يمثل الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى، بقدراته المميزة فى التحليل السياسي والتعبير عن أفكاره، رقمًا مهمًا في تفسير العديد من الأمور المتشابكة على الساحة السياسية في مصر، وتناول في حواره لبرنامج "منتهى السياسة" الذى يقدمه الكاتب الصحفي محمود مسلم على قناة المحور، العديد من القضايا المهمة.
مستقبل مصر السياسي
قال الدكتور مصطفى الفقي ، إن الرئيس مبارك أخر شخصية تاريخية ستحكم مصر، وأن مبارك سيكون مرشح الحزب الوطني الديمقراطي لانتخابات الرئاسة 2011.
وأكد الفقي، أنه في حالة رفض الرئيس للترشح، فأن جمال مبارك سيكون الأكثر حظًا في ترشيح الحزب الوطني، لا سيما أنه رجل اقتصادي قدم إصلاحات كبيرة بالحزب، مضيفًا أنه لم يسمع قط من جمال مبارك أنه يريد أن يصبح رئيسًا للجمهورية.
وأوضح رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى، ان تعديل المادة 77 من الدستور سيكون بعد انتهاء حكم الرئيس مبارك، حتى يصبح هناك تداولاً للسلطة، وأن المادة 76 لا يمكن تعديلها في الوقت الحالي، خاصة مع اقتراب انتخابات مجلس الشعب والرئاسة.
البرادعي والرئاسة والإخوان
وحول رؤيته للدكتور محمد البرادعي وخلافه مع بعض أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، قال الفقي: إن البرادعى شخصية محترمة للغاية، وصاحب مكانة دولية كبيرة، ولكنه وقع على خريطة غامضة، مضيفًا أن البرادعي ظُلم بـمن وصفهم بـ"مطاريد الوزارة"، لأنهم يستغلون تاريخه واسمه في محاولة للظهور، بعد فشل مشروعاتهم الخاصة في التحقق، فمنهم من كان يتمنى أن يصبح وزيرًا ولكنه تعثر في تحقيق ذلك، فانضم لمعسكر المعارضة.

بينما أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى، أن البرادعي يهدف إلى تحريك المياه الراكدة في السياسة الداخلية المصرية، لافتًا إلى أن البرادعي معني بالشؤون الداخلية، وقال الفقي: إنه يتذكر أن البرادعي تأثر بزيارة بعض العشوائيات، وخاصة منطقة "اسطبل عنتر"، وانه عاد منها وهو فى حالة ألم شديد بسبب الفقر في مصر.
وأكد مصطفى الفقي، أن بعض المسؤولين فى مؤسسة الرئاسة عرضوا على البرادعى منصب وزارة الخارجية بعد عمرو موسى مباشرة، وكان فى "القائمة الصغيرة" التى تضم 3 أسماء، وأُبلغ أن الرئيس وضعه ضمن الـ3 أسماء التى سيختار منها منصب وزير الخارجية، وطلب معرفة رأيه لكنه اعتذر، وكان ذلك عام 2001.
وعن علاقة البرادعي بجماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد زيارته الأخيرة لهم، وتصريحاته بأن الجماعة أكبر حزب شرعي في مصر، أكد مصطفى الفقي، أن البرادعي أبعد ما يكون عن فكر الإخوان، لأنه يؤمن بفصل الدين عن السياسية، وبالدولة المدنية، وأفكاره أقرب إلى العلمانية، مشددًا أنه لا يوجد نقطة التقاء بينهما.
خلافي مع الإخوان فكري.. وندمان لدخولي انتخابات الشعب بدمنهور
وحول رؤيته للإخوان في انتخابات الشعب المقبلة، أوضح الفقي أنهم سيدخلون بأعداد كبيرة، ولكن فرصهم في الفوز بمقاعد في البرلمان ستكون قليلة، لا سيما أن الناس أصبحت اقل تعاطفًا معهم، وان الأصوات التي حصلوا عليها في الدورة البرلمانية السابقة ما هي إلا أصوات عقابية للحكومة ولا تمثل الوضع الحقيقي للشارع المصري، فشعبيتهم ليست حقيقية، وانهم صعدوا بعض الشيء بسبب فشل الآخرين.
