اصدر المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية تقريرا حول الغاز وأهميته.. وإن كان التقرير لا يتحدث عن صراعات سياسية بشكل مباشر.. إلا انه يوضح لماذا التقارب القطري التركي.. ولماذا تحارب قطر وتركيا سوريا بشكل مباشر.. حيث يتضح أن أحلام قطر المتعلقة بالغاز والتي وقف في طريقها النظام السوري (نظام بشار الاسد ) هي التي تحرك قطر سياسيا فتحارب النظام الذي رفض مرور خط الغاز القطري الى تركيا ومن ثم اوروبا .. أشياء كثيرة تتكشف بين سطور هذا التقرير لمن يريد المعرفة الحقيقية وراء مواقف الدول في المنطقة.
 

تقرير الطاقة:

أ-تقدير موقف: هل يجد الغاز القطري طريقه إلى أوروبا عبربحر قزوين؟

ما تزال روسيا حتى اليوم هي المتحكم الأول بتوريد الغازإلى أوروبا، وكنتيجة للسوابق التي أثارت مخاوف الأوروبيين من قطع إمدادات الغازالروسي، كما حدث عندما قطعت روسيا الغاز عن الأنبوب المار من أوكرانيا إلى أوروبا،وكما يمكن أن يتكرر مرة أخرى في سياق تطورات الأزمة الأوكرانية الأخيرة، فإنه لابدللدول الأوروبية أن تبحث عن سبيل لتحييد هذه الهيمنة الروسية وحتى لا ترتهن لمصدرمُهدَد دائماً في سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها مثل الغاز. من هنا، كانالبحث عن بدائل أخرى للغاز الروسي، ومن هذه البدائل، يأتي الغاز القطري، خاصة أنقطر تحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم في هذا المجال بعد كل من روسيا وإيران.

هذاالطموح الأوروبي نحو الاستفادة من الغاز القطري، يقابله رغبة جامحة لدى الدوحة نحوغزو السوق الأوروبي، فطالما راود قطر حلم غزو الأسواق الأوروبية عبر تصدير الغازوأن تحل محل الغاز الروسي الذي ما يزال يشكل المصدر الرئيسي لإمداد أوروبا،إذأن هذا الأمرلا يحمل معه مكاسب اقتصادية فحسب، وإنما ينطوي على نفوذسياسي كبير تبدو قطر أحوج إليه في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعدالعزلة الخليجية التي فُرِضت عليها، والتي قد يتسع نطاقها خلال الفترة القادمة.ولا يخلو الأمر أيضاً من أبعاد سياسية أخرى تتعلق بالخلاف بين روسيا وقطر حول أحداثالربيع العربي وتحولات الانتقال الديمقراطي التي يشهدها عدد من الدول العربية،وكذلك الموقف من الأزمة في سوريا.

قطرحاولت جاهدة، وحتى قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية الأخيرة، أن تخلق موطيء قدم لهافي تصدير الغاز إلى أوروبا، ولكن جهودها في هذا السياق ما تزال محدودة وتقتصر علىإبرام عقود منفردة مع بعض الدول الأوروبية لتصدير الغاز إليها عبر الناقلات، وهيآلية محدودة في نتائجها، إذ أن تحقيق الحلم القطري في غزو السوق الأوروبي يتطلبإمدادا الدول الأوروبية بالغاز القطري عبر خطوط أو أنابيب وليس من خلال الناقلات.

في هذا السياق، يمكن القول أن أي محاولات جادة نحو تصديرالغاز إلى أوروبا، ترتبط بإيجاد مصدر لإمداد خط "نابوكو" الشهير بالغازإلى أوروبا عبر تركيا، فهذا المشروع الاستراتيجي ما يزال حتى الآن مفقتداً لمصدريموله بالغاز. وهناك بالفعل مشروع قطري معلن عنه منذ فترة طويلة تطمح من خلالهالدوحة إلى تمويل هذا الخط بالغاز القطري وتصديره إلى الدول الأوروبية عبر المروربالأراضي السورية إلى تركيا، ولكن يواجه تنفيذ هذا المشروع تحديات استراتيجية كماستتم الإشارة في متن التقرير، وهو ما يفرض تساؤل مهم مفاده:هل تستطيع قطرتحويل وجهة هذا المشروع لتقوم بتمويل خط "نابوكو" بالغاز عبر منطقة بحرقزوين؟

