ONA

يقف صندوق الاقتراع المصري والتطورات التي أدخلت عليه كشاهد على ما يقرب من مائة سنة من الانتخابات والمنافسات السياسية. وبدأت صناعة هذه الصناديق بالخشب وانتهت حاليا بصناديق البلاستيك الشفافة التي سيدلي فيها المصريون بأصواتهم في الاستفتاء على الدستور الجديد يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين. ويقول ناصر شعيشع، الأمين العام للمفوضية العليا للانتخابات بمصر، لجريدة «الشرق الأوسط»، إن فرز أصوات الناخبين من الصناديق سيجري داخل اللجان الفرعية قبل إبلاغها للجنة العليا للانتخابات.

ومر صندوق الاقتراع بالكثير من المحطات، شهد بعضها نزاهة في العملية التصويتية، وشهد بعضها الآخر تلاعبا في العملية برمتها، وفقا لما قررته المحاكم المصرية خلال نصف القرن الماضي على الأقل. ويقول اللواء رفعت قمصان، المدير السابق لإدارة الانتخابات بوزارة الداخلية، لـ«الشرق الأوسط»، إن صندوق الانتخاب المصري تغير على مر السنين ليأخذ أشكالا مختلفة من حيث شكله ولونه وطريقة حمله وغلقه.

ويتابع اللواء قمصان قائلا إن صندوق الانتخابات كان في بادئ الأمر خشبيا ذا لون بني غامق. ويضيف: «كان مثل هذا الصندوق يقفل برزة وقفل نحاسي، بجانب احتوائه على فتحة علوية كانت تقفل بشاش أبيض ويختم بالشمع الأحمر.. وكان يحمل بمقبضين من النحاس على جانبيه».

ولم تكن عملية فرز الصناديق قديما تجرى داخل لجان الاقتراع، ولكن كان يجري نقلها من هذه اللجان إلى مقار رئيسة للفرز. وتوجد الكثير من القصص والحكايات عن طرق اعتراض الصناديق من المنافسين في الانتخابات، والحيلولة دون وصول الصناديق التي يشتبه في احتوائها على أصوات لصالح الخصم، إلى مقار الفرز. وكان البعض يقوم بإلقاء صناديق الاقتراع بما فيها من بطاقات اقتراع في النيل.

وعلي مدى ما يقرب من مائة سنة، كان لصندوق الاقتراع دور في حياة المصريين. وشهدت مصر انتخابات كثيرة بدأت منذ عام 1924 واكتسحها حزب الوفد في ذلك الوقت. ومنذ أول انتخابات رئاسية في عام 1956، حمل الصندوق، ولو نظريا، مهمة تحديد اسم الحاكم الفعلي للدولة المصرية وإقرار دستورها.

وتشير دراسات حقب التاريخ المصري الحديث إلى أن مصر عرفت الصندوق الانتخابي كرمز للديمقراطية منذ أيام الملكية، في بداية النصف الأول من القرن الماضي. وانتخبت أحزابها ومجلس نوابها وحكومتها من خلاله، ولكن بشكل مختلف عن الشكل الحالي.

وظل شكل صناديق الاقتراع الخشبية مستمرا في الانتخابات المصرية إلى عام 2005 حين جرى تزويدها بجدران شفافة، ومن بعد ثورة 25 يناير تغيرت من صناديق خشبية إلى صناديق بلاستيكية شفاف تقوم بتصنيعها إحدى الشركات العالمية المتخصصة في إنتاج مستلزمات الأدوات الانتخابية داخل مصر، كما يقول قمصان.

ويضيف المدير السابق لإدارة الانتخابات بوزارة الداخلية أن الصناديق البلاستيكية هي التي تستعمل حتى الآن في عمليات الاقتراع، حيث تغلق بأقفال بلاستيكية ذات أرقام كودية لا يمكن فتحها إلا بإتلاف الصندوق بالكامل.

ويتابع اللواء قمصان قائلا إن التصويت الانتخابي تطور في معظم دول العالم الآن بفضل الثورة التكنولوجية الحديثة من خلال ما يعرف بالتصويت الإلكتروني، مشيرا في ذلك إلى التجربة الهندية التي أوضح أنها من أولى الدول التي تطبق آليات الانتخابات الإلكترونية. وسعت مصر لنقل التجربة الهندية في الانتخابات من خلال فتح باب التعاون مع خبراء لجنة الانتخابات الهندية، خاصة بعد ثورة يناير 2011. وتقول المفوضية العليا للانتخابات إنها تبحث إمكانية الاستغناء عن الصندوق مستقبلا وإدخال نظام التصويت الإلكتروني بديلا عنه.

ويبلغ عدد صناديق الانتخابات في الاستفتاء الذي سيجري يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين 30 ألف صندوق، بحسب اللجنة العليا للانتخابات، رغم أن البعض كان يعتقد أنه يمكن أن تكون مصر قد بدأت الأخذ بنظام التصويت الإلكتروني. وتقول ميرفت السنباطي، المديرة باللجنة العليا للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا يوجد تصويت إلكتروني يطبق على عملية الاستفتاء هذا العام»، مشيرة إلى أن «هذا الاقتراح قتل بحثا». وتضيف السنباطي، وهي مسؤولة التواصل مع المصريين بالخارج بشأن التصويت في الانتخابات، أن المتاح الآن هو التسجيل الإلكتروني للمصريين في الخارج عبر الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات.