تطورات الأحداث فى مصر واحتمالات تزايد التوتر والمصادمات لفتت انتباه واشنطن ووسائل الإعلام الأمريكية فى الأيام الأخيرة، وكما جرت العادة، قالت الخارجية الأمريكية تعليقا على مصادمات الجمعة: «مثلما نفعل دائما، ندين كل أعمال العنف والتحريض عليه. ونقول أيضا إن الحكومة المصرية لديها مسؤولية حماية كل المصريين وخلق مناخ يدعم عملية الانتقال السياسى التى تكون سلمية وشاملة للكل، ولديها أقصى درجات المشاركة من جانب الشعب المصرى».

ولم تكتف مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية بهذا التعليق، بل قالت أيضا: «إن المتظاهرين أيضا لديهم مسؤولية التظاهر سلميا وعدم التحريض على العنف واللجوء إليه». كما أن هارف كانت حريصة على أن تقول فى تصريحاتها للصحفيين: «نحن لا نستطيع أن ندفع المصريين لفعل أى شىء، إنها بلدهم وإنه مستقبلهم».

صحيفة «نيويورك تايمز» من خلال مراسلها فى القاهرة ديفيد كير كباتريك نشرت تقريرا عن المصادمات التى شهدتها مصر يوم الجمعة، وكيف أن ما حدث قد يعد «تسخينا» استعدادا للمظاهرات التى دعا إليها الإخوان وأنصارهم ضد العسكر وأصحاب السلطة فى مصر. وأشار التقرير أيضا إلى مقتل ستة وطعن الناشط الليبرالى خالد داوود. وقالت الصحيفة إن الحكومة المؤقتة تجاهد من أجل إحكام سيطرتها على الشوارع فى حين تسعى المعارضة الإسلامية إلى إعادة تفعيل حركتها الرافضة للحكم القائم. وتناولت الصحيفة ميدان التحرير كميدان للتنافس والتصادم وصراع القوى، وتساءلت: هل ستنجح الحكومة فى تحقيق الاستقرار؟

ولم تحسم بعد إدارة أوباما أمرها بخصوص المساعدات العسكرية لمصر، وما زالت تقوم بعملية مراجعة وتقييم شاملة للعلاقات مع مصر. وما قاله الرئيس أوباما بخصوص مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هو آخر كلام رسمى صادر من الإدارة، ولم تتخذ أى مواقف أو قرارات فى الأيام الأخيرة. وما نشر من تقارير وتسريبات وانفرادات عن هذه الأمور فى الأسبوع الأخير مجرد «اجتهادات» و«تكهنات» أو «فبركات» إعلامية، حيث كانت الخارجية الأمريكية قد ذكرت علنًا منذ أيام قليلة أن عدم اعتماد الميزانية يؤدى إلى عدم وجود أموال مخصصة ومعتمدة لتمويل عملية حفظ السلام فى سيناء، كما أن الخارجية الأمريكية ذكرت أيضا أن 584 مليونا من الدولارات المتبقية من المساعدات العسكرية لمصر قد تم نقلها إلى حساب فيدرالى أمريكى خاص بمصر فى نيويورك قبل نهاية السنة المالية فى 30 سبتمبر. وأن هذا المبلغ لم يمنح لمصر وإنما بقى مرهونا بقرار تتخذه واشنطن بشأنه فى ما بعد.

وفى ما يخص الأحداث الأخيرة والأوضاع فى مصر، قالت المتحدثة باسم الخارجية: «أعتقد أننا ما زلنا ننظر تحديدا فى الحقائق وماذا حدث، قد يكون لنا تعليق عليها فى نهاية الأسبوع أو الأسبوع القادم. إلا أننى مرة أخرى أقول إننا نتابع عن كثب الوضع، وبينما نقوم بتحديد الحقائق ربما قد يكون لدينا فى ما بعد تعليق إضافى».

وردا على سؤال يتعلق بالمواجهة القائمة فى مصر ومستقبل العملية السياسية، قالت هارف: «أعتقد أننا كنا واضحين بأن هناك طريقا طويلا لقطعه فى هذه العملية، وعندما كانت هناك أمثلة محددة لاعتقالات بسبب دوافع سياسية أو استخدام مفرط للقوة فإن الوزير (كيرى) تحدث عنها. والرئيس تحدث عنها. لذلك أعتقد أننا كنا واضحين جدا بأن هذا هو الهدف، وأن هناك خطوات عديدة يجب أن تؤخذ حتى نصل إلى ذاك الهدف. إلا أننا لاحظنا أيضا أن هناك خطوات تم اتخاذها وأنها كانت جيدة وكانت تسير فى الاتجاه الصحيح. ولكن بصراحة تامة هناك الكثير من الجهد الذى يجب أن يبذل من كلا الطرفين من أجل الدفع بعمليةٍ لا إقصاء فيها».