هذا ما يسعي التقرير الإجابة إليه من خلال ثلاثة أقسامفي هذا الشأن،الأول: يتناول بشكل عام فرص دخول الغاز القطري إلى أوروبا،والثاني:يتناول آليات دخول الغاز القطري إلى أوروبا، فيما يركز القسمالثالث: علىاحتمالات دخول الغاز القطري إلى أوروبا تحديداً عبر منطقة بحر قزوين، وصولاً إلىخاتمة التقدير.

أولاً: مدخل عام:فرص دخول الغاز القطري إلى السوق الأوروبي:

يمكنالإشارة إلى عدة عوامل قد تمثل فرص مهمة أمام دخول الغاز القطري إلى السوقالأوروبي، يتمثل أهمها في:(1)

§      المخزونالقطري من الغاز: فقطر تحتل المرتبة الثالثة – بعد روسيا وإيران- من حيث أكبرمخزون من الغاز في العالم، والغاز السائل، هو أحد أهم صادرات قطر، التي تتوقع أنيصل إنتاجها منه إلى نحو 12 مليون طن سنويا بحلول عام 2015، ما يجعلها واحدة منرواد مصدري هذه السلعة الاستراتيجية في العالم.

§      احتمالاتاستخدام سلاح الغاز الروسي في الأزمة الأوكرانية: فعلى الرغم من أن تطورات الأزمةالأوكرانية باتت تقلل من فرص تحقق هذه الاحتمالات بعكس التقديرات التي سادت معبداية الأزمة، إلا أن تحقق تلك الاحتمالات على أرض الواقع يظل أمر قائم لا يمكناستبعاده، ويمثل في هذه الحالة أهم الفرص أمام الغاز القطري للدخول إلى السوقالأوروبي، إذ أن أوكرانيا تعتمد اعتماداً كلياً على الغاز الآتي من روسيا في تشغيلالمصانع والتدفئة، مع عدم وجود مصادر بديلة عاجلة للحصول على غاز بتكلفة منخفضة.كما أن أوروبا تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 25% - ووفق بعض التقديرات الأخرى 40%-وتمر نصف هذه الكمية عبر أنابيب الغاز المارة بأوكرانيا، التي تعتبر بالنسبةلأوروبا دولة ترانزيت في هذا المجال. فهناك 6 دول أوروبية تعتمد على الصادراتالروسية من الغاز بشكل كامل مثل سلوفاكيا، بينما تستورد 7 دول أخرى على الأقل نصفاحتياجاتها من الغاز من موسكو.([1])

وقدهدّدت بالفعل المجموعة الروسية العملاقة في مجال الغاز "غازبروم"، بوقفصادراتها إلى أوكرانيا بسبب متأخرات متوجبة على الأخيرة، تبلغ قيمتها 1,89 ملياردولار. ورغم أوروبا ساعدت أوكرانيا في تسديد هذه الالتزامات، إلا أن التهديدالروسي بوقف إمدادات الغاز عن أوكرانيا وانعكاس ذلك مباشرةً على أوروبا، هو أمرقابل للتكرار مرة أخرى في سياق تطورات الأزمة، وستكون أوكرانيا والدول الأوروبيةمضطرة هنا إلى البحث عن بدائل سريعة للغاز الروسي، ستكون من بينها قطر.

§      يُزيدمن فرص قطر هنا أن احتمالات توجه الدول الأوروبية إلى دول آسيا الوسطى كبديل،ستكون مُقيدة ومحدودة، بالنظر إلى بعض التقارير التي تشير إلى أن روسيا – وحتى قبلاندلاع الأزمة الأوكرانية الأخيرة- دخلت في عقود شراء غاز طويلة المدى مع حكوماتتركمانستان وأوزبكستان وأذربيجان في آسيا الوسطى مستغلةً نفوذها السياسي في تلكالدول، فوقعت معها اتفاقيات احتكار واستثمار لاحتياطياتها الضخمة من الغاز، ولآجالبعيدة المدى زمنياً.

