في عام 2002 أُنتج مسلسل «فارس بلا جواد» للفنان محمد صبحي، وتزامن عرضه الأول مع شهر رمضان المبارك، عمل أثار جدلاً واسعًا مثلما أحدثه بطل القصة، إلى حد وجود ضغوط دولية لمنع عرضه على الشاشات، ما أفضى في نهاية الأمر إلى حذف بعض الأحداث منه.
كتب العمل الفنان محمد صبحي وجسد بنفسه شخصية البطل «حافظ نجيب»، والذي كتب مذكراته حتى عام 1909، وهي المرحلة التي تميزت بغزارة الأحداث المثيرة، بعدها توقف عن الكتابة حتى فارق الحياة عام 1946، كل ذلك أعدّه للنشر الباحث ممدوح الشيخ في كتاب «اعترافات حافظ نجيب».
بدأ الفرنسيون في الدفع بـ«حافظ» لإنجاز بعض المهام الجاسوسية، منها ما رواه بخصوص تدريبه على تمثيل شخصية شاب أخرس لا يسمع ولا يتكلم إلا بأصوات تشبه ذوي الخرس، وهو ما أُجبر على أدائه لفترة طويلة حسب روايته.
يقول «حافظ»: «جمعوني بسيدة هولندية شابة اسمها ولهلمين من ذوي الجمال النادر، عرفت أنها زوجة ألماني يملك ضيعة كبيرة من ضاحية ولهامسهافن، ولكنها في الوقت نفسه من التابعات لإدارة التجسس في المكتب الثاني»، مردفًا: «لفت نظري جمال ولهلمين ووداعتها، وارتحت للسفر معها لأكون خادمًا في بيتها في الضيعة، ولو أنني مكوم عليّ بالخرس».
بحضور زوجها إلى باريس عرضت عليه رغبتها في الحصول على خادم أخرس، وهو ما وافق عليه رغم استغرابه من الأمر في الوهلة الأولى، ليطلع أولاً على أوراق «حافظ» المزعومة الدالة على أمانته.
واظبت «ولهلمين» على استقبال قائد فرقة ضباط الحامية في المنزل، وازدادت مرات اللقاء في كل مرة يغيب فيها الزوج، وهو ما كان يقع تحت أنظار «حافظ» الذي أجاد أداء دور الخادم الأخرس، وهو ما أثار ارتياح ضيف السيدة الجميلة إلى حد الثقة فيه.
اطمأن الضابط الألماني لـ«حافظ» الذي حرص على مرافقته على بُعد خطوات من مغادرته منزل «ولهلمين»، حتى أمره في إحدى المرات بإيصال كتاب مغلف إلى الفاتنة الهولندية يعترف فيه بحبه لها.
بعد أشهر تمكن فيها «حافظ» من إثبات ولائه للحسناء والقائد الألماني بدأ في مهمته الجاسوسية، المتمثلة في الحصول على أسرار تخص مدافع ثقيلة جديدة، وهي الموضوع عدد منها في ولهلمسهافن: «لم تكن العملية سهلة بل دقيقة، لمعرفة أجزاء المدفع ووزن القذيفة، ومقاييس شتى ثم مدى الرماية».
تابع «حافظ»: «دأبت على جمع هذه المعلومات جزءًا بعد جزء بعد فترات من الزمن، وكنت أبلغ رئيسي أولاً بأول بما حصلت عليه، كانت الكتابة طبعًا بالحبر السري وبشفرة خاصة، وكانت ولهلمين صندوق البريد، فهي التي تتولى تسليم الكتب للجاسوس البريد».
شعر «حافظ» بالغرور إيذاع النجاحات التي حققها في مهمته وفق روايته، حتى أصبح غير مباليًا باحتياطاته تجاه الآخرين تجنبًا لافتضاح أمره، وهو ما تزامن مع إصابته بالملل من طول فترة إقامته مع «ولهلمين».
