fiogf49gjkf0d
اللغة هي الوسيلة التي يعبر من خلالها الشاعر عن مشاعره، أو يقرر فيها أفكاره، أو تحدد مواقفه الذاتية من الحياة.
واللغة في المقام الأول لكل شاعر أسلوب حياة، حيث تبرز تعامله الأمثل مع الأدب، ولا تدل على أن الأدب لابد أن يكون بهذه الطريقة، وهذا الكلام يعني بعبارة أدق أن كل شاعر له طقوسه الخاصة في التعامل مع اللغة الشعرية لديه، ففالح الدهمان لا يتعامل مع الضمائر وفق ما ينبغي أن تكون عليه هذه الضمائر في الجملة الشعرية، بل وفق ما يريد من هذه الضمائر أن تكون، هذا الارتباك في مسألة الضمائر خلق لديه لغة انفعالية صاخبة رغم ما بها من عاطفة وشاعرية فذة، يدعمها خيال شعري خصب، وهو هنا لا يتوافق مع أخيه وابن أمه وأبيه، الشاعر صالح الظفيري الغائب عن الأنظار من مدة، يجنح في لغته الشعرية إلى الهدوء والعذوبة، أما سليمان المانع فلغته الشعرية سهلة مرنة، بينما لا نرى هذه السهولة عند نايف صقر الذي تبدو لغته غير مستقرة، لكننا نلمس هذا الهدوء والروية في لغة خالد الفيصل الشعرية التي تظهر مخملية ناعمة رغم ميل صاحبها إلى التقليدية المتطلعة إلى العصرية، في الوقت الذي تبدو فيه لغة فهد دوحان لغة لاهثة وراكضة ومهرولة وكأنها تريد الانفلات والهروب من بين السطور، علاوة على أننا نلمس فن الصفة والمهارة الشعرية عند فهد عافت، لكننا لا نجد هذه الحالة عند مسفر الدوسري، إذ تختلف لغته الشعرية عن لغة فهد عافت الشعرية، حيث تبدو لغة الدوسري متمايلة بدلال، إذ تأتي رقراقة أشبه بالماء الذي يندلق من فم الإبريق أو في السقاء كما هو الحال في الكتابة التراثية العربية القديمة.
إن هذه الأشياء وما سيأتي بعدها، لا تعبر عن طبيعة اللغة أو الشعر كحالة محايدة، وإنما تدل على طريقة كل شاعر لفهم هذه اللغة، فشاعر مثل صالح مصلح الحربي تشكل القافية الشعرية لديه جزءا من اللغة، وهذه الحالة لديه أشبه ما تكون بالعقدة، وفي بعض المرات تأتي في المكان غير المناسب، في الوقت الذي تأتي فيه اللغة الشعرية عند طلال حمزة لغة اقتصادية، أي محسوبة وكأنها تجيء «القطارة» ولعله يعد الكلمات قبل أن يضعها فوق السطور، بينما تأتي لغة الحميدي الثقفي لغة متمردة تكاد تتفق مع لغة فهد دوحان من حيث الحركة والميل إلى التوثب، غير أن لغة دوحان تجري في ماراثون مفتوح، بينما لغة الثقفي تريد الثورة والاحتجاج على نمطية السياق، أما لغة محمد المرزوقي فهي لغة مكثفة وليست معقدة كلغة فهد المرسل التي لا تخلو من الحشو.
لا يكاد يكون بدر صفوق في معزل عن هذا النقاش، حيث يحرص في الغالب على إيجاد علاقة بين الألفاظ، وذلك في جنوحه للتعريفات، وكأنه يريد القفز بلغته من الشعر الى خارج الشعر، بينما الحال عند ناصر حطاب الدهمشي تكون مختلفة، إذ إنه لا يتحرج من استعمال أي مفردة حتى ولو جاءت في غير سياقها المناسب لها، وهو هنا يكاد يقترب من صالح مصلح، لكن مشكلة مصلح مع القافية بينما حطاب أزمته مع المفردة، وحال ناصر حطاب تكاد تتقاطع مع حالة عبدالرحمن عادل الشمري الذي لا يتحرج هو الآخر من استعمال بعض المفردات ولو جاءت في غير سياقها المناسب لها، وقد تكون الصياغة عند الشمري مشوشة في بعض الاحيان، لكنها لم ترق إلى أن تكون أزمته كما هو الحال مع مشعل الذايدي، وكأنه يلملم الكلمات من الشتات ويضع بعضها فوق بعض، بينما يبدو التحايل البلاغي واضحا وجليا في لغة خالد صالح الحربي، مما قد يظهره هذا التحايل عن الحالة الشعرية التي عليها، ويرمي به هذا التعامل خارج الشعر، وهو هنا يلتقي مع بدر صفوق مع اختلاف وسيلة الرمي، بينما تظل اللغة الشعرية عند خالد قماش تميل إلى العبثية واللامبالاة، حيث لا يحسب لها أي حساب.
هذه الأمور لا تعتبر منقصات تنخر في جسم التجربة الشعرية، ولا يمكن أن تكون تلك مميزات تفضل هذا الشاعر على البقية من أقرانه أو زملائه، لكنها محاولة لفهم طبيعة الشخصية الفنية عند كل شاعر في تعامله مع اللغة. فالأدب والشعر بشكل خاص يعتبر في معزل عن هذه الأجواء حالة محايدة، لكن أسلوب كل شاعر هو الذي يحدد لنا طبيعته في تعامله مع هذا الإجراء المتبع والذي نسميه بالشعر، فطريقة فهم كل شاعر للغة، ومدى إحساسه بهذه اللغة، ومن ثم كيفية استعماله لها تختلف من شاعر لشاعر، وهي التي تحدد طبيعة الشخصية الفنية في تعامل كل شاعر على حدة مع النص.