§      يضافإلى ما سبق قدرة قطر على تقديم أسعار تنافسية لتكلفة الغاز: فعلى سبيل المثال، تشيربعض التقديرات إلى أن تكلفة الغاز القطري المفترض وصوله إلى أوكرانيا في بداية عام2015، ستكون 140 دولار لكل 1000 متر مكعب، في حين بلغ قيمة كل 1000 متر مكعب منالغاز الروسي لأوكرانيا 430 دولارًا في عام 2012.([2])

ثانياً: قراءة في آليات دخول الغاز القطري إلى السوقالأوروبي:

إذا كانت العوامل التي سبقت الإشارة إليها، تعكس وجودفرص قوية لدخول الغاز القطري إلى السوق الأوروبي، فإن التساؤل الذي يثار في هذاالصدد، يتعلق بالآليات التي يمكن من خلالها أن تصدر قطر غازها إلى الدولالأوروبية، وهنا يمكن الإشارة إلى بعض الآليات، مع تقييم جدواها:

 

v  الآليةالأولى: تصدير الغاز عبر الناقلات:

أشارت بعض التقديرات التي ظهرت في الفترة ما قبل اندلاعالأزمة الأوكرانية الأخيرة، إلى أن شركة "آفاق" للغاز في قطر قررَّتشراء أسطول ضخم من ناقلات النفط (قد يصل إلى 1000 ناقلة) على مدى السنوات المقبلة،لنقل الغاز من قطر إلى مختلف دول العالم، بحيث ترمي الخطة الموضوعة إلى منافسةروسيا الاتحادية في عمليات تصدير الغاز.([3])

وفي هذاالسياق، يمكن الإشارة إلى بعض التطورات التي تعكس محاولاتقطر إيجاد موطيء قدم لها في تصدير الغاز إلى أوروبا عبرالناقلات، منها التطورات الثلاثة التالية:([4])

ü   التطورالأول:يتعلق بالزيارة التيقام بها رئيس جمهورية بلغاريا "روسينبليفنيلييف" إلى قطر في 13 مارس 2014، حيث أعلن سعي بلاده إلى تنويع مصادرهابشراء الغاز من دولة قطر، وتطلعه إلى إشراك مجموعة من الدول الأوروبية في هذاالمشروع، منها اليونان ورومانيا والمجر وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا، كماأعلن أن مشروع التعاون في مجال الطاقة يهدف أيضاً إلى بناء منشأة للغاز الطبيعيالمُسال في اليونان لتسهيل شراء الغاز من دولة قطر ووصوله إلى بلغاريا.([5])

ü   التطور الثاني: يتعلقبوصول الغاز القطري إلى أكثر من 3 ملايين منزل فيبريطانيا اعتباراً من الشتاء المقبل (شتاء 2014)، وذلك في إطار صفقة ضخمة تمت فينوفمبر الماضي 2013 بين شركة "سينتريكا" البريطانية وشركة "قطرغاز" بقيمة 7 مليارات دولار (4.4 مليار جنيه إسترليني) تقوم بموجبها قطربتزويد المملكة المتحدة بثلاثة ملايين طن من الغاز الطبيعي المُسال، بما يشكل 13%من حاجة البريطانيين للغاز.([6])

ü   التطورالثالث:يتعلق بوصولأول شحنة غاز قطرية إلى أوكرانيا مع بداية العام القادم2015،بناءعلى اتفاق تم توقيعه بين البلدينفي نوفمبر منعام 2012، خلال زيارة الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى قطر،فضلاًعن تعاون البلدين - بمشاركة تركيا- في بناء محطة في ميناء بالقرب من مدينة أوديسا(أوكرانيا) لاستقبال الغاز الطبيعي المُسال.([7])

v  الآليةالثانية: تصدير الغاز القطري إلى أوروبا عبر الخطوط أو الأنابيب:

مشكلةالآلية الأولى أنها لا تلبي حلم قطر في غزو الأسواق الأوروبية، وهناك مشكلة آخرىتتمثل فيأن الغاز السائل المصدّر بالناقلات يتطلب خزانات خاصةوتواجهه صعوبات متعددة، الأمر الذي يجعل من مسألة نقل الغاز بالأنابيب أو الخطوطأسهل وأرخص.

