بعشرة أعمال فقط قدمتها في طفولتها، استطاعت "الطفلة المعجزة" فيروز، كما كان يلقبها جمهورها؛ تخليد مشوارها والحفاظ على نجاح ما قدمته حتى وفاتها في مثل هذا اليوم، 30 يناير 2016.. الحيوية والذكاء والشقاوة التي تمتعت بها فيروز في سنها الصغير، جعلها تنافس نجوم كبار في العمر والمكانة، وتقاسمهم بطولة أفلامهم، بل وتحمل الأفلام اسمها أيضًا وتحقق نجاحًا مميزًا.

بدايتها ومكافأة الملك فاروق لها
ولدت "الطفلة المعجزة" بالقاهرة لأسرة أرمنية أصلها من حلب في سوريا، وكان اسمها الحقيقي بيروز آرتين كالفايان، وتميزت منذ صغر سنها بقدرتها على الاستعراض والغناء والتمثيل، اكتشفها الفنان السوري إلياس مؤدب الذي ارتبط بعلاقة صداقة بوالدها، حيث كان يعزف الكمان في الأمسيات التي كان يقيمها والدها بمنزله.

رقص الصغيرة فيروز على الموسيقى التي يعزفها "مؤدب" لفتت انتباهه، حيث بدأ في اكتشاف موهبتها وحاول تطويرها فقام بتأليف وتلحين مونولوج لتغنيه وحدها، كما أنه كان يغني في حفلات منزلية، حيث اصطحبها معه لتؤدي المونولوج في إحدى المرات، وأثارت فيروز إعجاب الحضور ولاقى مونولوجها نجاحًا باهرًا، فقرر "مؤدب" إدخالها مسابقة مواهب في ملهى ليلي يُدعى "الأوبرج" حيث حققت نجاحًا كبيرًا وقتها، لدرجة أثارت إعجاب الملك فاروق بها الذي كان يشاهد العرض، فمنحها 50 جنيها مكافأة، كما أن أدائها جعل المنتجون يتهافتون عليها، لكن مكتشفها "مؤدب" اختار الفنان أنور وجدي ليقدمها سينمائيًا في أولى أعمالها، حيث وقع والدها معه عقد احتكار لتتقاضى ابنته ألف جنيه عن كل فيلم، وذلك عام 1950 وهي لم تتجاوز 7 سنوات.


نجاح بدأ من "عقد احتكار"
كتب عقد الاحتكار مرحلة جديدة وناجحة في مشوار كل من وجدي والصغيرة فيروز، وبدأ أنور وجدي في تهيئتها لتقديمها في أولى أعمالها "ياسمين"، وكان أول قرار اتخذه هو استبدال حرف الباء من اسمها بحرف الفاء، لتصبح فيروز بدلًا من بيروز، بتغيير حرف الباء في اسمها إلى فاء، كما قام بالاستعانة بمدرب الرقص إيزاك ديكسون، الذي عمل في عدة أفلام في السينما المصرية لتدريب الصغيرة لعدة أسابيع.

إنتاج فيلم "ياسمين" كان من المفترض أنْ يكون مشتركاً بين أنور وجدي والموسيقار محمد عبد الوهاب، لكن الموسيقار الكبير تراجع ولم يشأ أن يضع أمواله في فيلم تقوم ببطولته طفلة لا تتقن سوى غناء المونولوج، ليقرر "وجدي" خوض المغامرة بمفرده، وبالفعل أنتج الفيلم، وفي في صباح يوم العرض ظهر إعلان في الصحف المصرية يدعو كل أطفال مصر لحضور حفل العاشرة صباحًا التي سيعرض فيها الفيلم، وبعدها ستقوم البطلة الصغيرة فيها بتوزيع هدايا على الأطفال، بالفعل تم وضع مئات الهدايا بسينما الكورسال وتم تعليق مئات البالونات في صالة السينما، ليبدأ مشوار النجاح بين وجدي وفيروز، ويقدموا بعدها أفلام من أبرز أفلام السينما المصرية مثل "فيروز هانم، وصورة الزفاف، ودهب".

