القنابل
المتبادلة بين أبناء وطنه السوري لم تصل حتى الآن إلي واديه الصغير "واد
باردة" - مكان من الأماكن القليلة الباقية التي لم يدمرها القتال السوري حتى
الآن كما يقول- وقفت علي أبوابه وتسللت فقط نحو سلة الخوص التي يحملها باللوز منذ
ثلاثين عاما لتدمرها عن بعد وهي تحرق مزارع اللوز في حمص، وتغير حياة البشر في
شوارع الوادي المكتسية بألوان الطبيعة الخلابة لتقضي علي النداءات التي كانت تعزف
فوق ساعده أهل واديه وهي تلحن كلمات "يلا علي اللوز".. حمل ما تبقي له
وجاء نحو أرض المحروسة عله يجد بينها مكانا لسلته الصغيرة التي يراها أهل مصر
للمرة الأولى.
ابتسامة
بشوشة، وملابس مهندمة مثل سبته الملفوف بأوراق الفويل، سيقابلونك مع "أبو
محمد" إذا صادفته في أحد شوارع المهندسين التي يجوبها الآن، يقطع نداؤه الذي
لم يتغير "يلا علي اللوز" بينما تدور عيونه باحثة بين الكتل الخرسانية
الشاهقة التي تملأ الحي عن بعض من طبيعة الوادي الذي تركه، يغمس يديه في السلة
المليئة بالوز ويمدها نحوك طالبا منك التذوق بالمجان، والتعرف علي بضاعته الجديدة
في شوارع القاهرة حيث كانت لا تزيد بضاعة بائع المحمصات الجائل بها عن اللب،
والفول السوداني، قبل نزول أبو محمد لها.
لوز
سلة "أبو محمد" يختلف بعض الشىء عن الذي نعرفه هنا، يمسكه الرجل بفخر
وكأنما يقبض علي قطعة من بلاده ويقول "النوع ده بيتزرع في حمص بس، يكون
مفتوحا شبه الفستق، وبيكون أطعم بكثير، غير أنه بيتحمص في سوريا بطريقة خاصة، عشان
يتآكل فورا وهو داخل قشره ومن غير كسارة في الشارع، وديه عادة سورية منتشرة لبيع
المحمصات من اللوز والفستق وغيرهما في الشوارع".
مثله
مثل الكثيرين من أهل سوريا الآن يحاول أبو محمد تجنب الحديث عن أحداث الثورة،
يتلعثم لسانه الطليق دائما مع ذكر سيرة بشار الأسد، أو عن توقعاته لما ستئول له
ثورتهم، ويقول فقط إنهم كانوا يعيشون ويأكلون في هدوء والآن تشردوا علي أمل ضعيف
في العودة لأوطانهم، ويدعو الله أن يصلح الأمور لما فيه الخير لأهل بلاده.
الرجل
الذي ينهي عقده الأربعين عقب عامين جاء للقاهرة قبل شهر واحد من الآن ليستقر في
شقة صغيرة بمنطقة ميت عقبة، وبضاعته ليست بالرخيصة علي الرغم من بيعها في سلة
متجولة، الكيلو الواحد منها بمائة جنيه مصري، ولكن التذوق مجانا، ويمكنك الشراء
بداية من جنيه واحد، حيث لا يضع حدا أدني للشراء يقول "المهم الناس تفرح
وتتذوق حاجة جديدة عليها، حتى لو كانت مش كثير، ولحد دلوقتي الحمد لله الناس حابه
البضاعة وبتفرح لما بتشوفها".