وكما سبقت الإشارة في المقدمة، فإن نجاح قطر في تزويد خطنابوكو الشهير بالغاز إلى أوروبا، يمثل حجر الزاوية في تحقيق حلمها في تصدير الغازإلى أوروبا. هذا يقتضي في البداية الإشارة إلى نبذة مختصرة حول الملامح الرئيسيةلخط نابوكو، ثم تقييم البدائل القطرية المحتملة لتمويل هذا الخط.


(أ)- نبذة مختصرة عن مشروع خط "نابوكو"الاستراتيجي لتصدير الغاز إلى أوروبا:

هذا المشروع عبارة عن خط أنابيب غاز ضخم لنقل الغاز منآسيا عبر الأراضي التركية في اتجاه دول الاتحاد الأوروبي، ويصب في مستودعات كبيرةللتخزين تقع في بلدة حدودية داخل النمسا. وقد تم التفكير فيه في عام 2002، واتختأولى الخطوات الرسمية بشأنه في منتصف يوليو من عام 2009، حيث أبرمت اتفاقية فيالعاصمة التركية أنقرة، شارك في التوقيع عليها إضافة إلى تركيا أذربيجان، وأربعدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي: بلغاريا، ورومانيا، والمجر، والنمسا.([8])

وبحسب دراسات المشروع التي أُعدت في بداياته، فهو يعتمدأساساً على تصدير الغاز الطبيعي من تركمانستان، التي تملك رابع أكبر احتياطي غازفي العالم من خلال تمرير خط أنابيب عبر حوض قزوين يحمل غاز تركمانستان إلىأذربيجان دون المرور على الأراضي الروسية، ومنها إلى تركيا ثم إلى بلغارياورومانيا ثم المجر إلى منتهاه في محطة تجميع ضخمة في مدينة بالنمسا.([9])

ويبلغ طول الأنبوب 2050 ميلا أو 3300 كيلو متر، مع قدرةتصدير تصل إلى 40 مليار متر مكعب. ومن ثم، يندرج هذا الخط ضمن خطة شاملة تقضيبتجميع غاز المنطقة في تركيا، قبل تصديره إلى أوروبا عن طريق"الترانزيت" من دون أن يعبر روسيا.([10])

وبالنظر إلى أن هذا المشروع يمثل تهديد إستراتيجيلروسيا، فكان من الطبيعي أن تعمد إلى إفشاله، وهو مانجحت فيه حتى الآن، عبر خطواتعديدة، كان أهمها جعل هذا الخط بلا ممول للغاز. وقد نجحت روسيا في ذلك من خلالالدخول في عقود شراء غاز طويلة المدى مع الدول التي من المفترض أن تمول الخطبالغاز، وهي حكومات تركمانستان وأوزبكستان وأذربيجان في آسيا الوسطى، حيث استغلتموسكو نفوذها السياسي في تلك الدول، فوقعت معها اتفاقيات احتكار واستثمارلاحتياطياتها الضخمة من الغاز، ولآجال بعيدة المدى زمنياً، مما مثل ضربة روسيةاستباقية ضد خط "نابوكو".([11])

(ب)- محاولات قطر تزويد خط نابوكو بالغاز (المشروعالقطري-التركي وآفاقه):

قبل سنوات قليلة مضت، اقترحت قطر مد خط أنابيب غاز قادممن الخليج العربي إلى تركيا لتكون ممول لخط "نابوكو" بالغاز القطري،وذلك بعد محادثات بين أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس التركيعبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وهو مشروح قطري طموح من شأنه أنيضاعف قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال.

