الفترة المقبلة، حتى وإن كان هناك بالفعل الكثير من صناع السينما يفضلون إيثار السلامة، والابتعاد عن السياسة بسبب افتراض وجود بعض القيود، ولكنى أظن أن بعض صناع الفيلم المحترمين الذين يحترمون عملهم وما يقدمونه لن يتغيروا نتيجة للظروف الراهنة، ففى فترة حكم مبارك كنا نقدم ما نريده، وفقاً لما تسمح به الرقابة، وكذلك كان الأمر فى فترتى المجلس العسكرى وحكم مرسى، وفى النظام الحالى لا أظن أن الوضع سيتغير عما سبق، وأنا فى الأساس أرى أن تناول السياسة فى الأعمال السينمائية يندرج تحت بند تشكيل الوعى، وبالتالى أرى أن من إيجابيات ما حدث فى الأعوام السابقة أن الجمهور باتت لديه حالة من الوعى المضاعف بالشأن السياسى، وتزايدت لديه الرغبة فى المعرفة، وبالتالى لا أظن أن السينما تستطيع الابتعاد عن ذلك».

وفى المقابل أبدت المخرجة هالة خليل تخوفها من مستقبل العلاقة بين السينما والسياسة قائلة: «المؤشرات الحالية كلها تعطى انطباعاً بأن النظام «عينه على الفن» وأنه يرغب فى استخدامه لتنفيذ توجهات معينة أكثر من رغبته فى إطلاق حريته، وهذا للأسف لم يقتصر على المؤسسات والجهات المختلفة فى الدولة فقط، وإنما تم الدفع بالشارع المصرى نفسه فى اتجاه عدم قبول الرأى الآخر، فأصبح الوضع هو إما أن تقدم ما يتوافق مع النغمة السائدة، أو يتم اتهامك بالخيانة والعمالة أو اللاوطنية على أفضل حال، وأتصور أن الفترة المقبلة ينبغى أن تكون خصبة بالنسبة للإبداع السياسى فى السينما، ولكنى فى نفس الوقت أمتلك مخاوف لأن يتم الدفع بصناع السينما إلى مجاراة النغمة السائدة أو الابتعاد عن السياسة، والمحك فى رأيى هو إقدام المبدعين على تقديم أعمال تحمل رؤاهم وتصوراتهم للواقع السياسى، ويتم تقديمها للرقابة وانتظار رد فعلها، وعليه سيتم تحديد موقفنا من ذلك».

أما السيناريست طارق عبدالجليل فيرى أن الفترة المقبلة قد تشهد بالفعل إحجاماً عن انتقاد النظام الحالى، ولكنه يرى أن السياسة فى السينما ستسير فى اتجاه آخر، فيقول: «أعتقد أن بعض السينمائيين سيلجأون لتقديم أفلام سياسية تتعرض لفترتى حكم «الإخوان» أو مبارك، دون التعرض للفترة الحالية من خلال رصد أى سلبيات قد تكون موجودة، بدليل أن الرئيس عاتب الإعلام على تعرضه بالانتقاد لانقطاع الكهرباء، فما بالنا بالتعرض للنظام فى السينما، أذكر أننى تعرضت لعدم دستورية «الخصخصة» فى فيلم «عايز حقى» عام 2001، فهل يمكن أن يعرض اليوم فيلم يتعرض بالنقد لقانون التظاهر وأنه غير دستورى فى الفترة الحالية؟ لا أعتقد ذلك، هل سنتمكن من الحديث عن الفساد الذى لا يزال كما هو ولا شعور لدى المواطن بالتغيير الذى كان يأمله، لا أعتقد، هل سنعود لعصر الرمزية فى السينما؟ ربما، غالبية المؤشرات الحالية تتجه نحو تحجيم الإبداع، وتقليم أظافره.

أما المخرج مجدى أحمد على فقال: «بكل تأكيد هناك حالة تشبُّع من السياسة لدى الجمهور، نتيجة متابعتهم المكثفة للإعلام خلال السنوات الماضية كلها، وأعتقد أن ذلك الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يعود الناس للحديث فى السياسة مرة أخرى، خاصة أنه من الضرورى الحديث عن ثورتى يناير ويونيو، بعد مرور وقت كافٍ من قيامهما، حتى يتمكن صناع السينما من قراءة الواقع السياسى بشكل أفضل وتكوين رؤية متكاملة وغير منقوصة عن الثورة وأحداثها، خاصة أن الواقع السياسى فى الفترة السابقة والحالية يفرز أحداثاً يومية متغيرة بشكل متسارع، قد لا يسمح بتكوين رؤية كاملة وواضحة عن الأحداث، وبالتالى سيتم الانتظار لبعض الوقت، ولا أعتقد أن السينما ستختفى من السياسة على الإطلاق».

ويرى الناقد على أبوشادى أن الفترة الحالية تندرج تحت بند «الترقب»، وبالتالى لا يمكن أن يتم تقديم عمل معارض، يقول: «الناس حالياً لديها نوع من الأمل فى حياة أفضل، ومن المتعارف عليه أن الفترات التى تشهد حالة ترقب لا تفرز فناً جيداً، حيث يكون الموقف العام به الكثير من الغموض، والسينما الرافضة والمعارضة قبل ثورة يناير كانت تتوافق بشكل كبير مع رغبة شعبية تنفس عنها، وهو ما لم يتحقق فى الفترة الحالية، والمسألة مرتبكة والملامح غير واضحة بشكل كامل، وهذه الفترة من أكثر الفترات خطورة على الفن، وتفرز أعمالاً هزيلة».

ويتفق معه الناقد طارق الشناوى قائلاً: «مع الأسف هناك حالة من التضييق على الحريات بشكل عام، وبالتأكيد فالحديث فى السياسة بشكل يحمل انتقاداً للنظام سيكون غير مرحب به، خاصة أن المثقفين لا يلعبون دوراً فى مقاومة هذه الحالة من التضييق، والأمر الأهم من وجهة نظرى هو عدم وجود حقيقة واضحة وملموسة يمكن أن تبنى عليها الأحداث، فقد اعتقدنا جميعاً أن 25 يناير هى نقطة الذروة»، واكتشفنا أن ما كنا نعتقد أنه حقيقة بات فيه شك، وبالتالى اختفت مشاريع كثيرة كانت بصدد التنفيذ بسبب تجاوز الواقع للحظات التى تم رصدها.

وأخيراً يتحدث د. عبد الستار فتحى، المشرف على جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، مؤكداً أنه لا صحة لما يتردد عن وجود قيود، ويقول: «الرقابة تتحرر كل يوم، وسقف الانتقاد السياسى مفتوح إلى ما لا نهاية، وأعتقد أن المنتجين هم من يتحكمون فى المناخ العام للسينما، ويحددون ما ينبغى تقديمه، والمشكلة ليست فى المؤلفين، وإنما فى التوافق مع المنتج فى تقديم أفلام تحمل رؤية سياسية ومدى اقتناع المنتجين بهذا حالياً، أما الرقابة فهى كما أردد دائماً تهدف للإجازة وليس للمنع».