لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن يتعكر صفو العلاقات بين مصر والسودان، خصوصًا بعد ذلك المشهد الشهير الذي منح فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نظيره السوداني عمر البشير وسام “نجمة سيناء” المصري، تقديرا لمشاركته ضمن لواء تابع للجيش السوداني في حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973.

مرت شهور على ذلك الحدث الذي كان في الذكرى الثالثة والأربعين (أكتوبر 2016)، قبل أن تتخذ الأمور منحىً آخر، لعب فيه “الإعلام” دور ملحوظا في التوتر، حتى آلت الأمور إلى قرار السودان بسحب سفيره من مصر، الخميس 4 يناير/كانون الثاني، بغرض التشاور.

لم يكن التراشق الإعلامي بين البلدين إلا وسيلة وطرفا يزيد من تعقيد الأمور، وهو ما أشار إليه السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، وعضو مجلس النواب المصري، حين قال إن “تراشق الإعلام المصري مع نظيره السوداني خلال المرحلة الأخيرة، يضر بالعلاقات”.

وأضاف العرابي أن “الإعلام لا بد أن يبتعد عن التدخل في العلاقات بين مصر والسودان، لأن الدبلوماسية قادرة على إدارة هذا الملف بشكل كبير للغاية”، لافتَا إلى أن “استدعاء السودان لسفيرها في القاهرة ليس له أي مبرر، لكنه يوحي بأن السودان دخل في ترتيبات إقليمية تستعدي مصر، ومصر قادرة على مواجهة هذه الترتيبات”.

وبإلقاء نظرة سريعة على التسلسل الزمني لتوتر العلاقات بين البلدين، يأتي توجيه البشير اتهامًا رسميا للحكومة المصرية بدعم الحركات المسلحة السودانية المتمردة، حين شدد على أن “قوات الجيش والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور في هجومهم على الولايتين”، مؤكدا أن القوات المهاجمة انطلقت من دولة جنوب السودان ومن ليبيا على متن مدرعات مصرية، وهو ما نفته الحكومة المصرية في بيان رسمي.

ثم تبرز المقابلة التلفزيونية التي أججت الأزمة، حين صرّح وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور قائلًا: “نحن والمصريون حبايب إلى أن نصل إلى حلايب”، مؤكدًا في مقابلة حصرية مع RT، ضمن برنامج “قصارى القول” أن السودان “لن يتنازل عن منطقة حلايب”.

وحينها، نقلت وسائل إعلام سودانية بيانا للخارجية السودانية تقول فيه إنها أخطرت الأمم المتحدة برفض الخرطوم “لما يعرف باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر”، وتشدد فيه على “كامل رفضها لما ورد فيها من تعيين للحدود البحرية المصرية بما يشمل إحداثيات لنقاط بحرية تعتبر جزءا لا يتجزأ من الحدود البحرية لمثلث حلايب السوداني”.

وردًا على ذلك، أكدت الخارجية المصرية في بيان “رفض مصر القاطع لما انطوى عليه الخطاب من مزاعم حول السيادة السودانية على منطقة حلايب وشلاتين أو الادعاء باحتلال مصر لها”.

هدأت الأمور نسبيا، ثم اشتعل تراشقًا إعلاميًا مجددًا، حين قررت الخرطوم منح تركيا، جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها، أثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأثار قرار السودان سجالًا بين إعلاميي البلدين، فانتقدت صحف مصرية ذلك القرار واعتبرت أن الخرطوم “فتحت موانئها لانتقال سلاح الإرهاب والإرهابيين إلى مصر”، فقال الكاتب عماد الدين أديب في صحيفة “الوطن”، في مقالٍ بعنوان “عمر البشير والانتحار السياسي”، إن البشير “يلعب بالنار من أجل الدولارات”، إن الجزيرة “سوف تتحول إلى قاعدة دفاع وتدريب وتخزين للسلاح يتم إنشاؤها بواسطة شركات تركية وبتمويل كامل من دولة قطر”.

وفي صحيفة “الانتباهة” السودانية يقول كمال عوض في مقالة تحت عنوان “موقف مصري غريب” إن الإعلام المصري يحاول “التقليل من شأن زيارة أردوغان للسودان.. ويكيل الاتهامات” ويصور الزيارة “وكأنها حلقة تآمر ضدهم”.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، نقلت مصر شعائر صلاة الجمعة على التلفزيون المصري، من حلايب. وأدى الخطبة وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، من مسجد “التوبة” بالمدينة الواقعة جنوبي محافظة البحر الأحمر، عقب بثه مقدمة تلفزيونية عن مصرية حلايب وشلاتين ودعوات لاستقرار البلاد، بحضور رؤساء جامعات وقيادات أمنية مصرية.

وفي غضون ذلك، نشرت صحيفة “أديس فورشن” الإثيوبية عن مصادر (لم تسمّها) ان مصر طلبت من إثيوبيا استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة، وترجمته عنها وسائل إعلام سودانية، لترد الخارجية المصرية بالنفي.

واهتمت صحف السودان الصادرة صباح الأربعاء 3 يناير/كانون الثاني بالتوتر القائم بين البلدين، إذ نقلت جريدة “الصحافة” عن مصادر أن “مصر اعترضت على استغلال السودان حصته كاملة من المياه”، فيما حذر القيادي بالمؤتمر الوطني نافع علي نافع في تصريحات لـ”الأهرام اليوم” من فجوة شعبية بين البلدين.

وفي اليوم التالي، نشرت وكالة أنباء السودان أبرز ما تناولته الصحف الصادرة في البلاد، ومنها قول رئيس اللجنة الفنية للحدود من الجانب السوداني، عبدالله الصادق، إن استمرار ما أسماه بـ”العدوان المصري” على مثلث حلايب يهدف إلى جر السودان للدخول في اشتباكات مباشرة مع مصر، كما نشرت صحيفة الوفاق على لسان نقابة عمال الغابات أن “مصر تسعي لخنق السودان وإيقاعه في فخ الاستعمار”.

وفي مقال بصحيفة الانتباهة، قال الكاتب السوداني في مقال له إن “التنفيذ لهدم المنطقة كلها يبدأ في أول أو منتصف فبراير المقبل، بضربة صاروخية، تسددها مصر لسد النهضة” على حد قوله.

وأشار الكاتب إلى أن الدلائل على ذلك تبرز في “الحشد الهائل في أحداث الأسبوع الماضي والشهر الماضي”، لافتًا إلى الاجتماعات العسكرية التي تمت مؤخرًا بين السودان وقطر وتركيا والسعودية إثيوبيا، ومصر، بحسب مقاله.

وفيما يقول الكاتب المصري، عماد أديب إن جزيرة سواكن “سوف تتحول إلى قاعدة دفاع وتدريب وتخزين للسلاح يتم إنشاؤها بواسطة شركات تركية وبتمويل كامل من دولة قطر”، يقول إسحق في المقابل إن المنازل التي بنتها مصر في حلايب مؤخرًا “تمتد تحت أرضها مخازن الأسلحة والذخائر والتشوين.. استعدادًا للحرب”.

ولذلك قالها الدبلوماسي المصري: “الإعلام لا بد أن يبتعد عن التدخل في العلاقات بين مصر والسودان”.