ولكن هذا المشروع يقوم بشكل أساسي على فرضية مرور الخطالمقترح بالأراضي السورية ثم إلى تركيا، وهذه هي العقبة الاستراتيجية الرئيسيةالتي واجهت تنفيذه حتى الآن. فقبل اندلاع الأزمة السورية الحالية، رفضت سوريا مرورالخط عبر أراضيها، لتحالفها الاستراتيجي مع روسيا، خاصة أن هذا الخط يهدد مصالحالأخيرة في تصدير الغاز إلى أوروبا. واستعاضت دمشق عن هذا المشروع، بخط غاز آخريمر من إيران إلى العراق ثم سوريا، ليصل غاز هذه الدول إضافة إلى غاز بحر قزوين،بأنبوب غاز "بروم" الروسي، وذلك بعد أن وقعت موسكو مع دمشق اتفاقات عدةبشأن الغاز.([12])

ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع القطري يحظى بدعمأمريكي كبير، خاصة وأن واشنطن ترغب في إضعاف موسكو، من خلال سحب عقود الغازالأوروبية منها، وتحويلها إلى دول أخرى، في طليعتها قطر، وبذلك تحرم موسكو من مصدراستراتيجي حيوي لإنعاش اقتصادها من جهة، والتقليل من ارتباط أوروبا بروسيا من جهةثانية.

ورغم أن قطر راهنت على إسقاط النظام السوري الحالي فيتنفيذ هذا المشروع، إلا أن استمرار الأزمة يحول دون ذلك. وهو ما يفسر موقف موسكوفي "الدفاع المستميت" عن نظام دمشق، الذي يهدف ضمن ما يهدف، إلى عرقلةالمشروع الأمريكي الذي يرمي إلى إستبدال غاز روسيا إلى أوروبا، بغاز قطر عبرتركيا. لذلك، يمكن القول أن المشروع القطري هذا ينتظره مصير مجهول، وبات يرتبطبشكل أساسي بالمآلات التي سوف تنتهي إليها الأزمة السورية الجارية.

ثالثاً: آفاق سيناريو تصدير الغاز القطري إلى أوروبا عبرمنطقة بحر قزوين:

على الرغم من أن روسيا نجحت بالفعل في جعل خط"نابوكو" حتى الآن بلا ممول للغاز، ورغم العقبة التي تواجه المشروعالقطري التركي بشأن تمويل هذا الخط عبر المرور بالأراضي السورية، إلا أن مشروع"نابوكو" من وجهة نظر الولايات المتحدة والدول الأوروبية ما يزالمشروعاً استراتيجياً مهماً في المواجهة الأمريكية مع روسيا من جهة، وفي تلبية رغبةالاتحاد الأوروبي في إسقاط ورقة مبيعات الغـاز من يد روسيا من جهة أخرى. وليس أدلعلى أهمية المشروع من أنه تم توقيع الاتفاقية الخاصة به قبل توفير مصدر تمويله، فيقلب واضح للموازين والقواعد المعمول بها عادة في مثل هذه الحالات، حيث إنه منالمفترض توفير المادة المراد نقلها أولاً ثم البدء في إنشاء الوسيلة لنقلها، لكنما تم هو العكس.([13])

أحد البدائل التي قد يتم التفكير فيها هو تمويل هذا الخطبالغاز القطري، ليس عن طريق المشروع القطري التركي المشار إليه آنفاً والذي يتطلبالمرور عبر الأراضي السورية، ولكن عبر خطوط تمر بمنطقة بحر قزوين، خاصة في ضوء ماسبقت الإشارة إليه بأن دول هذه المنطقة الغنية بالغاز غير مؤهلة لتمويل الخط بسببالسيطرة الروسية عليها، وعقود احتكار الغاز طويلة الأمد بين موسكو وتلك الدول.

وبالفعل فقد تم التلويح بهذا الأمر في نوفمبر عام 2011،وفقاً لما أشارت إليه صحيفة الشرق القطرية في ذلك الوقت، بشأن وجود"تفكير" في إعادة إحياء خط الأنابيب "نابوكو" الذي يربط بينآسيا وأوروبا الغربية, مما يسمح بحصول دول في أوروبا الغربية على الغاز الطبيعي منقطر عبر ضخه في هذا الخط عبر المرور بمنطقة بحر قزوين، ودون الاعتماد علي الناقلاتبشكل أساسي في المستقبل.([14])

