عشت الأسبوع الماضى بين محافظات قنا والأقصر بين ندوات عن مسودة الدستور مع الباحث البارز ونائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام د. عمرو هاشم ربيع، ومحاولات لاستطلاع الرأى حول مسودة الدستور، وتفقد لأحوال الناس والعباد، ولأن الصعيد هو مفتاح اللغز.. «والباسورد» لفهم وإدراك الاحتياطى الاستراتيجى للجماعات الإرهابية، فقد ركزت طوال رحلتى بحثا عن ذلك بعيدا عن «شوشرة» مفكرى التوك شو، وأهل الفضائيات، وللدخول فى الموضوع لابد من العودة إلى التنظيم الأم للأرهاب فى الصعيد، تنظيم الجماعة الإسلامية.

من رحم الإخوان يولد الإرهاب:
نشأت الجماعة الإسلامية لإقامة الدولة الإسلامية فى أوائل سبعينيات القرن الماضى، وكانت دعوية، تهدف إلى إعلاء شأن الإسلام وإقامة الدولة الإسلامية، وكان أغلب أعضاء الجماعة ناقمين على الإخوان المسلمين، ومنهم من كان حركيا فى الإخوان وخرج مثل أبوالعلا ماضى رئيس حزب الوسط والسجين حاليا، وعصام سلطان، ومحيى الدين أحمد عيسى، وآخرين، وكان شباب الجماعة ينظرون إلى الإخوان فى سبعينيات القرن الماضى على أنهم عملاء للسلطة!! ولرغبة الجماعة للتمايز عن الإخوان، سرعان ما تحولت إلى جماعة جهادية، واستخدمت الجماعة العنف فى مصر ضد رموز السلطة وقوات الشرطة طوال فترة الثمانينيات، وفترات والتسعينيات، والعدم اللبس.. هناك فرق بين الجماعة الإسلامية المذكورة والجماعة الإسلامية التى تشكلت فى السبعينيات فى الجامعات المصرية، حيث إن الجماعة الإسلامية التى تشكلت فى الجامعات تأسست على فكر الإخوان المسلمون لذا انضم أفرادها للإخوان فور إطلاق سراحهم من السجون فى عهد الرئيس أنور السادات وكان منهم د. عبدالمنعم أبوالفتوح ود. عصام العريان.

من جماعة لجماعة يا قلبى لا تحزن:
نشأت الجماعة الإسلامية فى الجامعات المصرية فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى على شكل جمعيات دينية، لتقوم ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة فى محيط الطلاب، ونمت هذه الجماعة الدينية داخل الكليات الجامعية، واتسعت قاعدتها، فاجتمع بعض من القائمين على هذا النشاط، واتخذوا اسم «الجماعة الإسلامية»، ووضعوا لها بناء تنظيميا يبدأ من داخل كل كلية من حيث وجود مجلس للشورى على رأسه «أمير» وينتهى بـ«مجلس شورى الجماعات» وعلى رأسه «الأمير العام» «الجماعة الإسلامية»، وكان للجماعة العديد من المواقف السياسية مثل موقفها المعادى لمعاهدة كامب ديفيد، ورفض زيارة الشاه ولجوءه لمصر، فأقامت المؤتمرات والمظاهرات، ووزعت المنشورات خارج أسوار الجامعة للتنديد بذلك والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية مما أدى إلى تدخل الحكومة فى سياسات الاتحادات الطلابية، فأصدرت لائحة جديدة لاتحادات الطلاب تعرف بلائحة 1979م التى قيدت الحركة الطلابية، وازداد الضغط الإعلامى والأمنى على قيادات الجماعة واشتدت مطاردتهم فى جامعات المنيا وأسيوط بوجه خاص، حيث تم اعتقال بعض قيادتهم وفصلهم من الجامعة، ومن أبرز قيادات الجماعة الإسلامية: أحمد عبدالرشيد عباس الأمير الحالى، عمر عبدالرحمن أمير عام الجماعة الذى يقضى عقوبة السجن المؤبد فى الولايات المتحدة الأمريكية، كرم زهدى الأمير السابق للجماعة، أسامة حافظ عضو مجلس شورى وعضو مؤسس لها، حمدى عبدالرحمن عضو مجلس شورى سابق وعضو مؤسس لها، ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى وعضو مؤسس لها، علاء عبدالكريم أمير الجماعة السابق بأسيوط وعضو مؤسس لها، فؤاد الدواليبى عضو مجلس شورى سابق، عصام دربالة أمير الجماعـة حاليا، على الشريف عضو مجلس شورى سابق، صفوت عبدالغنى عضو مجلس شورى ورئيس حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة، على الدينارى عضو مجلس شورى، عبود الزمر عضو مجلس شورى، طارق الزمر عضو مجلس شورى والمتحدث الرسمى لها، عبدالآخر حماد مفتى الجماعة، طلعت فؤاد عضو مجلس شورى سابق، وتم تسلمه لمصر من كرواتيا وأعدم فى مصر بشكل سرى، خالد الإسلامبولى قاتل الرئيس السادات، وتبلغ نسبة الصعايدة فى القيادة أكثر من %90 أغلبهم من محافظات وسط الصعيد و%75 منهم من الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى، ووفق دراسات مركز ابن خلدون فإن هؤلاء الشباب «أغلبهم حينما تولوا القيادة كانوا دون الثلاثين»، انضموا فى صفوف الجماعة بعد أن لم يجدوا مكانة فى السلم الحكومى أو الطبقى، وحينذاك كان %95 منهم عاطلين رغم أن %80 حاصلون على مؤهلات عليا.

