في خطوة مفاجئة، استدعى السودان سفيره في القاهرة للتشاور؛ لتطفو على السطح أزمة دبلوماسية بين البلدين.
الناطق باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، رد في بيان: “تم إخطار السفارة المصرية في الخرطوم رسميًا بقرار استدعاء سفير السودان في القاهرة إلى الخرطوم للتشاور، ومصر الآن تقوم بتقييم الموقف بشكل متكامل؛ لاتخاذ الإجراء المناسب”.
ويمكن قراءة هذا التوتر من خلال وسائل إعلام البلدين، والتي ترجعه إلى عدة أسباب، منها: “مثلث حلايب وشلاتين والبحر الأحمر، وانتقاد الإعلام المصري للحكومة السودانية؛ على خلفية تمكين تركيا من جزيرة سواكن الاستراتيجية على البحر الأحمر، والإعلام السوداني واستقبال مصر للمعارضة السودانية ودعم حركات التمرد في دارفور، وسد النهضة”.
حلايب وشلاتين
خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، اتخذت السلطات المصرية، بشكل لافت وغير مسبوق، 7 إجراءات، ثلاثة منها في يوم واحد، مقابل إجراء سوداني واحد، بشأن مثلث حلايب وشلاتين.
وتنوعت الإجراءات المصرية، بين إعلان مصر التوجه بشكوى لمجلس الأمن ضد السودان، وبناء 100 منزل بحلايب، وبث لبرنامج تلفزيوني، بخلاف بث خطبة الجمعة الماضية من المنطقة المتنازع عليها، وإنشاء سد لتخزين مياه السيول، وميناء للصيد في “شلاتين”، فيما يعكس تكريسًا للسيطرة المصرية القائمة بالفعل على المثلث الحدودي.
في المقابل، اتخذ السودان، الذي اعتاد أن يقدم شكوى أممية سنويًا حول مثلث “حلايب وشلاتين”، إجراءً واحدًا لافتًا؛ بإعلانه عدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، مرجعًا ذلك لمساسها بحق السودان في المثلث الحدودي، كونها اعترفت بحلايب ضمن الحدود المصرية.
ووصفت السودان الخطوات الأخيرة للحكومة المصرية لتنمية مدينة حلايب، بأنها “إجراءات استفزازية”، وهدد مسؤول سوداني، بقوله إن استمرار ما أسماه بـ”العدوان المصري” على مثلث حلايب؛ يهدف إلى جر السودان للدخول في اشتباكات مباشرة مع مصر.
رئيس اللجنة الفنية للحدود من الجانب السوداني، عبد الله الصادق، والذي يشغل أيضًا منصب مدير هيئة المساحة، أكد في تصريحات لـ”المركز السوداني للخدمات الصحفية”، وهي هيئة حكومية سودانية، أن هذا التعدي سيأتي بنتائج عكسية لدولة مصر، مضيفًا أن حلايب سودانية وستسترد من مصر.
الإعلام المصري و”سواكن” السودانية ذات الإدارة التركية
ترى السودان أن الحملة الإعلامية التي اتخذتها مصر ضدها، بعد الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والموافقة على إدارة تركيا لجزيرة “سواكن” السودانية، نيل من السيادة السودانية، وهو ما ظهر في تصريحات السفير السوداني بالقاهرة، لصحيفة “اليوم التالي” السودانية.
السفير السوداني لدى القاهرة عبد المحمود عبد الحميد، هاجم وسائل الإعلام المصرية، ووصفها بـ”الحمقى”، قائلًا: إن “الإعلام المصري وجد في زيارة أردوغان للسودان، فرصة سانحة أخرى للنيل من السودان وخياراته، وتحقير قيادته وتاريخ أمته”.
وعلى خلفية سماح السودان لتركيا بإدارة جزيرة “سواكن”، القريبة من الحدود المصرية على البحر الأحمر، أقام محامٍ مصري، دعوى قضائية تطالب بإصدار حكم بطرد السفير السوداني لدى القاهرة؛ بسبب العلاقة السودانية القطرية التركية.
