fiogf49gjkf0d

جلست هادئة بعد أن وضعت جسدها المنهك أعلى "كارتونة" ممزقة تحميها من صقيع الأرض، بجانبها أسندت عود بخور إلى بقايا كارتونة لم تعد صالحة لحماية الجسد أصلا، فتحت المصحف وهى تشتم بعمق الرائحة العطرة التى تدخل إلى صدرها "المكتوم" من أدخنه السيارات، لتندمج مع كلمات كتاب الله وتطفئ نيران قلبها التى لم تهمد منذ 12 عامًا تثاقلت أيامهم مع تثاقل الظلم فيهم.

شقاء الأيام ترك علاماته فوق ملابسها المهلهلة، حيث علقت علامة الثورة ورمز أملها الوحيد فى الحياة "بعد ربنا طبعا"، أنعام السيد التى نقش جسدها النحيل موقعه فوق الرصيف المقابل لنقابة الصحفيين، لم تحصِ السنوات التى جلستهم على هذا الرصيف، كما ملت من عد سنوات عمرها، فقط توقن سبب مكانها وافتراشها الرصيف طوال هذه السنوات وعنوانه الذى تلخصه فى كلمة واحدة "الفساد".

قصة أنعام ربما تكون أغرب من الخيال، ولكنها تقسم بقلب موجوع على أنها الحقيقة، وتطالب المسئولين بالتحقيق معها لو كانت كاذبة مؤكدة أنها تملك ورق بكل كلمة، تقول "اشتغلت أكثر من ثلاثين سنة فى السعودية وتحديدا فى المدينة المنورة، كنت تاجرة شاطرة بنقل بضاعة من هنا لهناك والعكس، وبنيت عمارة لكن زوجى استغل غيابى وأتفق مع مجموعة محامين واستولوا على كل أموالى والعمارة التى أملكها فى المرج بسبب الرشاوى وبطرق ملتوية فى القانون، ومن وقتها وأنا بتنقل فى الشوارع وأوقات عند أختى".

التجارة الوحيدة المتبقية لأنعام الآن تتراص فوق علبة بلاستيكية صغيرة موضوعة أمامها متمثلة فى عشرة أكياس مناديل ورقية، بجانبهم تلتحف قدمها بكيس بلاستيكى بدلا من الضمادة التى لا تستطيع جمع ثمنها وهى تستشفى من "الدوران" على مكاتب حكومية حفظتها عن ظهر قلب، تبدأ بقصر رئيس الجمهورية وتنتهى بالأقسام الصغيرة وتقول ببساطتها "أنا انتخبت مرسى لأنه قال هيجيب حقوق المظلومين بس لما روحت له القصر قالوا لى مش موجود، وبعدين روحت القسم قالوا لى روحى للنائب العام"، تنظر لمبنى دار القضاء العالى الواقع على الرصيف المقابل وهى تحكى،" كل ما أروح ألاقى الثوار واقفين هناك ويقولوا مش موجود".

رغم ضعف هيئتها إلا أنها أكدت على حفظ مكانها بين صفوف الثوار الأولى فى ميدان التحرير، مع هؤلاء الشباب الذين كانوا ينادون بالحق والحرية الذين تتمناها، وحيث حصلت على شعار ثورة يناير الذى لم يفارق ملابسها من وقتها، مازالت تحلم باليوم الذى تسترد فيه أموالها مثلما تقول ولكن كل ما تأمل فيه الآن يتلخص أيضا فى جملة واحدة "أربع حيطان بدل البهدلة اللى أنا بشوفها على آخر العمر".