وعن آداء الإخوان البرلماني، قال الفقي، إنه كان يمكن أن يكون أفضل، لولا استخدامهم للغة الصياح، واتخاذ مواقف غير مرتبطة بفكرة الوطن، ومرتبطة بمفهوم الأمة الاسلامية، وهذا حديث آخر، وكذلك رفضهم لكل ما تقدمه الحكومة بشكل مستمر.

وأكد مصطفى الفقي أن معاركه مع الإخوان لم تكن سياسية، بل هى قضية فكرية، وأنه ضد فكر الإخوان، ولكنه أوضح أنه مع حرية إبداء الرأي من خلال القنوات الشرعية، مشيرًا إلى أن تجربة الدخول فى سباق انتخابات الشعب عن دائرة دمنهور، جعلته يشعل بالندم لأن كان هناك تجريح في شخصه، إضافة إلى حديث عن التزوير بلا سبب، رغم صدور حكم من محكمة النقض بصحة الانتخابات، إلا أنهم يهتمون بالأحكام حين يريدون ويرفضوها حين يريدون - في إشار للإخوان-.
حكومة رجال الأعمال اثبتت فشلها
وفيما يتعلق بتقييمه لآداء الحكومة الحالية، اعتبر مصطفى الفقي، أن شيوع فكرة الوزير التكنوقراط أضرت بالجانب السياسي، في التعامل مع القضايا المهمة في الشارع المصري، مستشهدا بمشاكل الاعتصامات الأخيرة، والتي لم يفتح بها بابًا للحوار، واصفًا الحكومة الحالية بأنها غير مسيسة، وأن وزرائها لايهتمون بالرد على الرأي العام.
وأضاف الفقي أن تجربة رجال الاعمال لم تنجح، لافتًا إلى سياسة التقوقع التي يلجأ إليها بعض وزراء رجال الأعمال، وأنهم ليس سابق معرفة بعلاقة موظف الدولة بالمواطن، وأن هناك وزارء يتعاملون باستعلاء وعدم فهم الواقع.
واشار مصطفى الفقي، إلى المسافة الشاسعة بين صحف الحكومة وصحف المعارضة، مبديًا قلقه تجاه ذلك، ولكنه أوضح أن انتقاد الصحف للحكومة والنظام بشكل مبالغ فيه أمر يحسب لهذا النظام، وانه لم يكن هذا الأمر موجودًا من قبل.
عمرو موسى مستمر في الجامعة العربية
وأكد الفقي على مواصلة السيد عمرو موسى لعمله كأمين عام لجامعة الدول العربية، واصفًا إياه بأنه دبلوماسي نشيط، وله كاريزما وشعبية، مستبعدًا دخوله انتخابات الرئاسة المقبلة.
أزمة المحامين والقضاة والكنيسة
تصدرت العديد من القضايا المشهد الحالي في مصر، منهما قضية المحامين والقضاة، وقضية الكنيسة، التي رأى مصطفى الفقي أن هناك حالة من قوة الجذب الشديدة لافتعال المشكلات واختلاقها والإخراج السىء لها، مشيرًا إلى أن أزمة الزواج الثاني للمسيحيين ومشكلة الكنيسة مع القضاة ليس لها مبرر، أن يكون هناك كلمة للقضاء فى النص المقدس شىء غير محبب، لافتًا أنه لحسن الحظ أن هناك انقسام بين الاقباط الى مؤيدين ومعارضين في تلك القضية، لعدم فهمها في مجريات أخرى، مشيرًا إلى أن البابا شنودة سيتبع ما جاء فى تعاليم دينه.
أما بالنسبة لأزمة القضاة والمحامين، فوصفها بالأمر المزعج، لافتًا حسب رأيه أن جزء كبير من هذه المشكلة يرجع للزمالة الدراسية بكلية الحقوق، وانه عندما ينظر المحامى الى زميله ويجده وكيلا للنيابة وربما كان تقديره أعلى منه فيؤدي ذلك إلى قدر من اشتعال الغيرة الداخلية.