كما أن المتحدثة باسم الخارجية وهى ترد على الأسئلة ركزت على مسؤولية السلطة المصرية وإفراطها فى استخدام العنف وأيضا فى إقصاء الإخوان قالت: «حسنا، أعتقد أن هناك أمرين نتحدث عنهما: إن المتظاهرين أيضا لديهم مسؤولية التظاهر سلميا وعدم التحريض على العنف واللجوء إليه، كما أنه، وعلى الرغم من أنه صعب وصعب جدا بعد كل ما مررنا به خلال الشهور الأخيرة فإن عليهم مسؤولية أن يكونوا جزءًا من العمليةالسياسية، وأن هذا أفضل شىء للشعب المصرى، وأن هذا ليس ما نريده نحن أو ما تريده الحكومة، بل هناك عملية، وأفضل شىء للشعب المصرى أن تكون كل المجموعات مشاركة فيها».

وذكرت فى رد آخر: «لقد طالبنا منذ البداية بإنهاء الاعتقالات التعسفية وذات الدوافع السياسية، وأعتقد أن هذا الموقف ما زال قائما، إنه صعب ولا أحد ساذج ينكر كم هو صعب، إلا أن هناك سبلا للانخراط فى هذه العملية، وخطوات يمكن اتخاذها من جانب الإخوان المسلمين ومن جانب كل المجموعات فى مصر من أجل المشاركة فى العملية. ولكن مرة أخرى، الحكومة المؤقتة فى السلطة، عليها بالفعل مسؤولية ضبط الإيقاع ووضع أسس لعملية تشمل الكل. لا يمكن أن تجعلها صعبة لكل طرف».

وأشارت هارف فى معرض ردها على أسئلة الصحفيين بأنه «لم يحدث تغيير» (واكتفت بهذا التوصيف) من الموقف الأمريكى تجاه المطالبة بالإفراج عن محمد مرسى وآخرين، كما أنها حرصت على تأكيد دور الحكومة ومسؤوليتها و«أن النظام أو الحكومة المؤقتة الحاكمة عليها مسؤوليات» وقالت: «وبصرف النظر عما تفعله الولايات المتحدة فإنه ما زالت لديهم تلك المسؤوليات، وبالتالى دعونا الحكومة إلى أن تحترم حقوق المتظاهرين سلميا ودعونا المتظاهرين إلى أن يقوموا بذلك سلميا. وأن هذه الحقوق قائمة بذاتها مستقلة عما تدعو أو ما لا تدعو إليه الولايات المتحدة».

وعن الدور الأمريكى وأهمية الحفاظ على العلاقات الأمريكية المصرية قالت هارف: «نحن نعتقد أنه مهم أن يستمر انخراطنا مع الحكومة المصرية، لأن لدينا مصالح هناك، ولدينا مصالح أمن قومى هناك نريد أن نحافظ عليها. وأفضل طريقة للقيام بذلك الاستمرار فى الانخراط. وأن السؤال الآن هو كيف سيكون شكل هذا الانخراط. والرئيس يدرس الاحتمالات فى الوقت الحالى، وأنا متأكدة أننا فى لحظة ما سيكون بإمكاننا النقاش حول طبيعة تلك القرارات».

وقالت أيضا: «ما زلنا ثابتين فى القول بأننا لا ندعم مجموعة واحدة أو حزبا واحدا. وهناك مجموعة أشياء يجب أن تحدث. وأن الحكومة المؤقتة يجب أن تسمح للشعب بأن يعبر عن رأيه، ويجب أن تنهى الحكومة الاعتقالات التعسفية وذات الدوافع السياسية وأن تكون احتياجات المتظاهرين والمعارضة جزءًا من هذه العملية.

وبالتالى أعتقد أننا كنا واضحين للغاية فى ما يخص موقفنا. ولكن دعنا نكن واضحين أيضا حول حدود المسؤولية. نحن لا نستطيع أن ندفع المصريين لفعل أى شىء، إنها بلدهم وإنه مستقبلهم، وإن من مصلحتهم أن يتخذوا هذه الخطوات، ليس لأنها ستكون جيدة للولايات المتحدة، ولكن لأنها ستكون جيدة لشعبهم».

ولا شك أن هذه التصريحات تعكس «توجه» واشنطن وأيضا «توجسها» تجاه ما يحدث فى مصر. كما أن واشنطن اليوم مثل الأمس تتابع عن كثب وكعادتها باهتمام وقلق ما يجرى فى بر مصر..