ولكن في واقع الأمر، يواجه هذا المشروع صعوباتاستراتيجية قد تحول دون إمكانية تنفيذه، يمكن إجمالها في النقطتين التاليتين:

(1)- موقف دول بحر قزوين الذي قد يرفض المشروع:

التقديرات الخاصة بمد خط لنقل الغاز القطري إلى أوروبا يمربمنطقة بحر قزوين، ربما تستند إلى محاولات سوف تُبذل لإغراء دول المنطقة بالتمردعلى روسيا، كوسيلة لاستقطاب عدد أكبر من هذه الدول وإغرائها للسماح بمرور الغازالقطري عبر أراضيها، وبما لا يضر في الوقت ذاته بعقود الاحتكار الروسي للغاز معتلك الدول.

ولكن في حقيقية الأمر، فإن هذه التقديرات الأولية تستندإلى فهم خاطيء لموقف دول بحر قزوين، التي من المتوقع - وفق أكثر التقديراتموضوعية- أن تكون عائقاً أمام أي محاولات لتصدير الغاز القطري إلى أوروبا عبر هذهالمنطقة، وهذا ما يمكن توضيحه بالنظر إلى اعتبارين رئيسيين:

§      الاعتبار الأول: يتعلق بأن الغالبية العظمى من دول آسيا الوسطى تدور في فلك روسيا،وتربطهم بهذه الدولة مصالح سياسية واقتصادية ليس لديهم استعداد للتضحية بها فيسبيل علاقات مع أوروبا البعيدة عنهم. أي أن الاعتبار الأول هنا يتعلق بأن روسيالها نفوذ سياسي واقتصادي كبير على دول بحر قزوين، وهو نفوذ يتجاوز بكثير مسألةعقود الغاز الاحتكارية طويلة الأمد، ويرقى إلى مسألة ارتباطات من الصعب أن تتخلىعنها دول بحر قزوين من أجل الدخول مع الدول الأوروبية في تفاهمات مشتركة. وهو مايضفي صعوبات أمام موافقة تلك الدول على نقل الغاز القطري عبر خطوط تمر بهذهالمنطقة، وليس أدل على النفوذ الروسي الواضح في دول هذه المنطقة، من أن تركمانستان– رابع دولة على مستوى العالم في احتياطات الغاز- أعلنت أنها - حتى مع وجود فائضفي الغاز بعد تلبية تعهداتها لروسيا والصين - لن تبيع الغاز لصالح خط أنابيبنابوكو، ومن الطبيعي في ضوء ذلك أن ترفض مرور غاز آخر عبر أراضيها إلى هذا الخط.([15])

§      الاعتبار الثاني:إذا كانت هناك دول في منطقة بحر قزوين لديها رغبة بالفعل في التخلص منالسيطرة الروسية، بالنظر إلى الشروط المجحفة التي يتعامل بها النظام الروسي مععقود الغاز، مما قد يغري بعض دول المنطقة للانتقال إلى الحلف الغربي في حال كانتالشروط أكثر اغراءاً ومردودية عليها، وقد يطال ذلك تحالفات حماية من حلف الناتوالذي سيعتبرها جزءاً من حدود وصايته الأمنية التي تمس أمن الطاقة الأوروبي، فإنمنطق المصلحة يؤكد أن حدوث تحول من هذا النوع لدى بعض دول منطقة بححر قزوين إذاتم، فلن يكون في صالح مشروع قطري منافس لدول المنطقة، وإنما سيكون لصالح تلك الدولالتي لديها احتياطات ضخمة من الغاز تمكنها من منافسة قطر بقوة في هذا المجال، إذانجحت في التخلص من السيطرة الروسية عليها، وهو ما يقود أيضاً إلى احتمالات قويةبشأن رفض هذه الدول مرور الغاز القطري عبر منطقة بحر قزوين.