واستطرد قائلاً ان سبب استمرار الأزمة هو حالة الاحتقان العام والإحساس بالضيق والرغبة فى إسماع الصوت، موضحًا أن نقابة المحامين كانت تشهد مشكلات داخلية، وأن النقيب وبعض المعاونين وجدوا فى هذه المشكلة سبيل للخروج من الأزمة، وبالتالى حدث في الأزمة استخدام سياسي، لافتًا إلى أن الأزمة لم تنضج بعد لقبول وساطة العقلاء والحكماء من الطرفين.
مصر والقضايا الخارجية
وفيما يتعلق بالشأن المصري الخارجي، أوضح رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى، أن هناك محاولات لاستهداف مصر خارجيا، بهدف تحجيم دورها وتحديد حركتها وتقزيم مكانتها، فى محاولة لانتزاع القيادة من المركز إلى الاطراف، مؤكدًا أن ذلك لن يحدث لان الدور القيادي المصري ليس منحة من أحد، وإنما هو تاريخي صنتعه الجغرافيا وتراكم الحضارات والثقافات.
وفيما يتعلق بدول حوض النيل، أكد الفقي، أن إسرائيل تلعب دورًا في التوتر القائم الآن، لافتًا إلى أن القضية في الوقت الحالي استراتيجية وليست فنية، وأن الملف في أيدي الرئيس مبارك شخصيًا.
وبالنسبة لقضية حصار غزة، قال فقي، إنه مخطط إسرائيلى، لأن غزة تمثل 50 كيلو متر مربع يوجد بها مليون ونص قنبلة موقوتة، وتحكمها حركة حماس، وان الجانب الإسرائيلي يريد تصدير الأزمة لمصر، ويطرح حلول على حساب أراضى فى سيناء، ويهدف لافتعال الأزمات بين مصر والعالم العربي، وبين مصر والفلسطينيين.
وأكد الفقي، أن حماس تنفذ من حيث لا تشعر المخطط الاسرائيلي، وإنها تساعد على ضرب الوحدة الفلسطينية، مستنكرًا تصريحات محمود الزهار الأخيرة، ضد مصر، لافتًا إلى أن مصر تمثل القطب الأكبر فى القضية الفلسطنية، وليست إيران أو تركيا، مؤكدًا أن قضية غزة قضية مصرية بالدرجة الاولى.
وبالنسبة لدور قطر في الوقت الحالي، أشار إلى أن دور قطر يتنامى فى العالم كله وليس فى المنطقة فقط، بسبب إمكانياتها المادية الضخمة، ورغبتهم فى لعب دور سياسي، لافتًا إلى الدور القطري لا يتنامى على حساب الدور المصرى لأن المقارنة صعبة جدًا.
وعن تقييمه للرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد مرور عام على خطابه بجامعة القاهرة، أكد أن إنجازات أوباما ظهرت في الداخل مثل مشروع التأمين الصحي في الولايات المتحدة، والسيطرة على بقعة الزيت في خليج المكسيك، ولكنه فشل في قضايا وعد بها مثل إغلاق معتقل جوانتانموا، وإيقاف إنشاء المستوطنات، بخلاف فشله في السيطرة على مجريات الأمور في افغانستان.
واختتم الفقي، حواره، بقوله إن حلم الوزارة كان يراوده في فترة التسعينيات، وانه برأ من مرض التطلع - حسب وصفه -، وأنه كتب مقالا عند وصوله لسن 65 قام فيه بتعرية حقيقية لتاريخه وانتقد نفسه، واصفًا الوضع الحالي في مصر بمرحلة المخاض، التي يتمنى أن تخرج بصورة أفضل لمستقبل مصر، معتبرًا أن حصوله على جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية، أعلى جائزة فى الدولة، هى رسالة تكريم له.
الجدير بالذكر أن مصطفى الفقي تبرع بجزء من القيمة المادية لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وجزء آخر لمستشفى سرطان الأطفال.