في تمام الساعة الثانية و22 دقيقة بعد منتصف الليل، غادر حاييم ورفقة (أسماء حركية) إحدى الوحدات السكنية السريّة في ضاحية "مانوسي" في ولاية نيويورك الأميركية، وتشير المعطيات الموثقة إلى أنهما ينتميان إلى أكبر وأشهر المدارس اليهودية المتشددة في الولايات المتحدة، ويعرف الجميع عنهما أنهما مثال للالتزام الديني، الذي يصل لدرجة التطرف، لكن الحقيقة أثبتت غير ذلك، إذ يقيم حاييم "المتزوج" علاقة عاطفية غير شرعية مع رفقة منذ عدة أشهر، ولم يكتشفا أن تحركاتهما مرصودة منذ فترة من قبل عدد ليس بالقليل من اليهود المتشددين، المكلفين بتلك المهمة بالتعاون مع اكبر المُخبرين اليهود في الولايات المتحدة المعروف بـ "جو لوين".

شكوى من زوجة تشعر بخيانة زوجها

وبحسب تقرير مطول نشرته مجلة "والاّ" العبرية، يؤكد لوين، انه كان تلقى شكوى من زوجة حاييم، أكدت فيها شكوكها بسلوك زوجها، وأنها تشعر بخيانته لها منذ فترة ليست بالقليلة، لكنها لا تستطيع إثبات ذلك، فقرر المُخبر الأميركي اليهودي تقفي أثر حاييم، للوقوف على صحة شكوك زوجته من عدمه، ويضيف: "من خلال عمليات التعقُب، اكتشفنا أن حاييم يقيم علاقة عاطفية غير قانونية مع صديقته رفقة، التي تنتمي لنفس طائفته الدينية اليهودية".

ويؤكد المُخبر اليهودي لوين، انه في عشية اليوم ذاته، راقب خطوات رفقة وحاييم، ولاحظ أنهما أوقفا سيارتيهما بجوار أحد العقارات في تمام الساعة الثامنة و22 دقيقة مساءً، وصعدا معاً إلى إحدى الوحدات السكنية في العقار، وكان في انتظارهما في الخارج المُخبر جو ليون ومساعده "زيلي سوروتسكين"، اللذان سئما من الانتظار لساعات طويلة أمام العقار، إلا انه في تمام الساعة الثانية و22 دقيقة بعد منتصف الليل، رصدا خروج حاييم ورفقة من العقار، وبعد استقلالها سيارتها قامت بتنسيق ملابسها، ووضعت بعض المساحيق على وجهها، ثم انطلقت بسيارتها، وأعقبها الزوج اليهودي الخائن حاييم. والمح ليون إلى أن الصور التي بحوزته تعطي زوجة حاييم الحق في الطلاق.

وفي حديثه لمجلة "والاّ" العبرية، أكد لوين أن قائمة الجرائم التي يرتكبها اليهود المتشددون "الحريديم" في الولايات المتحدة، تفوق أي وصف وكل خيال، مشيراً إلى أن القائمة تبدأ بغسيل الأموال، الخيانة الزوجية، اغتصاب الأطفال، وصولاً إلى تجارة المخدرات وتعاطيها، رغم ذلك يقول: "أكثر الوقائع التي سجّلتها بالصوت والصورة لجرائم اليهود المتشددين دينياً في الولايات المتحدة، كانت الخيانة الزوجية، والجرائم الجنسية، إذ أن تلك الجرائم هي الأكثر انتشاراً بين أوساط اليهود المتشددين، وسمعت خلال السنوات القليلة الماضية عن جرائم من هذا النوع تقشعر لها الأبدان، ما يشي بأن تباهي اليهود بأنهم الأكثر التزاماً دون غيرهم من سائر الأمم، بات قاعدة تستحق إعادة النظر".

أول مكتب في العالم لكشف جرائم "الحريديم"

منذ ما يربو على 15 عاماً، أصبح جو لوين صاحب أول مكتب للتحقيق وتعقب أثر الجريمة في حياة اليهود المتشددين "الارثوذوكس" على مستوى العالم، إذ يعكف ومساعديه على البحث وجمع المعلومات عن أية ظاهرة داخل الأوساط اليهودية المتشددة، لكنه بحسب مجلة "والاّ" العبرية، لا يمارس هذا النشاط كثيراً في إسرائيل، وإنما يقتصر معظم عمله في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.

ويستعين لوين بعدد ليس بالقليل من المعاونين، الذين يخلع عليهم لقب "العيون"، فينطلق هؤلاء اليوم تلو الآخر ويطوفون الأحياء اليهودية من دون الكشف عن هويتهم، ويتبادلون أحاديث النميمة مع قرنائهم من اليهود، ولا يعودون لمكتب جو لوين، إلا بحصيلة من المعلومات التي تقود للكشف عن فريسة جديدة من المتظاهرين بالتدين، وحقيقتهم مغايرة لذلك تماماً.

ولا يقتصر نشاط عملاء وربما جواسيس مكتب لوين على الولايات المتحدة فقط، وإنما يطوفون العالم لجمع معلومات وسلوكيات عن مجتمعات اليهود المتشددين، وذلك في مقابل مادي يزيد عن مائة دولار في الساعة الواحدة لكل مُخبر.