(2)- الدور الروسي المباشر لعرقلة المشروع:

إذا كان روسيا سيكون لها دور غير مباشر في ممارسة ضغوطلوقف أي محاولات لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عن طريق منطقة بحر قزوين من خلالاستثمار نفوذها السياسي والاقتصادي في دول هذه المنطقة كما سبقت الإشارة، فإن ثمةدور آخر مباشر يمكن أن تمارسه روسيا في هذا السياق لعرقلة تلك المحاولات، يتمثل فيإثارة نزاع الملكية القانونية حول بحر قزوين، وهو في الحقيقة إحدى الآليات التياتبعتها روسيا في حرمان خط "نابوكو" من غاز دول بحر قزوين كممول للخطحتى الآن، ويمكن أن تلجأ إليه موسكو في عرقلة أي محاولات قطرية لنقل الغاز إلىأوروبا عبر هذه المنطقة.([16])

فعلى الرغم من سيطرة روسيا العسكرية على البحر بكامله،إلا أنها تدرك جيداً خطورة قيامها بأي تهديد عسكري قد يأتي بمردود سلبي علىالمستويين الإقليمي والدولي، ومن ثم ترى أنه من الأفضل ومن الذكاء اللجوء إلىالقانون الدولي، لإثارة خلاف قانوني دولي يستعصي على الحل بين الدول المطلة علىبحر قزوين، وهو خلاف يتعلق بماهية الصفة القانونية للمسطح المائي لبحر قزوين في ظلالقانون الدولي.

والفكرة الرئيسية هنا أن القانون الدولي بشكل عام يفرقبين الصفة القانونية للمسطح المائي في حالة إذا كان بحر أو إذا كان حوض أو بحيرة.ففي حالة لو كان بحراً، يتم تقاسم مياهه وثرواته حسب طول شواطئ الدول المحيطة به،وجرفها القاري... إلخ، وفي حالة إذا كان المسطح المائي حوضا أو بحيرة، فإن الوضعالقانوني للملكية يختلف، حيث يتم تقسم مياهه وثرواته بالتساوي بين الدول المحيطةبه.([17])

وتأسيساً على ذلك المبدأ، أثارت روسيا موضوع الصفةالقانونية لبحر قزوين وتبنَّت تعريف حوض قزوين على أنه بحيرة متجددة بمياه أنهارالفولجا. وبناء على ذلك، فالقانون الدولي يعطيها الحق بتقاسم مياهه وثرواتهبالتساوي بين الدول المحيطة به كما ينص القانون الدولي على ذلك.

هذا السلوك الروسي يجعل من المستحيل، ليس فقط إنشاء خطأنابيب غاز عبر حوض قزوين على غرار المشروع القطري، بل حتى يحول دون تطويرتركمانستان أو أذربيجان لأية حقول غاز على سواحل حوض قزوين في ظل هذا التعريف، إلىأن يتم الاعتراف به كبحر.

المسار الآخر الذي يمكن في سياقه أن يكون لقطر دور ما فينقل غازها إلى أوروبا عن طريق منطقة بحر قزوين، هو سيناريو الاعتماد على إيران كمصدر ممول لخط "نابوكو"بالغاز، بالنظر إلى امتلاكها احتياطيات غازية ونفطية هائلة حيث تمتلك ثاني أكبراحتياطي بعد روسيا.

فإيران وفق بعض التقديرات، تمثل المعبر المثالي لنقلالغاز التركماني إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الإيرانية الموجودة إلى تركيا ومندون إثارة النزاعات القانونية الدولية التي تثيرها روسيا حول بحر قزوين. وفيما إذاتم إدماج قطر في هذا المشروع، ستكون إيران الحلقة الواصلة بين ثالث ورابع أكبرالدول المنتجة للغاز في العالم، كما ستكون محطة لتصدير الغاز منها كثاني دولة ومنقطر كثالث دولة ومن تركمانستان كرابع أكبر الدول المنتجة للغاز في العالم.([18])

وقد تنظر إيران إلى هذا المشروع كوسيلة مثالية للدخول فيشراكة استراتيجية حقيقية مع أوروبا. وعلى الرغم من معارضة الولايات المتحدةاستعمال الغاز الإيراني في تمويل خط "نابوكو" على خلفية الموقف من أزمةالبرنامج النووي الإيراني، إلا أن المواقف السياسية قد تتبدل، في حال التوصل إلىتسوية نهائية للبرنامج النووي الإيراني في ضوء مفاوضات الحل النهائي الجارية بعدالتوصل إلى اتفاق مرحلي في نوفمبر الماضي 2013.

