قبل ساعات قليلة من غلق باب التصويت بالانتخابات الرئاسية، أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات بيانًا رسميًا، أكدت فيه تطبيق غرامة مالية تصل إلى 500 جنيه، على المواطنين المتخلفين عن التصويت، عبر إرسال جميع أسماء من لم يدلوا بأصواتهم إلى النيابة العامة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وهو ما أدى إلى تسرب قلق شديد إلى داخل نفوس قرابة 30 مليون ناخب -50% ممن لهم حق التصويت- من الراغبين فى عدم الإدلاء بأصواتهم، بالقياس على نسب الناخبين فى أكثر من انتخابات سابقة، وبحساب قيمة المخالفة المتوقعة -500 جنيه- لـ30 مليون مواطن، نجد أن الدولة قد تُحصل 15 مليار جنيه من المخالفين. فما دستورية تطبيق هذه الغرامة؟ وهل تم تطبيقها على مر التاريخ من قبل؟ أم لا؟ وما هى الجهة المنوط بها تحصيل الغرامة، وأين تذهب؟ وكم تبلغ قيمتها؟ 

معاقبة الممتنعين عن التصويت

بدأ التلويح بتطبيق غرامات مالية فى عام 2013 فى الاستفتاء على دستور 2013، ثم فى الانتخابات الرئاسية عام 2014، التى فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام منافسه حمدين صباحى، حيث أعلنت اللجنة العليا للانتخابات، عبر الأمين العام للجنة الانتخابات الرئاسية المستشار عبد العزيز سالمان، أنه وفقا للقانون، من يمتنع عن الإدلاء بصوته فى الانتخابات الرئاسية المقبلة -ولا يوجد لديه عذر- "مريض، كبير سن"، سيقوم بدفع غرامة مالية قدرها 500 جنيه، ولكن لم يتم تطبيق هذه الغرامة، ولم نسمع عنها مجددًا سوى اليوم. ثم تم استحداث المادة (43) من القانون رقم 22 لسنة 2014 فى شأن تنظيم الانتخابات الرئاسية، والتى تنص على فرض غرامة مالية.

لا يجوز إلا بأمر جنائي

أكد الفقيه الدستورى الدكتور نور فرحات، أستاذ القانون بجامعة الزقازيق، أنه لا يجوز فرض غرامة على المواطنين إلا بأمر جنائى من النيابة العامة، وإذا تم فرضها، لن يكون أمام المواطن سوى المعارضة على الغرامة أمام القضاء، وتقديم الأعذار التى منعته عن الإدلاء بصوته (عذر مرضى أو وجوده خارج البلاد). أوضح فرحات أنه منذ أن عرفت مصر الانتخابات لم تُوقّع أية غرامة على ناخب، بسبب عدم الإدلاء بصوته فى انتخابات، برلمانية كانت، أو رئاسية، مشيرًا إلى وجود استحالة فى توقيع الغرامة على ملايين المصريين، من الناحية العملية. استطرد أستاذ القانون بجامعة الزقازيق: «هناك قرابة 60 مليون ناخب، وعلى أفضل تقدير، سيذهب 30 مليونًا منهم للانتخاب، إذن سيكون هناك 30 ميلونًا مثلهم لن ينتخبوا أحدا، فهل تستطيع أجهزة الدولة توقيع غرامة عليهم جميعًا، بل وتحصيلها أيضًا؟».  

طريقة التحصيل 

شرح الدكتور محمد الذهبى، أستاذ القانون الدستورى، طريقة تنفيذ الغرامة على المواطنين، وكيفية تحصيلها، قائلاً: «الهيئة تحرر محاضر ضد المخالفين، ثم إرسالها إلى النيابة العامة، ثم تُكلف النيابة المحضرين بالتنفيذ وتحصيل الغرامة». وأكد الذهبى استحالة تطبيق تلك الغرامة من الناحية العملية، بسبب تضرر أكثر من 30 ميلون مواطن منها، وهذا بفرض إدلاء 30 مليون مواطن بأصواتهم، مضيفًا أن التاريخ المصرى لم يشهد مثل هذه الغرامة، على مر العصور. وقال سعيد عبد الحفيظ، المحامى ورئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، إنه فى حالة تم تطبيق الغرامة على الذين لم يصوتوا بالانتخابات الرئاسية، ستدخل الأموال التى تم تحصيلها خزينة الدولة، ويحق للدولة أن تستخدمها كيفما تشاء سواء بتخصيصها للهيئة الوطنية للانتخابات أو تدخل لدعم بند الصحة أو بند التعليم فى الموازنة العامة. أضاف أن وسيلة التحصيل ستكون عن طريق وسيلة إدارية، سواء فاتورة الكهرباء أو الغاز أو تجديد الأوراق الرسمية، أو عبر أى خدمة عامة من الدولة، وأوضح أنه لن يتم تطبيقها رغم وجود نص قانونى (مادة 43 من قانون الانتخابات الرئاسية)، إلا أنه أضاف «أرى عدم تطبيقها والدولة كعادتها ستتسامح كما حدث فى الانتخابات الرئاسية الماضية».

