تجول جنود الجيش اللبنانى فى ثقة فى شوارع مدينة صيدا الساحلية أمس الثلاثاء بعدما سحقوا رجل دين سنيا متشددا ومؤيديه المسلحين فى معركة استمرت يومين.

لكن الغضب يعتمل بين كثير من السكان بسبب الحملة وبسبب دور مقاتلى جماعة حزب الله الذين يقولون إنهم أشعلوا المعركة وعبروا عن قلقهم من أن الاشتباكات تنذر بمزيد من العنف الطائفى.

والاشتباكات فى المدينة التاريخية كانت الأشد فتكا التى تشهدها لبنان منذ بدأ الصراع السورى قبل أكثر من عامين.

وفر الشيخ السلفى أحمد الأسير مع أنصاره بعدما اقتحم الجيش مجمعهم قرب مسجده، وكان الأسير قد ألقى خطبا مناهضة لجماعة حزب الله التى تقاتل علنا حاليا إلى جانب قوات الرئيس السورى بشار الأسد.

وقال صاحب متجر للملابس "الفخ السنى الشيعى أطبق.. لا يعلم غير الله إلى أين نحن ذاهبون".

وخلال المعارك التى دامت يومين فقط تحولت هذه الضاحية الثرية فى صيدا إلى منطقة حرب الأمر الذى يشير إلى مدى سرعة إمكانية اهتزاز التوازن الطائفى الهش بسبب سوريا حيث يقوم العنف على نفس الأساس الطائفى لنظيره فى لبنان.

وأجهشت عجائز عائدات إلى بيوتهن بالبكاء وهن يتفقدن الغرف التى غطاها السواد والجدران التى دمرتها الصواريخ.

وأعاد إطلاق النار الكثيف وقذائف المورتر إلى الأذهان ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية بين عامى 1975 و1990 التى لا تزال البلاد تعانى من آثارها حتى الآن.

وقال رجل يدعى ياسين "كنا ندعو الله ونبكى ونتوسل للخروج، فى النهاية قال بعض المسلحين .. يوجد ممر للخروج، ركبت مجموعة منا السيارة وبيننا بعض المسلحين الجرحى وانطلقنا مسرعين وسط وابل من نيران القناصة".

وكان ياسين وعدد من السكان محصورين فى نفس المجمع السكنى الذى تحصن فيه الأسير ورجاله فى حى عبرا فى شرق صيدا الذى يطل على البحر.

وقال "الحمد لله أننا أحياء، لا أدرى ماذا سيحدث لكنى أعتقد حقا أن عدد المسلحين الذين خرجوا أكبر من عدد من اعتقلوا أو قتلوا".

ودار القتال بين مسلحين سنة والجيش الذى يعرف عنه دائما تردده فى استخدام القوة.

وقالت مصادر أمنية إن 18 جنديا قتلوا وهو أكبر عدد من القتلى فى صفوف الجيش منذ حارب متشددين إسلاميين فى مخيم للاجئين الفلسطينيين فى عام 2007.

وقال مسعف إنه تم انتشال 22 جثة من مجمع الأسير لكن سكانا محليين لهم اقارب بين المقاتلين يقولون إن العدد يتجاوز 40 على الأرجح.

والتف زعماء سياسيون من جميع الطوائف حول الجيش واصفين ما حدث بأنه اعتداء على المؤسسة الوحيدة التى ينظر إليها باعتبارها فوق الطائفية المزمنة فى البلاد.

وتقول مصادر أمنية إن المعركة بدأت يوم الأحد بعدما اعتقل الجيش أحد أنصار الأسير فدفع ذلك المسلحين لفتح النار على نقطة تفتيش للجيش.

لكن البعض فى صيدا يرفضون تلك الرواية ويقولون إن المعتقل تعرض للضرب وإن الرد جاء نتيجة استفزازات.

وقالت ساكنة سنية طلبت عدم ذكر اسمها "جماعة حزب الله فى المنطقة كانوا يستفزونهم لشهور.

"نحن ننجر إلى مشكلات المنطقة. لا أحب الأسير ولست من أتباعه لكن رغم ذلك أشعر أنه يتم نصب فخ للسنة."

وقال رئيس الوزراء السابق سعد الحريرى الذى أطاحت جماعة حزب الله بحكومته إن الجماعة أثارت التوتر بإقامة نقاط أمنية واستفزاز السكان لكنه ألقى باللوم أيضا على الأسير.

وقال فى بيان إن "الخطيئة الكبرى التى يتحمل مسؤوليتها حزب الله من خلال استفزاز المواطنين فى عاصمة الجنوب ونشر البؤر الأمنية فى الاحياء لا يصح ان تشكل مبررا للخروج على القانون واللجوء الى استخدام السلاح ضد مراكز الجيش اللبنانى او أى قوى أمنية شرعية".

ولم ينل الأسير تعاطفاً يذكر من أغلب السنة ورغم ذلك يرى الكثيرون ازدواجية فى المعايير فى الرد القاسى من الجيش فى صيدا وعدم تحركه فى وقت سابق هذا الشهر عندما قتل مسلحون من جماعة حزب الله محتجاً أعزل فى بيروت على مرأى من الجيش.

وقال صاحب متجر الملابس "يعنى هذا أن حزب الله هو فى الواقع الدولة، أقسم أن مقاتلين من حزب الله كانوا هنا."

وأضاف "وإذا أدهشتكم الأسلحة التى كانت فى المسجد انزلوا لأسفل التل وشاهدوا ما كانت مجموعتهم تطلقه علينا هنا".

وتابع قوله "صواريخ من التى تعتقدون أنها ضربت المجمع؟"

وعرض بعض السكان صوراً على هواتفهم المحمولة لمسلحين فى ملابس مدنية كدليل على مزاعمهم. وشاهد مراسلون من رويترز كانوا موجودين أثناء الاشتباكات بعض مقاتلى حزب الله خارج منطقة القتال لكنهم لم يروا أيا منهم مشاركا فى المعركة.