الإعلام السوداني ودعم مصر للمعارضة ضد البشير
الأزمة الثالثة التي تراها الخرطوم، هي دعم مصر للمعارضة السودانية، وهو ما قاله الرئيس السوداني عمر البشير، في تصريحات تلفزيونية سابقة، بأنه “يوجد معارضون سودانيون داخل الأراضي المصرية تدعمهم المخابرات المصرية”، وكشف أن حكومته في كل لقاء بين البلدين، تطلب من القاهرة وقف دعم المعارضة السودانية.
ورغم نفي القاهرة مرارًا وتكرارًا دعمها للمعارضة السودانية أو حركات التمرد في دارفور، إلا أن النظام ووسائل الإعلام السودانية، يصران على أن مصر تنفذ مؤامرة ضد الخرطوم.
سد النهضة
ملف سد النهضة كان أحد الملفات التي وسعت هوة الخلاف بين البلدين، حيث تدعم السودان السد، وتراه في مصلحتها، فيما ترى مصر أن السد سيؤثر على حصتها المائية التاريخية، التي تقدر بـ55 مليار متر مكعب.
الأزمة بين البلدين اشتعلت مع نشر صحف إثيوبية، تقارير تفيد بطلب القاهرة رسميًا استبعاد السودان من مفاوضات السد، وردت وزارة الري السودانية على الأمر، بالقول إنها لم تستبعد هذا الطلب من مصر، رغم نفي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، هذه التقارير من الأساس.
وأشار متحدث الخارجية المصري، إلى أن الاقتراح الذي قدمته مصر، بطلب مشاركة البنك الدولي كطرف محايد في مفاوضات اللجنة الثلاثية الفنية، تقدمت به مصر بشكل رسمي للحكومة السودانية أيضًا، وأن مصر تنتظر رد كل من إثيوبيا والسودان على المقترح، في أقرب فرصة ممكنة.
وتشير تقارير سودانية، إلى اتجاه الخرطوم لرفض المقترح المصري بشأن وساطة البنك الدولي في أزمة سد النهضة، حيث ترى أن سد النهضة سيكون له فوائد على دول المصب، عكس ما تراه القاهرة.
الاتجاه السوداني بشأن أزمة سد النهضة عبر عنه في وقت سابق، وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الذي أكد أن موقف مصر من سد النهضة يتعارض مع مصالح السودان، مشددًا على أن مصر كانت على مدى السنوات السابقة، تأخذ حصة السودان من مياه النيل.
وقال “غندور”، في مقابلة تلفزيونية، إن حصة السودان منصوص عليها في اتفاقية عام 1959، مؤكدًا أن الوقت قد حان، لتدفع مصر ما عليها من استحقاق، وتحصل السودان على حصتها كاملة دون نقص مع مصر.
ورد وزير خارجية مصر سامح شكري، بقوله إن ما “استخدمته مصر من مياه حصة السودان في السابق، كان فائضًا عن قدرته الاستيعابية، وبموافقته وليس سلفة أو منحة”.
مطالب بوقف التراشق الإعلامي
وزير الخارجية الأسبق، وعضو مجلس النواب المصري، محمد العرابي، يرى أن الإعلام المصري تراشق الاتهامات مع نظيره السوداني في الفترة الأخيرة، والسودان ترى أن ذلك يضر بالعلاقات.
وأضاف العرابي بأن الدبلوماسية قادرة على إدارة هذا الملف بشكل كبير للغاية، مطالبًا الإعلام المصري بعدم تناول ذلك الملف بشكل يضر بالعلاقات؛ نظرًا لحساسيته الشديدة، وعلاقته بالأمن القومي المصري.
فيما قال أستاذ العلوم السياسية، الدكتور معتز عبدالفتاح، إن الرئيس السوداني عمر البشير ينتمي لجماعة الإخوان، وما يفعله يُجسد خلق أزمة خارجية؛ لكي يلهي شعبه عن المعاناة الاقتصادية، وكأن مصر تريد السوء بالسودان.
وأضاف عبدالفتاح، أن “السودان قرر أن يدخل المنطقة الحمراء، منطقة العداء لمصر”، متمنيًا من السودانيين ألا يتبنوا منطق العداء لمصر، قائلًا: “أرى أن العلاقات ستسوء في الأيام القادمة قبل أن تُحل مجددًا”.