الوطنية للانتخابات تكشف إجراءات التحصيل 

أكد المستشار محمود الشريف، المتحدث الرسمى باسم الهيئة الوطنية للانتخابات، أن من يتخلف عن إبداء صوته الانتخابى بدون عذر قانونى، يعد ارتكب جريمة انتخابية منصوص عليها فى بنود القانون، موضحًا أن الهيئة ستطبق أحكام القانون فى شأن توقيع غرامة مالية على الناخبين الذين يتخلفون عن الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية، تصل إلى 500 جنيه. أضاف الشريف فى تصريحات خاصة ، أن العقوبة ليست وليدة اللحظة بل منصوص عليها فى أحكام القانون ونص المادة (43) من القانون رقم 22 لسنة 2014 فى شأن تنظيم الانتخابات الرئاسية، والتى تنص على أنه "يعاقب بغرامة لا تجاوز 500 جنيه من كان اسمه مقيدا بقاعدة بيانات الناخبين وتخلف بغير عذر عن الإدلاء بصوته فى انتخاب رئيس الجمهورية"، مشددا على أنه نص قانونى واجب إعماله وتنفيذه احتراما للقانون، فهو أمر معمول به ويتم تطبيقه فى عدد من دول العالم وليس قاصرا على مصر وحدها. وحول آليات تطبيق العقوبة على أرض الواقع، أوضح متحدث الهيئة الوطنية للانتخابات قائلا: «إن الهيئة ستراجع بعد انتهاء عملية التصويت، جميع الكشوف الانتخابية، ومن خلال المراجعة يتضح للهيئة من نفذ القانون وقام بالإدلاء بصوته الانتخابى ومن لم يدل. تابع: «ثم ترسل الهيئة جميع أسماء من لم يدلوا بأصواتهم إلى النيابة العامة، من أجل تحرير محاضر لهم بالغرامة، شأن أى محاضر تستوجب دفع الغرامة من قبل النيابة العامة، نافيا أن يكون ذلك الإجراء تهديدا للمواطنين للنزول والمشاركة بقدر تفعيل مواد القانون».

الكهرباء: لن نحصل الغرامات على فاتورة أبريل

وانتشرت بعض الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، حول إضافة الغرامة على فاتورة الكهرباء، لكن الدكتور أيمن حمزة، المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء، نفى اتخاذ أى إجراء من شأنه تحصيل قيمة الغرامة المحددة سلفًا بـ 500 جنيه، على فاتورة أبريل المقبل، بحق من لم يدلِ بصوته فى انتخابات الرئاسة، واصفًا ما يتردد عن دور وزارة الكهرباء فى هذا الأمر من قريب أو بعيد بأنه "مجرد إشاعات". قالت المهندسة ابتهال الشافعى، رئيس شركة شمال الدلتا لتوزيع الكهرباء، إن أغلب موظفى الشركة شاركوا فى الانتخابات على مدار يومى أمس وأول من أمس، منوهة بأن من لم يتمكنوا خلال اليومين الماضين من المشاركة، خصص لهم اليوم للإدلاء بأصواتهم. ولم تختلف تصريحات الشافعى عن ما صرح به المتحدث الرسمى باسم الكهرباء، فى نفى ما يتردد عن تحصيل غرامة الـ 500 جنيه لمن لم يدلِ بصوته فى الانتخابات الرئاسية على فاتورة الكهرباء، بداية من شهر أبريل المقبل.