فى البدء كان الإرهاب:
فى 6 أكتوبر 1981 اغتالت الجماعة الرئيس المصرى أنور السادات، حيث قام الجناح العسكرى للجماعة بقيادة الملازم أول خالد الإسلامبولى وبصحبة زملائه عبدالحميد عبدالسلام الضابط السابق بالجيش المصرى والرقيب متطوع القناص حسين عباس محمد، والذى أطلق الرصاصة الأولى القاتلة والملازم أول احتياط عطا طايل حميدة رحيل بقتل الرئيس أنور السادات أثناء احتفالات مصر بانتصارات أكتوبر فيما عرف بحادث المنصة، وقد حاولت الجماعة بعدها بقيادة الإرهابى عاصم عبدالماجد تنفيذ خطة تستهدف إثارة القلاقل والفوضى فى صعيد مصر، ورغم قتل وجرح المئات فى محافظة أسيوط فإن المخطط فشل.

جماعة استهدفت إسقاط الدولة:
طوال الفترة من 1972-1995، كانت بداية العنف المستتر فى أحداث الخانكة 1972، وامتدت حتى 1976، ثم انتقل مسلسل العنف 1977-1981، إلى المواجهة المسلحة والإيذاء البدنى للأقباط مثل حادث مقتل القس غبريال عبدالمتجلى كاهن كنيسة الملاك غبريال بقرية التوفيقية بمدينة سمالوط بالمنيا 1978، تلك المرحلة التى انتهت بمقتل الرئيس السادات فى 6 أكتوبر 1981، وغلب على العنف الدينى 72-1981 مظاهر العنف الطائفى المضاد للأقباط، حيث بلغت نسبة العنف الموجه ضد الأقباط فى هذه المرحلة %68 من إجمالى عنف الجماعات المتطرفة، ومن عصر السادات إلى عصر مبارك، وعاد العنف من جديد منذ 1986 فى تطور مطرد، وتجاوز شكله الطائفى الموجه للأقباط وتعددت أوجه العنف من قبل المتطرفين، وطالت رموزا للدولة ذاتها مثل مقتل رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب أكتوبر 1990 وجرت محاولات اغتيال لوزراء داخلية سابقين حسن أبوباشا مايو 1987 وزكى بدر ديسمبر 1989، والنبوى إسماعيل أغسطس 1989، ووزير الإعلام صفوت الشريف 1993، ووزير الداخلية الأسبق اللواء حسن الألفى 1993، ونجاته من الحادث ومقتل وإصابة عشرة مواطنين، وصولا إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقى 25-11-1993، ومحاولة اغتيال الرئيس مبارك فى أديس أبابا فى 20-6-1995.
وطالت رصاصات الإرهاب كتابا مدنيين مثل محاولة اغتيال مكرم محمد أحمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور ونقيب الصحفيين الأسبق فى أغسطس 1987، واستشهاد المفكر د. فرج فودة 1992 بلغت أحداث العنف فى الفترة 1972-1993، «805» حوادث بلغت نسبة حوادث العنف الطائفى الموجه ضد الأقباط %30 منها تقريبا، وكانت نسبة حوادث العنف الموجهة ضد رجال الأمن %51 وما تبقى كان ضد السياحة والمدنيين العزل، وبلغت نسبة الطلاب من مرتكبى العنف %47 والخريجين %22 ليشكل الشباب %69 من مرتكبى هذه الحوادث.. ولم يحرك أحد حتى الآن ساكنا لعلاج الظاهرة جذريا.