ولكن حتى هذا السيناريو تحيط به شكوك عديدة تقلل منالفرص المتاحة أمامقطر،بالنظر إلى الصعوبات العديدة التي تقف حائلاً دون التوصل إلى اتفاق نووي نهائي بينإيران والغرب. وحتى وفق تقديرات "أفضل" سينايو، والتي تشير إلى إمكانيةالتوصل إلى اتفاق من هذا النوع، فإنه من الصعب أن تضحي إيران بعلاقاتها مع روسيالصالح الدخول في هذا المشروع، في حين أن علاقاتها مع الغرب ستظل محل اختبار لفتراتطويلة.

خاتمة:

يتضح مما سبقأن جميع البدائل المتاحة أمام قطر لتصدير الغاز القطري إلى أوروبا، خاصةعن طريق تمويل خط "نابوكو" الاستراتيجي بالغاز، تحيط بها صعوبات وعقباتومتعددة، بعضها يتعلق بمجريات الأزمة السورية التي تحول دون تنفيذ المشروع القطريالتركي، وبعضها الآخر والأهم يتعلق بالنفوذ الروسي القوي في منطقة بحر قزوين،والذي يحول دون مرور الغاز القطري إلى أوروبا عبر هذه المنطقة.

كما يمكن الإشارة أيضاً إلى أن الدول الأوروبية علىالمدى الطويل سيكون لديها بديل آخر ربما يقلل من حماسها في إيجاد ممول لخط نابوكوسواء كان هذا الممول قطر أو دولة أخرى، هذا البديل هو الغاز الأمريكي. فقد تحدثت العديد من وسائل الإعلامالغربية خلال الفترة الأخيرة، عن أن الولايات المتحدة قد تكون هي البديل المفضللأوروبا لإمدادها بالغاز مستقبلاً، وليس دول في آسيا أو الشرق الأوسط. ويدعم منذلك بعض التطورات الأخيرة التي تسير في هذا الاتجاه.

ففي3 مارس 2014 عُقِد اجتماععاجل لمجموعة تنسيق شؤون الغاز داخل الاتحاد الأوروبي - والتي تشكلت بعد نزاعاتسابقة على الطاقة بين موسكو وأوكرانيا - لدراسة الإجراءات الطارئة "في حالحدوث تعطل كبير" بعد سيطرة روسيا على منطقة القرم في أوكرانيا. وفي 11 مارس2014، أعلن مفاوضو الاتحاد الأوروبي عن أنهم يحثون نظراءهم الأمريكيين علىالموافقة على إطار عمل للسماح بواردات من الغاز الطبيعي المسال إلي الاتحاد الأوروبيعبر اتفاقية تجارية ثنائية قيد النقاش حاليا بين الجانبين، لم تكن مسائل الطاقةمدرجة فيها.([19])

فيالاتجاه ذاته، وفي السابع من مارس 2014، أعلن وليام بيرنز نائب وزير الخارجيةالأمريكي أن "هناك مناقشات تجري على مستويات عليا داخل الحكومة الأمريكيةلبحث كيفية استخدام موارد البلاد من الغاز الطبيعي للتصدي للأزمة التي تشهدهاأوكرانيا"، إضافة ضغوط من جانب أعضاء في الكونجرس على الإدارة الأمريكيةللتعجيل بالموافقة على مشروعات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المُسال أوروبا.([20])

في ضوء ذلك، تشير العديد منالتقديرات إلى أن أوروبا ربما تفضلالبديل الأمريكي، خاصة في ظلاكتشافات ثورة الغاز الصخري، التي قد تدفع الأوروبيين نحو الاعتماد عليها، حتى لوتم تسوية الأزمة الأوكرانية سلمياً، باعتبار ذلك بديلاً مستقبلياً مهماً لأوروبا،للتخفيف من هاجس تكرار وقف الإمدادات الروسية، سواء في ظل مجريات الأزمةالأوكرانية الحالية، أو في أزمات أخرى مستقبلية.