الانفصال عن "وجدي".. بداية النهاية
لم يظل الوضع كما هو عليه طويلًا، حيث انفصل الثنائي فنيًا بعد ثلاث سنوات فقط من تعاونهم الأول، ليكون هذا القرار هو بداية النهاية لمشوارها، فبعد الشهرة الواسعة التي حققتها فيروز، قرر والدها الانفصال عن أنور وجدي، ورفض تجديد العقد معه، وقرر أن يقوم هو بإنتاج أفلامها، فأنتج فيلم "الحرمان"، الذي شهد تقديم شقيقتها نيللي، وبعدها توقفت عن العمل لمدة ثلاث سنوات، ثم عادت لتقدم عددًا من الأدوار الدرامية التي تتناسب مع عمرها، مثل "عصافير الجنة"، لكن النجاح الذي حققته مع وجدي سرعان ما اختفى، فقدمت بعد تلك الفترة 4 أفلام لم تحقق أي منها نفس النجاح الذي شهدته سابقًا، وكان من ضمن هذه الأفلام "إسماعيل ياسين للبيع، أيامي السعيدة، إسماعيل ياسين طرزان" لتنهي تجربتها الفنية القصيرة بفيلم "بفكر في اللي ناسيني".

كانت فيروز قد اختارت أن تحافظ على صورة الطفلة الشقية في أذهان الجمهور الذي لم يتقبلها كفتاة شابة، فقررت الاعتزال والابتعاد عن الأضواء عام 1959، وبعد اعتزالها بفترة قصيرة تزوجت من الفنان بدر الدين جمجوم الذي كانت قد تعرفت عليه خلال عملها مع إسماعيل ياسين، وظلت على ديانتها، وأنجبت منه أيمن وإيمان، واستمر زواجهما إلى أن توفى.

مجنون فيروز!
خلال مشوارها الفني القصير، وبعد أن بدت فتاة شابة، أصبح لفيروز معجبين كُثر، لكن كان من أبرز المواقف التي تعرضت لها خلال تصوير أحد الأفلام، هو مطاردة مُعجب لها، في أثناء التصوير، واستدعى الأمر إلى إبلاغ والدها للشرطة عنه.

كانت فيروز، تجلس في حديقة ستوديو الأهرام، استعدادا لبروفات أحد الأفلام، حيث تفاجأت بشاب يقترب منها ويعطيها بطاقته الشخصية، ويعرفها بنفسه، وطلب منها التحدث معها، في البداية ظنت أنه أحد المعجبين، لكنها صُدمت بعدما طلب منها الزواج لتقابل الأمر بابتسامة في البداية لكنها وجدت الشاب مُصر على طلبه، فذهبت إلى بعض موظفي الاستوديو تخبرهم بما حدث، وعندما سألوه مرة أخرى عما يريده من فيروز، أصر على عدم الانصراف إلا بعد مقابلة والدها الذي تصادف حضوره، فطلب منه الموافقة على الزواج من ابنته، وبدا يعدد مميزاته كـ"عريس"، كما أخرج من بدلته علبة داخلها عقد من الؤلؤ وقدمها لها كـ"شبكة".

إصرار الشاب على الأمر قوبل بثورة من والدها، الذي رفض طلبه وأمره بالمغادرة فورًا، وبالفعل قام بإبلاغ بوليس النجدة عما فعله الشاب، في حين استطاع موظفو الاستوديو في إقناع الشاب بالمغادرة قبل وصول الشرطة، وعلقت فيروز وقتها بحسب جريدة الأخبار، بأنها لم تندهش من الموقف، لأنها يأتي إليها يوميًا "عريس"، لكنها منشغلة بالتمثيل فقط.

حياة هادئة وفن يصل للعالمية
تاريخ فيروز القصير وصل صيته إلى الهند، فعندما جاء الفنان الهندي أميتاب باتشان إلى القاهرة عام 1991، طلب مقابلة فيروز شخصيًا على اعتبارها من رواد فن الاستعراض في مصر منذ أن كانت طفلة، وقال: "إن فيروز ألهمت العالم بفن الأداء الحركي لأطفال العالم".

 

وقد عاشت فيروز حياة أسرية هادئة بعديًا عن الأضواء تمامًا إلا عندما تم تكريمها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2001، وشعرت وقتها بالسعادة البالغة والامتنان للجمهور الذي تذكرها بعد كل هذه السنوات، بحسب ما قاله ابنها أيمن في حوار تلفزيوني مع الإعلامية منى الشاذلي، وأوضح أيمن خلال الحلقة بأنها بالرغم من ابتعادها عن الأضواء إلا أن الجمهور الذي كان يقابلها في الشارع كان يعرفها من أول نظرة، ويقف لالتقاط الصور معها، لافتً إلى أنها كانت في قمة سعادتها في هذه اللحظات.

وتوفيت فيروز عن عمر ناهز 73 عامًا، بعد تدهور حالتها الصحية، حيث دخلت العناية المركزة في آخر أيامها، بسبب معاناتها من مشاكل في الكلى والكبد، وتم دفن جثمانها بمدافن الأرمن الكاثوليك بمصر الجديدة وأقيم عزاء خاص بها بمسجد الحامدية الشاذلية.