فيتعقب العميل خطوات يهودي متشدد تدور حوله شبهة الخيانة الزوجية، وسرعان ما تقوده خطواته إلى ملهى ليلي أو بيت للدعارة. كما يتتبع المُخبر السري خطوات شاب يدرس في إحدى المدارس اليهودية الأرثوذكسية، بينما يتاجر إلى جانب ذلك في المخدرات أو يتعاطاها. ولا يسلم الأحبار والحاخامات مُطلقو اللُحى الكثّة من عمليات المراقبة، حينما يتم اكتشاف ارتياد هؤلاء للملاهي الليلية، أو اصطياد فريسة لقضاء ليلة ساخنة في أحضانها.

إقامة الدليل على الجريمة في الأوساط اليهودية

وفي هذا السياق يؤكد لوين انه لا يختار مساعديه من وحدات عسكرية في الجيش الإسرائيلي ولا حتى الأميركي، لكنه ينحدر في أصوله التعليمية من مدارس للمتشددين اليهود، لذلك يمكنه هو وعملاؤه الوصول إلى أماكن لا يستطيع الوصول إليها غيرهم.

ويطلق لوين على مكتب التحقيقات والتحرّي الذي يقوم عليه اسم "تي. أو. تي"، وهو اختصار يعني بلهجة "اليديش"، وهى خليط من اللغتين الألمانية والعبرية "السر على الطاولة"، أو بعبارة أخرى بحسب لوين: "إن المكتب معني بإقامة الدليل على الجريمة لكل من يبحث عنه في الأوساط اليهودية المتشددة".

وفي هذه الأثناء يمتلك المُحقق اليهودي الأميركي لوين مادة لأخطر ظاهرة في شوارع المجتمعات اليهودية المتشددة دينياً، وهي عبارة عن تسجيل صوتي لإحدى زوجات الحاخامات اليهود المتشددين في الولايات المتحدة، وتعترف فيه بأن زوجها الذي يلقى تبجيلاً وتقديراً لدى الأوساط اليهودية، اعتاد اغتصاب الصبية صغار السن في حجرة نومهما الخاصة.

ويرى لوين إن التسجيل الصوتي الذي بين يديه يساوي ملايين الدولارات، إذا عرضه للبيع على إحدى الطوائف اليهودية، المنافسة لطائفة الحاخام الذي يعتدي على الأطفال جنسياً، وأضاف مازحاً: "إن التسجيل الصوتي عينه يساوي أيضاً رصاصة في رأسي ورأس زوجة الحاخام إذا انكشف أمره".

ويقول المحقق اليهودي لوين، انه لا يرغب في تشويه سمعة الأوساط اليهودية المتشددة، لكنه في الوقت عينه لا يريد السماح بتفشي الجريمة حال السكوت عليها، وأضاف: "قلبي يتمزق على الأطفال الذين يغتصبهم الحاخام المنحرف، وإزاء ذلك لا بد من البحث عن آلية لكشف أمره، أو تهديده على الأقل للتراجع عن فعلته الشائنة.

إمكانيات خاصة تفوق الشرطة والأجهزة الأمنية

ولكونه هو الآخر يهوديا متشددا، يعترف لوين بأنه يتميز بذلك عن رجال الشرطة والأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة، الذين يديرون بعد تقاعدهم عن الخدمة مكاتب تشبه مكتبه، إذ يتمكن هو ومساعدوه اليهود المتشددون من التوغل في جميع الأحياء اليهودية من دون الارتياب في نشاطهم أو كشف هويتهم.

ويؤكد لوين: "لم أشجع أحداً على ارتكاب أية جريمة، حتى يتسنى لي كشف نشاطه أو إقامة الدليل على جريمته، فعملي ينتهي أنا وطاقمي حينما نجمع الأدلة الموثقة على جريمة بعينها، سواء كانت خيانة زوجية أو تعاطي مخدرات أو الاتجار فيها".

وتمكّن المُخبر اليهودي الأميركي من إمداد الأجهزة المعنية في الولايات المتحدة بالعديد من الأدلة في مختلف القضايا، التي شغلت الرأي العام، وزاد نشاطه في هذا الصدد خلال العامين 2008 و2010، ولكونه يهوديا أرثوذوكسيا يحق للمخبر لوين الإدلاء بشهادته في المحاكم التابعة لليهود المتشددين، التي تنظر في قضايا خاصة مثل الطلاق ونزاع العمل، لاسيما ما يتعلق منه بعالم رجال الأعمال اليهود المتشددين.

خدمات خاصة جداً لليهود المقبلين على الزواج

إلى ذلك، يقدم مكتب المُخبر لوين خدمة خاصة ينفرد بها، وهي إجراء تحريات تفصيلية وبالغة التعقيد عن الشاب أو الفتاة اليهودية المقبلين على الزواج، وعن ذلك يقول لوين: "فترة الخطوبة التي يلتمس فيها الشاب اليهودي الزواج، تتميز بالضبابية، ومن الضروري تأكد كل طرف من سلوكيات وأخلاقيات الآخر، وكثيراً ما يتوافد علينا الشباب من الجنسين، رغبة في تقصي سلوكيات زوج أو زوجة المستقبل، ويتم ذلك في سرية تامة من دون أن يكتشف أي من الشاب والفتاة عمليات التحري التي نقوم بها".

وفي نهاية حديثه يؤكد لوين: "استيقظ من نومي كل صباح، وأصلي لربي، وادعوه ألا تقع عيني على مرتكبي الخطايا، إلا انه عندما اكتشف عكس ذلك، يزيدني الأمر إصراراً على مواصلة النشاط الذي أقوم به أنا وطاقم العمل".