و : ن

 
 
 
حي الأزهر"، وتحديدًا في منطقة الحسين، بدأنا البحث عن منزل نجيب محفوظ بين ثنايا الشوارع وطيات الأزقة الضيقة العامرة بسكان المنطقة والسياح، والعاملين بالمقاهي ومحلات "الأنتيكة"، المنطقة التي تأثر بها محفوظ في "بين القصرين"، و"قصر الشوق"، و"زقاق المدق"، وغيرها.

منزل الأديب الشهير مجهول تمامًا، معظم من في المنطقة لا يعرفون له "طريق جُرة"، فالجميع غالبًا ما يدلك على مقهى "نجيب محفوظ"، أو قهوة رأووه فيها ذات مرة، ولكن أين ذلك المنزل، لا أحد يعرف.

رجل في آواخر الستينات، صاحب "عربية فول"، يقف بداخل محل صغير في منطقة بين القصرين بشارع المعز، ظهرت ملامح الاستغراب على وجهه عند سماع اسم نجيب محفوظ، وردد "نجيب محفوظ!، ماعرفش مكانه، بس أنا أسمع إنه كان ساكن هنا"، الرجل الستيني هنا منذ سنوات عديدة، ولكن لم يعرف مكان منزل نجيب محفوظ، ولم يحظى بمقابلته يومًا ما، وبمجرد سماع اسمه، ذكر المقهى الذي يحمل اسمحه، فيوضح "أنا أعرف إنه كان بيقعد على قهوة نجيب محفوظ، اللي في خان الخليلي جوه، خش واسأل، وهتلاقي ألف من يدلك" ويشير بيديه إلى طريق الخان.

يتوقف شاب بسيارة "الجولف" المخصصة لنقل "المسنين" بداخل شارع المعز، أمام مجموعة السلطان قلاوون، تظهر ملامح التفكير والتدقيق على وجهه عند سماع السؤال المعهود "أين يقع منزل نجيب محفوظ؟"، ويجيب بالإجابة المعهودة من معظم الناس "لا أعلم"، ولكنه يقدم المساعدة بالإرشاد إلى مكان وكيفية الوصول لمقهى نجيب محفوظ، الذي يُشاع أن محفوظ كان دائمًا ما يجلس هناك.

باب خشبي، عليه بعض النقوش النحاسية، تقبع خلفه عدد من الطاولات والكراسي الخشبية لتستضيف الوافدين إلى المقهى، على الحائط عُلقت أربعة صور لمحفوظ، بالداخل ثلاث شباب من العاملين بالمقهى، تظهر الابتسامة الروتينية الدائمة على وجوههم، وسرعان ما تتغير هذه البسمة إلى حيرة واقتضاب عند سماع السؤال، وتأتي الإجابة التي لا تتغير، "لا أعلم"، ويضيف الشاب "هو كان بيقعد هنا، حتى في كام صورة الإدارة معلقاها"، ويشير بسبابته تجاه الحائط الذي يتشرف بحمل صور محفوظ، ولكن هذه المرة يضيف الشاب معلومة جديدة "سمعت مرة من راجل كبير في السن، إنه ساكن عند قسم الأزبكية.. اسأل هناك".

وتستمر رحلة البحث عند رجل كبير السن، يجلس على كرسيه أمام محل خرداوات في أحد الأزقة بخان الخليلي، على أمل أن يدلنا على الطريق، وبرغم التجاعيد التي تكسو وجهه، إلا إنه لا يخلو من ملامح الوسامة، وهو الشخص الوحيد من بين عشرات الأشخاص، الذي لا تتبدل ملامح وجهه عند سؤاله عن منزل طه حسين، فيجيب بكل هدوء "عند قسم الجمالية، روح هناك واسأل، وهتلاقي اللي يدلك".

على "ناصية" حارة قرمز، مساحة مربعة وأشجار مزروعة، تتراص العديد من سيارات الشرطة "البوكس" أمام مبنى قسم الشرطة، يتحرك بنشاط "قهوجي" ملبيًا طلبات زبائن المقهى دون كلل أو ملل.. ويرد عند توجيه السؤال المعهود إليه، "هما بيقولوا كان ساكن هنا، في الحارة دي، فين بالظبط بقى، المفروض مكان النخلة اللي جوه، جمب المخزن اللي فيه أجولة دا"، مشيرًا إلى مكان منزل نجيب محفوظ.

بهذه الحارة، يُقال أن نجيب محفوظ سَكن هناك لفترة، ولكن لا أحد من الذين يسكنون المنطقة متأكد من هذه المعلومة، فلا أحد يعلم أين هو تحديدًا، وتظل الإجابة واحدة "همّا بيقولوا كان ساكن هنا".