مذبحة الدير البحرى والمراجعات:
فى 17-11-1997، قام تنظيم الجماعة الإسلامية بارتكاب مذبحة الدير البحرى بالأقصر، تلك المذبحة التى غيرت تاريخ الجماعة ومصر وربما العالم، حيث تم إقصاء وزير الداخلية الأسبق حسن الألفى، ومساعده لشؤون الإعلام الراحل اللواء رؤوف المناوى، وتولى اللواء حبيب العادلى وزارة الداخلية، وكيف استطاع العادلى أن يجهز على الإرهاب عبر ما يراه الدكتور عبدالرحيم على بصفقة «انظر كتاب عبدالرحيم على/المخاطرة فى صفقة الحكومة وجماعات العنف - دار ميريت للنشر القاهرة 2000» وفى ذلك الكتاب كشف عبدالرحيم على الصفقة التى تمت بين الجماعة والعادلى، والتى تسمح للجماعة بالخروج من السجون مقابل وقف العنف والسفر لمن يريد خارج البلاد، ويؤكد عبدالرحيم على فى كتابه أن الجماعة تحالفت مع جماعات إرهابية أخرى وشكلت تنظيم موحد باسم «التنظيم الدولى لمحاربة اليه ود والنصارى» الذى تحول إلى تنظيم القاعدة فيما بعد، ووصف عبدالرحيم على فى كتابه النبؤة الصفقة بـ«المخاطرة»، وقد كان!!

الشاطر يمنح قبلة الدم للجماعة:
ومع وصول الإخوان للحكم التقط الشاطر «شهوة الدم لدى بعض انتهازيى الجماعة»، وأحدث انقلابا تنظيميا تكلف خمسين مليون جنيه، وعاد للعنف عاصم عبدالماجد، وتحالف معه جناح آل الزمر، وتم تهميش وطرد المراجعين الحقيقيين مثل كرم زهدى وناجح إبراهيم، وقام عبدالماجد بالعودة للجذور قرى جنوب المنيا وحى أبوهلال، وتم تجنيد وتجديد الجماعة الإرهابية، وخطط مع آخرين للعنف والإرهاب الذى أدى إلى حرق الكنائس وممتلكات الأقباط بعد فض الاعتصامات الإرهابية فى رابعة والنهضة، وكان من قبل قد تولى الإمداد البشرى من قرى المنيا للنهضة ورابعة، وفق دراسات ابن خلدون الوافدين من بنى سويف والمنيا وأسيوط إلى الاعتصامات أكثر من %60، نصفهم من المنيا، ولكن فى ظروف غامضة هرب عبدالماجد بمساعدة بعض أفراد الطابور الخامس فى الشرطة، وكمنت عناصر التنظيم فى وسط الصعيد، وتتظاهر الجماعة بما قيل من استقالة عاصم عبدالماجد فى صفقة تبدو المخاطرة فيها أكثر مما حدثت وفضحها عبدالرحيم على من قبل!!

لا للإرهاب تعنى نعم للدستور:
كل تلك الذكريات، والأحداث الدامية دارت بذهنى وأنا أقدم د. عمرو هاشم ربيع فى الأقصر، على بعد كيلومترات من الدير البحرى، فى القاعة كان هناك كل المعتصمين أمام محافظة الأقصر لمنع المحافظ الإرهابى عادل الخياط من دخول المحافظة، تعددت الأسئلة بين تأييد ونقد للدستور، ولكنهم جميعا كانوا مع التصويت بـ«نعم»، شباب جمعية «أنا مصرى» التى نظمت الندوة كانوا يتبادلون الدعوة للحشد للدستور ويقولون نعم للدستور تعنى لا للإرهاب.
من الأقصر إلى قنا، النساء الصعيديات اللاتى احتشدن فى جنبات القاعة ذكرننى بموقفهن فى تحدى دستور 2012، حيث قالت إحداهن: «لقد سهرنا أمام اللجان حتى استطعنا التصويت ضد دستور الإخوان»، لذلك كانت أغلب ملاحظات هؤلاء النسوة الأبطال مركزة على مواد المرأة والمواد التى تخص الحريات، موقف هؤلاء النسوة ضد دستور الإخوان «كما يصفونه» بجانب موقف شباب الأقصر من المحافظ الإرهابى عادل الخياط، إضافة إلى ملحوظة فى منتهى الأهمية، أن المحافظتين لا يوجد بهما مطلقا أى شعارات ضد القوات المسلحة أو رمزها الأبطال، فى الأقصر وقنا يراهنون على أن نعم للدستور لابد أن تزيد عن %80 ونسبة المشاركة يجب ألا تقل عن %60، ولذلك يطالبون بألا تزيد أعداد الصندوق عن ألف ناخب، وفى المحافظتين يعتبرون أن استحقاق الدستور مشروع قومى، ويطالبون بالانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، لأنهم يرون أن الانتخابات البرلمانية سوف تزيد من التفتت والفرقة بين الناس، ولذلك يجب تأجيلها حتى يتعافى المجتمع، ولا يفترض أهل الصعيد أى افتراض بأن الفريق أول عبدالفتاح السيسى لن يخوض الانتخابات، وينتظرون من يوم لآخر أن يعلن عن ترشحه.