اعتمد «حافظ» في جمع معلوماته على التوجه إلى قلعة القائد، في الوقت الذي يقضي فيه أوقاته الساخنة رفقة «ولهلمين»، لكن في إحدى المرات تعرض للهجوم من قِبَل كلبه، والذي اختطف منه الورقة التي دون بها ما اطلع عليه من أسرار المدفع، وهو ما دفع أحد ضباط الحراسة للتوجه إلى باب المكتب ليرى ما حدث.
في تلك اللحظة أخرج الضابط مسدسه وصوبه تجاه رأس «حافظ»، قائلاً له: «ارفع يديك إلى رأسك»، وتحت وطأة التهديد رفع يديه بالفعل إلى رأسه، وهنا انكشف أمره بأنه يسمع ويتكلم وليس بأخرس كما هو معروف.
يروي «حافظ» عن تلك اللحظات العصيبة: «صفّر الضابط وأنا تحت رحمة مسدسه فهرع إليه بعض زملائه، خرجوا من حجراتهم وقبضوا عليّ، ورأيت الكلب رابضًا على خطوات منا والورقة الخطيرة في فمه، فاستخلصها أحد الضباط وتحقق مما فيها ثم سلمها للضابط الأول، فأمر بنقلي إلى سجن القلعة فألقيت في دهليز الموت».
لم يجد «حافظ» مناصًا من الاعتراف بتجسسه، لكن دون أن يُفصح عن الجهة التي عمل لصالحها، على الجانب الآخر كان المحقق مصرًا على سماع اعترافه كاملاً، واعدًا إياه بأشياء كثيرة إلى حد عفو ألمانيا عنه، لكنه ثبت على موقفه.
حقق الألمان مع «ولهلمين» وروت ملابسات استدعائها لهذا الخادم الأخرس، وهو ما أكده عليه زوجها، على الجانب الآخر أحرقت الشفرة التي كانت تعمل بها هي و«حافظ» للتخلص من أي شبهات تلاحقها.
في إحدى الأيام فوجئ «حافظ» بإيقاظه من النوم، وطلب منه ضابط خلع ملابسه وارتداء الملابس العسكرية لأحد الحراس، قبل أن يطلب منه السير خلفه حتى استقلا زورقا بحريا وهربا.
فور أن رأي «حافظ» البر فوجئ بوقوف «ولهلمين» في انتظارهما، لكنه لم يكن سعيدًا بهذا الهروب، خاصةً وأن الملابس التي ارتداها هي لجندي تم قتله حتى يحل مكانه، كما قتل الضابط، الذي يرافقه، قائد الزورق الحقيقي ليتمكنا من الهرب، ما سبب له خوف من ملاحقته فيما بعد.
قضى الثلاثة، «حافظ» و«ولهلمين» والضابط، في مخبأ يشبه القبر داخل مزرعة لمدة أسبوعين، بعدها افترق عنهما في حراسة أحد الأشخاص الذي رافقة حتى الحدود الألمانية.
تمكن «حافظ»، بعد 3 أشهر من التنقل من بلد لأخرى، من العودة إلى باريس، لكنه لم يجد مسكنه الخاص، وعلم من حرس البوابة أن بعض أقاربه حضروا مع أحد أفراد البوليس وجمعوا متعلقاته ورحلوا.
في اليوم التالي، قابل «حافظ» الكولونيل «ليفلو» الذي استمع إلى قصته كاملاً، وبعد ساعات نقله إلى الكولونيل «سيكست» الذي عنّفه بشدة قائلاً: «لقد أسأت التصرف في أول عمل نيط بك، وسبّب القبض عليك مشاكل، واُتهمت فرنسا بأنك كنت تتجسس لحسابها، وظهورك هنا سيؤيد هذا الاتهام، والعمل في هذا المكتب يجب أن يتم في الخفاء وبدون إحداث ضجة».
أبلغه «سيكست» بضرورة خروجه من الأراضي الفرنسية بأكملها، على أن ينفذ ذلك القرار الكولونيل «ليفلو»، ليقضي «حافظ» أيامًا قليلةً في السجن قبل أن يتم نقله إلى مرسيليا، ومن ثم ترحيله إلى الإسكندرية عبر باخرة.